من هو زرياب وما سبب تسميته؟
أبو الحسن علي بن نافع، المعروف بلقب زرياب، هو موسيقي بارز عاش خلال فترة الخليفة العباسي المهدي. حصل زرياب على لقبه نتيجة لسمات بارزة لديه، حيث كان يتميز بلون بشرته الداكن، وقدرته الفائقة على التعبير، بالإضافة إلى جمال صوته، مما جعل البعض يشبهه بطائر الزرياب، الذي يتميز بلونه الأسود وصوته العذب. كما تشير بعض المصادر إلى أن اسم زرياب في اللغة الفارسية يعني الذهب الأصفر، وهو ما يدل على نقاء صوته وبلاغته.
ولادة زرياب وأصوله
تباينت الآراء بين المؤرخين حول سنة مولد زرياب، ولكن يُعتقد أنه وُلِد في عام 789م / 173 هجريًا في بغداد. وعلى الرغم من عدم وجود معلومات دقيقة حول أصوله، وردت بعض التواريخ والمراجع مثل كتاب “شمس العرب تسطع على الغرب” للكاتبة الألمانية زيغريد هونكه، حيث تشير إلى كون زرياب أحد ألمع طلاب المدرسة الكردية.
زرياب وعلاقته بأبي إسحاق الموصلي
كان أبو إسحاق الموصلي مولعًا بالموسيقى والعزف على آلة العود، واستطاع أن يكتشف موهبة زرياب خلال فترة عبوديته لديه. تطورت العلاقة تدريجيًا بينهما، حيث نشأت بينهما مشاعر ثقة وتقدير، وعُرف الموصلي بعادته في عتق العبيد خلال المناسبات الدينية، إذ قام بعتق زرياب وتزويجه. يُذكر أن القصة بدأت عندما طلب الخليفة العباسي من الموصلي أن يقدم له شيئًا لم يسمعه من قبل، فما كان من الموصلي إلا أن اختار زرياب، الذي لاقى إعجاب الخليفة بشدة، مما دفعه لإحضاره إلى البلاط بشكل دائم.
وفقًا لكتاب “الحضارة العربية في إسبانيا” للمؤرخ الدكتور الطاهر مكي، فقد فاق زرياب كل توقعات الخليفة الرشيد، مما دفع معلمه لشعور الغيرة والحسد، فطلب منه أن يغادر إلى الغرب بحثًا عن فرصة جديدة، حيث خشي على حياته في بغداد.
رحلة زرياب في الأندلس
استقبل زرياب في الأندلس الحياة التي طالما حلم بها، ومع مرور الوقت أصبح قريبًا من عبدالرحمن بن حكم، الذي أحب صوته الفريد وشغف بكل ما هو جديد ومميز.
أدخل زرياب العديد من التغييرات الجذرية على المجتمع الأندلسي، حيث لاحظ أن الأهالي لا يميزون بين ملابس الشتاء والصيف، فعلمهم الفروق بينهم. كما علم أبناء الأندلس أهمية العناية بالشعر، كل ذلك تحت إشراف ابنتيه حمدونة وعلية. بالإضافة إلى ذلك، اكتشف زرياب أن ثياب الأندلسيين كانت تحمل رائحة العرق، فاقترح استخدام نبات السفراج لخلق رائحة مميزة. لم يكن لموسيقاه أن تبقى كما كانت، إذ أدخل نظام الموشحات وأسّس مدرسة للموسيقى، والتي جذبت الطلاب من جميع أنحاء العالم.
شغف زرياب بالفن الموسيقي
كان من أبرز مساهماته هو إضافة وتر خامس إلى آلة العود، وقد استخدم معارفه الواسعة في تأليف عدة ألحان وأغاني استلهمها من فترة إقامته في بغداد مع أبي إسحاق الموصلي، مما أضفى حيوية جديدة على الموسيقى في الأندلس. كما أسس زرياب معهدًا خاصًا لتعليم الموسيقى يُعرف بـ “دار المدنيات”، الذي يُعتبر أول معهد أكاديمي لتعليم الفن الموسيقي وجذب المهتمين من جميع أنحاء الشرق والغرب.
تشير الدكتورة مانويلا كورتس، أستاذة التاريخ بجامعة غرناطة في إسبانيا، إلى أن “زرياب يُعتبر الأسطورة الرائدة بين الشرق والغرب، وكان بمثابة السفير للموسيقى الشرقية في الأندلس، حيث حمل معه كنوز المعرفة المتواجدة في المدرسة العباسية، وبشكل خاص تلك المنبثقة من بغداد، بمعرفة أخرى جاءت من القيروان خلال العصر الذهبي لعبد الرحمن الثاني”.