نبذة عن حياة أبي فراس الحمداني
يعتبر أبو فراس الحمداني أميراً عربياً من بلاد الشام، عُرف بشجاعته وموهبته الشعرية، حيث تميزت أشعاره بالبلاغة والجاذبية، مما جعله محور اهتمام في الأدب العربي، خاصة من خلال قصائده الشهيرة المعروفة باسم “الروميات”. وكان ابن عم سيف الدولة الحمداني، الذي كان يحظى باحترام كبير وحب من أبي فراس، حيث شارك معه في العديد من المعارك. ونتيجة لهذا العلاقة الوثيقة، عينه سيف الدولة حكماً على مدينتي منبج وحران، المتواجدتين في سوريا بين حلب ونهر الفرات.
نسب ونشأة أبي فراس الحمداني
أبو فراس الحمداني هو الحارث بن سعيد بن حمدان، الذي ينتمي إلى قبيلة تغلب. وُلِد في مدينة الموصل العراقية في عام 320هـ أو 321هـ، وكان والده أميراً من أمراء بني حمدان. أما والدته، فقد كانت رومانية تُعزَى إلى أسرى الحرب. فقد والدته في سن مبكرة، حيث كان عمره ثلاث سنوات فقط، فتعهدت تربيتَه والدته بمساعدة ابن عمه سيف الدولة الحمداني، الذي كان في تلك الأثناء حاكماً على بلاد الشام. في هذا الإطار، نشأ أبو فراس فارساً شجاعاً وذا بنية قوية، إذ كان معروفًا بشجاعته وذكائه، وكان فخوراً بقوته وقدرته على التغلب على أعدائه في المعارك.
شعر أبي فراس الحمداني
شملت أعمال أبي فراس الحمداني الشعرية مجموعة متنوعة من الأغراض الأدبية، حيث كتب في الرثاء بأسلوب يعبّر عن تعاطفه دون مبالغة، بينما انغمس في الغزل بتعبير صادق مليء بالعاطفة. وفي قصائده الفخرية، كان يعبر عن مكانته العالية وعائلته الرفيعة، فكثيراً ما كان يفتخر بنفسه وعشيرته، كما يظهر في أبياته.
على سبيل المثال، في قصيدة له قال:
نطقتُ بفضلي وامتدحتُ عشيرتي
فلا أنا مدّاح ولا أنا شاعر
كما ألف أبي فراس في فترة أسره في بلاد الروم مجموعة من القصائد التي قالبت تحت مسمى “الروميات”، التي كانت مليئة بمشاعر الحزن والألم الناتجة عن معاناته في السجن.
أغراض شعر أبي فراس الحمداني
روميات أبي فراس
تعد “روميات” أبي فراس من بين أفضل أشعاره، إذ تعبر عن مشاعر حقيقية تتعلق بالشوق والحنين، فهي تجسد آلامه في السجن وتعبر عن شوقه لوالدته وعذابه بسبب أسرِه. وقد أظهرت هذه القصائد قدرته على التعبير عن حالته النفسية العميقة، فضلاً عن إيمانِه وقوة تحمله.
الرثاء
ركز أبو فراس على رثاء بعض ذويه، بما في ذلك والدته وأخته وابن أخته. وبلغ عدد أبيات شعره في هذا المجال تسعين بيتاً، حيث تجلى له فيه قوة العاطفة. ومن بين أبياته الشهيرة:
أيا أمَّ الأسيرِ سقاكِ غيثٌ ،
بكُرْهٍ مِنْكِ مَا لَقِيَ الأسِيرُ
العتاب
بدا شعر أبي فراس مليئاً بالعتاب، خاصة تلك الموجهة لابن عمه سيف الدولة. كان هذا العتاب مليئاً بالحب والاحترام، معترفاً بشعوره بالخيبة نتيجة تأخره في مساعدته. خلال هذا العتاب، كان يعبّر عن اعتزازه بنفسه وحبه لتلك العلاقة.
الفخر الذاتي
الفخر الذاتي في شعر أبي فراس يعكس اعتزازه بفضائله، حيث كان فخوراً بشجاعته وفروسيته. في قصائده، اكتسب هذا الفخر مكانة كبيرة، بسبب الظروف التي عايشها في حياته، وشجاعته في خوض المعارك. كما كان يبرز مكانة قبيلته تغلب التي تحملت مسؤوليات كبيرة في مواجهة الأعداء.
ديوان أبي فراس الحمداني
على الرغم من أنه لم يكن يهتم كثيراً بجمع شعره، إلا أن ديوانه أصبح معروفاً من خلال محاولات العديد من العلماء لجمعه. وأول طبعة للديوان صدرت عام 1873 في بيروت، لكنها كانت تحتوي على العديد من الأخطاء. لاحقاً، شهد الديوان المزيد من الطبعات، ولكنها لم تتجاوز مستوى النسخة المحققة التي أعدها سامي الدهان عام 1944.
علاقة أبي فراس بسيف الدولة
لم يكن تأثير اليتم على أبي فراس سلطاناً، بل عوضته والدته بفضل تربيتها. كما ساعده ابن عمه سيف الدولة في صقل مهاراته وتطويره ليصبح فارساً شجاعاً، حيث عاش الكثير من سنوات حياته في حلب، التي كانت مركزاً للأدب والفكر. وقد لعب سيف الدولة دوراً مهماً في حياة أبي فراس، مما ساعده في الالتقاء بمجموعة من الشعراء والعلماء.
أسر أبي فراس الحمداني
وقع أبو فراس في الأسر مرتين نتيجة للصراعات بين الروم والحمدانيين. وكانت المرة الأولى في عام 347هـ، حيث نجح سيف الدولة في افتدائه. أما المرة الثانية، فقد أُسر حيث نُقل إلى القسطنطينية. ولكن بعد أربع سنوات، تمكّن سيف الدولة من تحريره.
صفات وأخلاق أبي فراس الحمداني
تجلت في شخصية أبي فراس الأخلاق الحميدة والنقية، حيث عُرف بالكرم والشجاعة. وقد دعا دائماً إلى مكارم الأخلاق من خلال شعره، مُعبرًا عن مبادئه في الصبر وشرف النفس. وكان له تأثير رائع فيمن حوله، مما جعله محط إعجاب الكثيرين.
وفاة أبي فراس الحمداني
توفي أبو فراس الحمداني في عام 356هـ، بعد عام واحد من خروجه من السجن، وقد وافته المنية في ساحة المعركة عن عمر يناهز السبعة والثلاثين عاماً. وقد عُرف عنه أنه كان فارساً مات في سبيل المجد.