قصيدة أحبك أحبك والبقية تأتي
يقول نزار قباني:
حديثك مثل سجادة فارسية، وعيناك كعصفورتين دمشقيتين، تطيران بين الجدران. قلبي يسافر كحمامة فوق مياه يديك، ويستريح تحت ظل السوار. وإني أحبك، لكني أخاف من التورط في حبك. أخاف من الوحدة معك، وأخشى التقمص فيك. لقد علمتني التجارب أن أتجنب عشق النساء والأمواج. لا أناقش حبك، فهو نهاري. لا أتناقش في شمس النهار. حبك يقرر متى سيأتي، ومتى سيذهب، وهو يحدد أوقات الحوار وأشكاله. دعيني أقدم لك الشاي، فأنت خرافية الجمال هذا الصباح، وصوتك نقش جميل على ثوب مراكشية. عقدك يلعب كطفل تحت المرايا، ويرتشف الماء من شفة المزهرية. هل قلت إني أحبك؟ هل قلت إني سعيد لوجودك هنا، لأن حضورك يسعدني كحضور القصيدة وحضور الذكريات البعيدة. دعيني أترجم بعض حديث المقاعد التي ترحب بك، ودعيني أعبر عما يدور في ذهن الفنجان، ويفكر في شفتيك. دعيني أضيفك كحرف جديد على أحرف الأبجدية. دعيني أناقض نفسي قليلاً وأجمع بين الحضارة والبربرية في الحب. أأعجبك الشاي؟ هل تفضلين وضع الحليب؟ وهل تكتفين كما كنت دائماً بقطعة سكر؟ أما أنا، فأفضل وجهك بدون سكر. أكرر للمرة الألف إني أحبك. كيف تريدينني أن أفسر ما لا يفسر؟ كيف تريدينني أن أقيس مساحة حزني، الذي كطفل يزداد جماله ويكبر كل يوم. دعيني أقول بكل اللغات، التي تعرفين والتي لا تعرفين، أحبك فقط. دعيني أبحث عن كلماتٍ بحجم حنيني إليك، وكلمات تغطي مساحة نهديك بالماء والعشب والياسمين. دعيني أفكر فيك وأشتاق إليك، وأبكي وأضحك من أجلك، وألغي المسافة بين الخيال واليقين. دعيني أنادي عليك بكل حروف النداء، لعلي إذا أشرت باسمك، من شفتيك تنشقين. دعيني أؤسس دولة عشق تكونين أنت الملكة فيها، وأنا أعظم العاشقين. دعيني أقود انقلاباً يوطد سلطتك بين الشعوب. دعيني أغير بوجه الحب ملامح الحضارة، فأنت الحضارة، والتراث الذي يتشكل في باطن الأرض منذ آلاف السنين. أحبك! كيف تريدينني أن أثبت أن وجودك في الكون كوجود المياه والأشجار، وأنك زهرة دوار الشمس وبستان نخل، وأغنية أبحرت من وتر. دعيني أقول لك بالصمت، حين تكون العبارة ضيقة، وحين يصبح الكلام مؤامرة أتعرض لها، وتصبح القصيدة كأنها آنية من حجر. دعيني أقول لك ما بين نفسي وبينك، وما بين أهداب عيني وعينيك. دعيني أقول بوسيلة رمزية إن كنت لا تثقين بنور القمر. دعيني أقول لك بالبرق أو برذاذ المطر. دعيني أقدم للبحر عنوان عينيك إن قبلت دعوتي للسفر. لماذا أحبك؟ لأن السفينة في البحر، لا تتذكر كيف تطوقها المياه، ولا تتذكر كيف يتملكها الدوار. لماذا أحبك؟ لأن الرصاصة في اللحم لا تسأل من أين جاءت، ولا تقدم أي اعتذار. لماذا أحبك، لكن لا تسألي، فليس لدي خيار، وليس لديك خيار.
