قصيدة نبكي الشباب
يقول الشاعر ابن الرومي:
نبكي الشبابَ من أجلِ حاجاتِ النساءِ ولديّ
أهدافٌ أخرى سأنعيها
أبكي الشبابَ لجمالٍ كان يُعجبني
إذا كانت عيوني تتأمل مشاهدها
ما كان أعظم عندي قدرَ تلك النعم
لنفسه، لا من عيونٍ كانت تُسحرها
كانت لعينيّ قرةٌ عجيبةٌ
تفوقُ عيونَ اللواتي كنت أراقبها
ما كان أكثر إعجابَ النساء به
فالنفسُ أحوجُ لإعجابٍ بما فيها
كم كان يُبهجُ من عينٍ تتقلّبُ به
وكان يُبهجُ من أخرى تُحزنه
كم كان يجلو غبشَ عينٍ ببريقه
حتى إذا جال فيها عادت لتُرهقها
تتجول النساءُ وتطلقُ عليه العيون
فبالسهام التي أطلقن، يصبحن يُصيبنه
يثني عليهن نبلٌ ظنَّ مرسلها
ألا شيء يمكن أن يثنيهن
أبكي الشباب للذّات القنص إذا
عانت ثقلَ الأيام وعادَت مُساقَةً
هناك لا ميلان الشبان يُجددني
ولا النفس تُخلي عن الطوع
فإذا غدوتُ فأنا عن نفسٍ مكلفةٍ
مثل الحسير يُزجّي بالحياة
أبكي الشبابَ للذات الشمولِ إذا
غنّوا القيانُ وحثّ الكأسَ ساقيها
هناك لا أكون مرتاحاً وشارباً
ولا أخو سلوةٍ عنها يُغادرها
كم زفرةٍ لي ملء الصدر حينئذ
من حسرةٍ في خَفَرِ القلب أُخفيها
أبكي الشبابَ لنفسٍ كانت تُسعفُها
كافةَ ما سعت إليه من لذائذها
أبكي الشبابَ لآمالٍ خاب رجاؤها
كانت لنفسي مُمتعَةً في مداراتها
أبكي الشبابَ لنفسٍ لا ترى خلفاً
منه ولا عوضاً منذ أن كانت تُرضيها
أبكي الشباب لعينيٍ قد تعبت نظرته
بعد ثقوبٍ وحار الشكل يأخذها
عينٌ قد عهدتُ لها نبلٌ مُكثّفٌ
تُصمّي وتُنمّي فشغلتني الآن
أبكي الشبابَ لأذنٍ كان سمعها
وقد تُجابُ عن بعدٍ لدعواتها
أذنٌ وإن كانت قد تعبَت، فأنا لم أجد بدلاً
وقراً سوى وقْرها عن لومٍ آنِسها
أبكي الشباب لكفٍ مُنعمةٍ
وقد تردّ وتلوّ كف ليس لها
كفٌ قد عهدت ثمارَ اللهو قريبةً
لكنها قد انتقصت عنها مَغانيها
كان الشباب وقلبي منه غارقٌ
في متعةٍ لست أدري ما دواعيها
روحٌ على النفس كان يُبردها
بردَ النسيم ولا ينفكُ يُحييها
كأن نفسي كانت تُسير من روضةٍ
بات ساقي المُزنِ ساقيها
كأن نفسي كانت معه تُدركه
نسيم راحلٍ وريحانٍ يُحييها
كأن نفسي كانت له حاضرةً
في كل حالٍ تعطي حباً يُعطيها
من مات فقد مات كما قد قيل حاجته
إلا الشباب وحاجاتٍ يُبقيها
يمضي الشباب ويترك من لُبانته
شجواً على النفسِ يُشجوها ويُشجيها
ليتَ اللبانة كانت تنقضي معه
أو كان يبقى ويظلُّ الزمن باقياً
كلا، ولكنه يمضي وقد بقيتْ
في النفس منه بقايا تؤلمني
وإن أبرحَ ما استودعتهُ خالداً
لبانةٌ لك لا تستطيع تقضيها
وكانت النفسُ تنهى إذا غويتْ
ناهٍ سواها فمنها الآن ناهيةً
قصيدة وا حرَّ قلباه
يقول الشاعر المتنبي:
وَاحَـرّ قَلْبـاهُ مـمّنْ قَلْبُـهُ شَبِـمُ
وَمَنْ بجِسْمـي وَحالي عِنـدَهُ سَقَـمُ
ما لي أُكَتِّمُ حُبًّا قَدْ بَـرَى جَسَـدي
وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلـةِ الأُمَـمُ
إنْ كَـانَ يَجْمَعُنَـا حُـبٌّ لِغُرّتِـهِ
فَلَيْتَ أنّـا بِقَـدْرِ الحُـبّ نَقْتَسِـمُ
قد زُرْتُهُ وَسُيُـوفُ الهِنْـدِ مُغْمَـدَةٌ
وَقـد نَظَـرْتُ إلَيْـهِ وَالسّيُـوفُ دَمُ
فكـانَ أحْسَـنَ خَلـقِ الله كُلّهِـمِ
وَكانَ أحسنَ ما فِي الأحسَنِ الشّيَـمُ
فَوْتُ العَـدُوّ الـذي يَمّمْتَـهُ ظَفَـرٌ
فِـي طَيّـهِ أسَـفٌ فِي طَيّـهِ نِعَـمُ
قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ
لَكَ المَهـابَـةُ ما لا تَصْنَـعُ البُهَـمُ
ألزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئـاً لَيـسَ يَلزَمُهـا
أنْ لا يُـوارِيَهُـمْ أرْضٌ وَلا عَـلَـمُ
أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشـاً فانْثَنَـى هَرَبـاً
تَصَرّفَـتْ بِـكَ فِي آثَـارِهِ الهِمَـمُ
عَلَيْـكَ هَزْمُهُـمُ فِي كـلّ مُعْتَـرَكٍ
وَمَا عَلَيْـكَ بِهِمْ عَـارٌ إذا انهَزَمُـوا
أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْـواً سِـوَى ظَفَـرٍ
تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الـهِنْدِ وَاللِّمـمُ
يا أعدَلَ النّـاسِ إلاّ فِـي مُعامَلَتـي
فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَـمُ
أُعِيذُهـا نَظَـراتٍ مِنْـكَ صادِقَـةً
أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمـهُ وَرَمُ
وَمَا انْتِفَـاعُ أخـي الدّنْيَـا بِنَاظِـرِهِ
إذا اسْتَوَتْ عِنْـدَهُ الأنْـوارُ وَالظُّلَـمُ
سَيعْلَمُ الجَمعُ مـمّنْ ضَـمّ مَجلِسُنـا
بأنّني خَيـرُ مَنْ تَسْعَـى بـهِ قَـدَمُ
أنَا الذي نَظَـرَ الأعْمَـى إلى أدَبـي
وَأسْمَعَتْ كَلِماتـي مَنْ بـهِ صَمَـمُ
أنَامُ مِلْءَ جُفُونـي عَـنْ شَوَارِدِهَـا
وَيَسْهَـرُ الخَلْـقُ جَرّاهَـا وَيخْتَصِـمُ
وَجاهِلٍ مَـدّهُ فِي جَهْلِـهِ ضَحِكـي
حَتَّـى أتَتْـه يَـدٌ فَـرّاسَـةٌ وَفَـمُ
إذا رَأيْـتَ نُيُـوبَ اللّيْـثِ بـارِزَةً
فَـلا تَظُـنّـنّ أنّ اللّيْـثَ يَبْتَسِـمُ
وَمُهْجَةٍ مُهْجَتـي من هَمّ صَاحِبـها
أدرَكْتُـهَا بجَـوَادٍ ظَـهْـرُه حَـرَمُ
رِجلاهُ فِي الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَـدٌ
وَفِعْلُـهُ مَا تُريـدُ الكَـفُّ وَالقَـدَمُ
وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَيـنِ بـهِ
حتَّى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَـوْتِ يَلْتَطِـمُ
ألخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي
وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ
صَحِبْتُ فِي الفَلَواتِ الوَحشَ منفَـرِداً
حتى تَعَجّبَ منـي القُـورُ وَالأكَـمُ
يَا مَـنْ يَعِـزّ عَلَيْنَـا أنْ نُفَارِقَهُـمْ
وَجدانُنا كُلَّ شـيءٍ بَعدَكـمْ عَـدَمُ
مَا كـانَ أخلَقَنَـا مِنكُـمْ بتَكرِمَـةٍ
لَـوْ أنّ أمْرَكُـمُ مِـن أمرِنَـا أمَـمُ
إنْ كـانَ سَرّكُـمُ ما قالَ حاسِدُنَـا
فَمَـا لجُـرْحٍ إذا أرْضـاكُـمُ ألَـمُ
وَبَيْنَنَـا لَـوْ رَعَيْتُـمْ ذاكَ مَعـرِفَةٌ
إنّ المَعارِفَ فِي أهْـلِ النُّهَـى ذِمَـمُ
كم تَطْلُبُونَ لَنَـا عَيْبـاً فيُعجِزُكـمْ
وَيَكْـرَهُ الله مـا تَأتُـونَ وَالكَـرَمُ
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شَرَفِـي
أنَـا الثّرَيّـا وَذانِ الشّيـبُ وَالهَـرَمُ
لَيْتَ الغَمَامَ الذي عنـدي صَواعِقُـهُ
يُزيلُهُـنّ إلـى مَـنْ عِنْـدَهُ الدِّيَـمُ
أرَى النّـوَى يَقتَضينـي كلَّ مَرْحَلَـةٍ
لا تَسْتَقِـلّ بِهَـا الوَخّـادَةُ الرُّسُـمُ
لَئِـنْ تَرَكْـنَ ضُمَيـراً عَنْ مَيامِنِنـا
لَيَحْـدُثَـنّ لـمَنْ وَدّعْتُهُـمْ نَـدَمُ
إذا تَرَحّلْـتَ عن قَـوْمٍ وَقَد قَـدَرُوا
أنْ لا تُفـارِقَهُـمْ فالرّاحِلـونَ هُـمُ
شَرُّ البِـلادِ مَكـانٌ لا صَديـقَ بِـهِ
وَشَرُّ ما يَكسِبُ الإنسـانُ ما يَصِـمُ
وَشَـرُّ ما قَنّصَتْـهُ رَاحَتـي قَنَـصٌ
شُهْبُ البُـزاةِ سَـواءٌ فيهِ والرَّخَـمُ
بأيّ لَفْـظٍ تَقُـولُ الشّعْـرَ زِعْنِفَـةٌ
تَجُوزُ عِنـدَكَ لا عُـرْبٌ وَلا عَجَـمُ
هَـذا عِتـابُـكَ إلاّ أنّـهُ مِـقَـةٌ
قـد ضُمّـنَ الـدُّرَّ إلاّ أنّـهُ كَلِـمُ
قصيدة أبت عبراته إلّا انسكاباً
يقول الشاعر أبو العلاء المعري:
أَبَت عَبَراتُهُ إِلّا اِنسِكابا
وَنارُ غَرامِهِ إِلّا اِلتِهابا
وَمِن حَقِّ الطُلولِ عَلَيَّ أَلّا
أُغِبَّ مِنَ الدُموعِ لَها سَحابا
وَما قَصَّرتُ في تَسآلِ رَبعٍ
وَلَكِنّي سَأَلتُ فَما أَجابا
رَأَيتُ الشَيبَ لاحَ فَقُلتُ أَهلاً
وَوَدَّعتُ الغَوايَةَ وَالشَبابا
وَما إِن شِبتُ مِن كِبَرٍ وَلَكِن
رَأَيتُ مِنَ الأَحِبَّةِ ما أَشابا
بَعَثنَ مِنَ الهُمومِ إِلَيَّ رَكباً
وَصَيَّرنَ الصُدودَ لَها رِكابا