قصيدة كتاب الحب
يقول نزار قباني:
ما دمت يا عصفورتي الخضراء حبيبتي، فإنه يجب أن تعلم أن الله في السماء. تسألني حبيبتي: ما الفرق بيني وبين السماء؟ الفرق أنك إذا ضحكت، يا حبيبتي، أنسى السماء. الحب، يا حبيبتي، قصيدة جميلة مكتوبة على القمر. الحب مرسوم على جميع أوراق الشجر. الحب منقوش على ريش العصافير وقطرات المطر. ولكن ما من امرأة في بلدي، إذا أحبت رجلاً، إلا وتُرمي بخمسين حجر. حين سقطت في الحب، تغيرت مملكة الرب. صار الدجى ينام في معطف، وتشرق الشمس من الغرب. يا رب، قلبي لم يعد كافياً، لأن من أحبها تعادل كل الدنيا. ضع في صدري واحدًا غيرها، ليكون في مساحة الدنيا. ما زلت تسألني عن عيد ميلادي. سجل لديك إذن، ما أنت تجهله، أن تاريخ حبك لي هو تاريخ ميلادي. لو خرج المارد من قمقمه، وقال لي: لديك دقيقة واحدة تختار فيها كل ما تريد، من قطع الياقوت والزمرد، لاخترت عينيك بلا تردد. ذات العينين السوداوين، ذات العينين اللامعتين. لا أطلب من ربي إلا شيئين: أن يحفظ هاتين العينين، ويزيد في أيامي يومين لأكتب شعرًا في هاتين اللؤلؤتين. لو كنت يا صديقتي بمستوى جنوني، رميت ما عليك من جواهر، وبعت ما لديك من أساور، ونمت في عيوني. أشكوك إلى السماء، أشكوك إلى السماء. كيف استطعت أن تختصري كل ما في الكون من نساء؟ لأن كلام القواميس قد مات، وكلام المكاتيب قد مات، وكلام الروايات قد مات. أريد اكتشاف طريقة عشق، أحبك فيها بلا كلمات.
قصيدة سألت حبيبي في قبلة
يقول أحمد شوقي:
سألت حبيبي في قبلة، فما معنى التردد بحكم الخجل؟ فظليت ملتزمة بصبري حتى غفا، ومالت على خده بالقبل. فلقد أبعد عن جفنه ثوب النوم، ومن الحدث الذي جرى بيننا، لا تسل. فقال: جرحت بوقع الشفاه خدي، وذنبك لا يحتمل. فقلت: أنت من جرحت قلبي، وأدمته بسهمي عينيك. وفي الشرع أن الجروح قصاص، جرح بجرح حكم عدل. فأبدى الحبيب ابتسامة الرضا، ومال كغصن النقا واستقام. وقال: وحق سواد العيون التي علمتك رقيق الغزل، لتستهدفّن نبل اللحظات إذا عدت يومًا لهذا العمل.
قصائد عن حب قديم
يقول محمود درويش:
على الأنقاض وردتنا، ووجهانا على الرمل. إذا مرت رياح الصيف أشعلنا المنادي. على مهل على مهل، وغبنا طي أغنيتين كالأسرى. نراوغ قطرة الطل، تعالي مرة في البالية. أختاه، إن أواخر الليل تعريني من الألوان والظل، وتحمييني من الذل في عينيك يا قمري القديم. يشدني أصلي إلى إغفاءة زرقاء تحت الشمس والنخل، بعيداً عن دجى المنفى، قريباً من حمى أهلي. تشتهي الطفولة فيك، مذ طارت عصافير الربيع. تجرد الشجر، وصوتك كان يا ما كان. يأتي إليّ من الآبار أحياناً، وأحياناً ينتقطه لي المطر. تعالي، كالنار، كالأشجار، كالأشعار، ينهمر. كان في عينيك شيء أشتهيه، وكنت أنتظر. شديني إلى زنديك، شديني أسيراً منك يغتفر. تشتهي الطفولة فيك، مذ طارت عصافير الربيع. تجرد الشجر، وعبر في الطريق مكبلين. كأننا أسرى، يدي لم أدرِ أم يدك، احتست وجعاً من الأخرى. ولم تطلق كعادتها في صدري أو صدرك، سيرة الذكرى. كأننا عابرون في طريقنا، كل الناس إن نظروا، فلا شوقاً ولا ندماً ولا جزع. نغطس في الزحام لنشتري أشياءنا الصغرى، ولم نترك لليلتنا رماداً يذكر الجمر.
قصيدة لِمَن طَلَلٌ أَبصَرتُهُ فَشَجاني
يقول امرؤ القيس:
لمن طلل أبصرته فشجاني، كخط زبور في عسيب يماني. ديار لهند والرباب وفرتني، ليالينا بالنعم من بدالان. ليالي يدعوني الهوى فأجيب، وأعين من أهواه إلي رماني. فإن أمس مكروباً، فيا رب بهمة، كشفت إذا ما اسود وجه جبان. وإن أمس مكروباً، فيا رب قينة، منعة عملتها بكران. لها مزهر يعلو الخميس بصوته، أجش إذا ما حركته اليدان. وإن أمس مكروباً، فيا رب غارة، شهدت على قب المسك رخو اللسان. على ربد يزداد عفواً إذا جرى، مسح حثيث الركض والزأل. ويخدي على صم صلاب ملاطس، شديدات عقد لينات متان. وغيث من الوسمي حوٍّ تلاعته، تبرطنته بشيظم صلتان. مكرٍّ مفرٍّ مقبلٍ مدبرٍ مع، كتيتس ظباء الحلب الغضوان. إذا ما جنبناه تأودمت متنه، كعرق الرخامى اهتز في الهطلان. تمتعي من الدنيا فإنك فاني، من النشوات والنساء الحسان. من البيض كالأحلام والأدم كالدمى، حواصنها والمبرقات الرّواني. أمن ذكر نبهانية حل أهله، بجزع الملا عينيك تبتدران. فدمعهما سكب وسح وديما، ورش وتوكاف وتهنمان. كأنهما مزادتان متعجلين، فريان لما تسلقت بديهان.
قصيدة ضَحِكَت عُبَيلَةُ إِذ رَأَتني عارياً
يقول عنترة بن شداد:
ضحكت عبيلة إذ رأنتي عارياً، خلق القميص وساعدي مخدوش. لا تضحكي مني يا عبيلة، وعجبي مني إذا التفّت عليّ جيوش. ورأيت رمحي في القلوب محكماً، وعليه من فيض الدماء نقوش. ألقى صدور الخيل وهي عبابسٌ، وأنا ضحوك نحوها وبشوش. إني أنا ليث العرين، ومن له قلب الجبان محيّر مدهوش. إني لأعجب كيف ينظر صورتي يوم القتال مبارزٌ ويعيش.
قصيدة قلب مدله وفي الضلوع حريق
يقول ابن زهر الحفيد:
قلب مدلّه وفي الضلوع حريق، يا له لا كان. يذيب صبري ولا تزال تريق. معها الأجفان، أخت السماك شوقي إليك شديد. آه من قلبي، أما هداك فثابت ويزيد. الهوى حسبي، على نواك أني هناك شهيد. معركة الحب، يا من أضلّه عن الصواب فريك. قولهم بهتان، بل ليس تدري أن العذول حقيق. منك بالهجران، قلب قريح وفى الفؤاد كلوم. أبدا تدمى، ويا مشيح إلى متى تستديم. جسدي سقماً، ويا نصوح أهدي إليك الملوم. أذناً صمّا، أطلت عذلته وما أراك تطيق. رده عن شأن، وأي نكر أن يستلم مشوق. عذره قد بان، كذا أذوب ولا يزال الغليل. جسدي يضنى، فَرَّ الطبيب من علتي ويقول، أين هو مني؟ ولي حبيب يسلو الوصال بخيل. سيئ الظن، إن رمت وصله قال: أنت صديق. ضيع الكتمان، إن باح سري أني بهذا لخليق. وبدأ إعلان، يا من لديه حسن الملاح، حقير كلما تاهوا. ومن عليه حرب المعالي، يسير حين يلقاه. ومن إليه أشكو الهوى، ويجور حسبة الله. يا خير جملة فيك الجمال، أنيق والصبر يان. أنا لعمري في مقلتيك، أفوق في الهوى غيلان. يا من يطيل من الصدود كفاك، استمع مني. ويا عذول ألست تملك فاك، انتبه عني. ويا بخيل ألا أبتُ لماكَ، جودُ ممتنّ. قبلني قبله ومَرّ عني طريق، ذا الرشا الوسنان. يا ليت شعري وفي طريقي لحقيق، أملج الغزلان.