أَلَم تَرَنا أَعَزَّ الناسِ جاراً
وَأَمرَعُهُم وَأَمنَعُهُم جَنابا
لَنا الجَبَلُ المُطِلُّ عَلى نِزارٍ
حَلَلنا النَجدَ مِنهُ وَالهِضابا
تُفَضِّلُنا الأَنامُ وَلا تُحاشي
وَنوصَفُ بِالجَميلِ وَلا نُحابى
وَقَد عَلِمَت رَبيعَةُ بَل نِزارٌ
بِأَنّا الرَأسُ وَالناسُ الذُنابى
وَلَمّا أَن طَغَت سُفَهاءُ كَعبٍ
فَتَحنا بَينَنا لِلحَربِ بابا
مَنَحناها الحَرائِبَ غَيرَ أَنّا
إِذا جارَت مَنَحناها الحِرابا
وَلَمّا ثارَ سَيفُ الدينِ ثُرنا
كَما هَيَّجتَ آساداً غِضابا
أَسِنَّتُهُ إِذا لاقى طِعاناً
صَوارِمُهُ إِذا لاقى ضِرابا
دَعانا وَالأَسِنَّةُ مُشرَعاتٌ
فَكُنّا عِندَ دَعوَتِهِ الجَوابا
صَنائِعُ فاقَ صانِعُها فَفاقَت
وَغَرسٌ طابَ غارِسُهُ فَطابا
وَكُنّا كَالسِهامِ إِذا أَصابَت
مَراميها فَراميها أَصابا
قَطَعنَ إِلى الجِبارِ بِنا مَعاناً
وَنَكَّبنَ الصُبَيرَةَ وَالقِبابا
وَجاوَزنَ البَدِيَّةَ صادِياتٍ
يُلاحِظنَ السَرابَ وَلا سَرابا
عَبَرنَ بِماسِحٍ وَاللَيلُ طِفلٌ
وَجِئنَ إِلى سَلَميَةَ حينَ شابا
وَقادَ نَدي بنُ جَعفَرَ مِن عُقَيلٍ
شُعوباً قَد أَسالَ بِها الشِعابا
فَما شَعَروا بِها إِلّا ثَباتاً
دُوَينَ الشَدَّ تَصطَخِبُ اِصطِخابا
تَناهَبنَ الثَناءَ بِصَبرِ يَومٍ
بِهِ الأَرواحُ تُنتَهَبُ اِنتِهابا
تَنادَوا فَاِنبَرَت مِن كُلِّ فَجٍّ
سَوابِقُ يُنتَجَبنَ لَنا اِنتِجابا
فَما كانوا لَنا إِلّا أَسارى
وَما كانَت لَنا إِلّا نِهابا
كَأَنَّ نَدي بنَ جَعفَرَ قادَ مِنهُم
هَدايا لَم يُرِغ عَنها ثَوابا
وَشَدّوا رَأيَهُم بِبَني قُرَيعٍ
فَخابوا لا أَبا لَهُم وَخابا
وَسُقناهُم إِلى الحيرانِ سَوقاً
كَما نَستاقُ آبالاً صِعابا
سَقَينا بِالرِماحِ بَني قُشَيرٍ
بِبَطنِ العُثيَرِ السُمَّ المُذابا
فَلَمّا اِشتَدَّتِ الهَيجاءُ كُنّا
أَشَدَّ مَخالِباً وَأَحَدَّ نابا
وَأَمنَعَ جانِباً وَأَعَزَّ جاراً
وَأَوفى ذِمَّةً وَأَقَلَّ عابا
وَنَكَّبنا الفُرُقلُسَ لَم نَرِدهُ
كَأَنَّ بِنا عَنِ الماءِ اِجتِنابا
وَأَمطَرنَ الجِباهَ بِمُرجَحِنَّ
وَلَكِن بِالطِعانِ المُرِّ صابا
وَجُزنَ الصَحصَحانِ يَخِدنَ وَخداً
وَيَجتَبنَ الفَلاةَ بِنا اِجتِنابا
وَمِلنَ عَنِ الغُوَيرِ وَسِرنَ حَتّى
وَرَدنَ عُيونَ تَدمُرَ وَالجِبابا
قَرَينا بِالسَماوَةِ مِن عُقَيلٍ
سِباعَ الأَرضِ وَالطَيرِ السِغابا
وَبِالصَبّاحِ وَالصَبّاحُ عَبدٌ
قَتَلنا مِن لُبابِهِمُ اللُبابا
تَرَكنا في بُيوتِ بَني المُهَنّا
نَوادِبَ يَنتَحِبنَ بِها اِنتِحابا
شَفَت فيها بَنو بَكرٍ حُقوداً
وَغادَرَتِ الضَبابَ بِها ضَبابا
وَأَبعَدنا لِسوءِ الفِعلِ كَعباً
وَأَدنَينا لِطاعَتِها كِلابا
وَشَرَّدنا إِلى الجَولانِ طَيئاً
وَجَنَّبنا سَماوَتَها جِنابا
سحابٌ ما أَناخَ عَلى عُقَيلٍ
وَجَرَّ عَلى جِوارِهِمُ ذُبابا
وَمِلنا بِالخُيولِ إِلى نُمَيرٍ
تُجاذِبُنا أَعِنَّتَها جِذابا
بِكُلِّ مُشَيِّعٍ سَمحٍ بِنَفسٍ
يَعِزُّ عَلى العَشيرَةِ أَن يُصابا
وَما ضاقَت مَذاهِبُهُ وَلَكِن
يُهابُ مِنَ الحَمِيَّةِ أَن يُهابا
وَيَأمُرَنا فَنَكفيهِ الأَعادي
هُمامٌ لَو يَشاءُ كَفى وَنابا
فَلَمّا أَيقَنوا أَن لاغِياثٌ
دَعَوهُ لِلمَغوثَةِ فَاِستَجابا
وَعادَ إِلى الجَميلِ لَهُم فَعادوا
وَقَد مَدّوا لِصارِمِهِ الرِقابا
أَمَرَّ عَلَيهِمُ خَوفاً وَأَمناً
أَذاقَهُمُ بِهِ أَرياً وَصابا
أَحَلَّهُمُ الجَزيرَةَ بَعدَ يَأسٍ
أَخو حِلمٍ إِذا مَلَكَ العِقابا
دِيارُهُمُ اِنتَزَعناها اِنتِزاعاً
وَأَرضُهُمُ اِغتَصَبناها اِغتِصابا
وَلَو شِئنا حَمَيناها البَوادي
كَما تَحمي أُسودُ الغابِ غابا
إِذا ما أَنهَضَ الأُمراءُ جَيشاً
إِلى الأَعداءِ أَنفَذنا كِتابا
أَنا اِبنُ الضارِبينَ الهامَ قِدماً
إِذا كَرِهَ المُحامونَ الضِرابا
أَلَم تَعلَم وَمِثلُكَ قالَ حَقّاً
بِأَنّي كُنتُ أَثقَبَها شِهابا
قصيدة يسلم المرء أخوه
يقول الشاعر أبو العتاهية:
يُسلِمُ المَرءَ أَخوهُ
للمَنايا وَأَبوهُ
وَأَبو الأَبناءِ لا يَب
<pقى وَلا يَبقى بَنوهُ
رُبَّ مَذكورٍ لِقَومٍ
غابَ عَنهُم فَنَسوهُ
وَإِذا أَفنى سِنيهِ ال
مَرءُ أَفنَتهُ سِنونُ
وَكَأَن بِالمَرءِ قَد يَب
كي عَلَيهِ أَقرَبوهُ
وَكَأَنَّ القَومَ قَد قا
موا فَقالوا أَدرِكوهُ
سائِلوهُ كَلِّموهُ
حَرِّكوهُ لَقِّنوهُ
فَإِذا استَيأَسَ مِنهُ ال
قَومُ قالوا حَرِّفوهُ
حَرِّفوهُ وَجِّهوهُ
مَدِّدوهُ غَمِّضوهُ
عَجِّلوهُ لِرَحيلٍ
عَجِّلوا لا تَحبِسوهُ
اِرفَعوهُ غَسِّلوهُ
كَفِّنوهُ حَنِّطوهُ
فَإِذا ما لُفَّ في الأَك
<pفانِ قالوا فَاحمِلوهُ
أخرِجوهُ فَوقَ أَعوا
<pدِ المَنايا شَيِّعوهُ
فَإِذا صَلّوا عَلَيهِ
قيلَ هاتوا وَاقبِروهُ
فَإِذا ما اِستَودَعوهُ ال
أَرضَ رَهناً تَرَكوهُ
خَلَّفوهُ تَحتَ رَدمٍ
أَوقَروهُ أَثقَلوهُ
أَبعَدوهُ أَسحَقوهُ
أَوحَدوهُ أَفرَدوهُ
وَدَّعوهُ فارَقوهُ
أَسلَموهُ خَلَّفوهُ
وَاِنثَنَوا عَنهُ وَخَلَّو
هُ كَأَن لَم يَعرِفوهُ
وَكَأَنَّ القَومَ فيما
كانَ فيهِ لَم يَلوهُ
اِبتَنى الناسُ مِنَ البُن
يانِ ما لَم يَسكُنوهُ
جَمَعَ الناسُ مِنَ الأَم
والِ ما لَم يَأكُلوهُ
طَلَبَ الناسُ مِنَ الآ
مالِ ما لَم يُدرِكوهُ
كُلُّ مَن لَم يَجعَلِ النا
سِ إِماماً تَرَكوهُ
ظَعَنَ المَوتى إِلى ما
قَدَّموهُ وَجَدوهُ
طابَ عَيشُ القَومِ ما كا
نَ إِذا القَومُ رَضوهُ
عِش بِما شِئتَ فَمَن تَس
رُرهُ دُنياهُ تَسوهُ
وَإِذا لَم يُكرِمِ النا
سَ امرُؤٌ لَم يُكرِموهُ
كُلُّ مَن لَم يَحتَجِ النا
سُ إِلَيهِ صَغَّروهُ
وَإِلى مَن رَغِبَ النا
سُ إِلَيهِ أكبَروهُ
مَن تَصَدّى لِأَخيهِ
بِالغِنى فَهوَ أَخوهُ
فَهوَ إِن يَنظُر إِلَيهِ
يَرءَ مِنهُ ما يَسوهُ
يُكرَمُ المَرءُ وَإِن أَم
لَقَ أَقصاهُ بَنوهُ
لَو رَأى الناسُ نَبِيّاً
سائِلاً ما وَصَلوهُ
وَهُمُ لَو طَمِعوا في
زادِ كَلبٍ أَكَلوهُ
لا تَراني آخِرَ الدَه
رِ بِتَسآلٍ أَفوهُ
إِنَّ مَن يَسأَل سِوى الرَح
مَنِ يَكثُر حارِموهُ
وَالَّذي قامَ بِأَرزا
قِ الوَرى طُرّاً سَلوهُ
وَعَنِ الناسِ بِفَضلِ اللَ
هِ فَاغنوا وَاحمِدوهُ
تَلبَسوا أَثوابَ عِزٍّ
فَاِسمَعوا قَولي وَعوهُ
إِنَّما يُعرَفُ بِالفَض
لِ مَنِ الناسِ ذَوّهُ
أَفضَلُ المَعروفِ ما لَم
تُبتَذَل فيهِ الوُجوهُ
أَنتَ ما اِستَغنَيتَ عَن صا
حِبِكَ الدَهرَ أَخوهُ
فَإِذا اِحتَجتَ إِلَيهِ
ساعَةً مَجَّكَ فوهُ
قصيدة صوت صفير البلبل
يقول الأصمعي:
صَوتُ صَفِيرِ البُلبُلِ
هَيَّجَ قَلبِي التَمِلِ
الماءُ وَالزَهرُ مَعاً
مَع زَهرِ لَحظِ المُقَلِ
وَأَنتَ يا سَيِّدَ لِي
وَسَيِّدِي وَمَولى لِي
فَكَم فَكَم تَيَمَّنِي
غُزَيِّلٌ عَقَيقَلي
قَطَّفتَهُ مِن وَجنَةٍ
مِن لَثمِ وَردِ الخَجَلِ
فَقالَ لا لا لا لا لا
وَقَد غَدا مُهَرولِ
وَالخُوذُ مالَت طَرَباً
مِن فِعلِ هَذا الرَجُلِ
فَوَلوَلَت وَوَلوَلَت
وَلي وَلي يا وَيلَ لِي
فَقُلتُ لا تُوَلوِلي
وَبَيّني اللُؤلُؤَ لَي
قالَت لَهُ حينَ كَذا
اِنهَض وَجد بِالنقَلِ
وَفِتيةٍ سَقَونَنِي
قَهوَةً كَالعَسَلَ لِي
شَمَمتُها بِأَنَفي
أَزكى مِنَ القَرَنفُلِ
فِي وَسطِ بُستانٍ حُلِي
بِالزَهرِ وَالسُرورُ لِي
وَالعُودُ دَندَن دَنا لِي
وَالطَبلُ طَبطَب طَبَ لِي
طَب طَبِطَب طَب طَبَطَب
طَب طَبَطَب طَبطَبَ لِي
وَالسَقفُ سَق سَق سَق لِي
وَالرَقصُ قَد طابَ لِي
شَوى شَوى وَشاهشُ
عَلى حِمارِ أَهزَلِ
يَمشِي عَلى ثَلاثَةٍ
كَمَشيَةِ العَرَنجلِ
وَالناسِ تَرجم جَمَلِي
فِي السُواق بِالقُلقُلَلِ
وَالكُلُّ كَعكَع كَعِكَع
خَلفي وَمِن حُوَيلَلي
لَكِن مَشَيتُ هارِباً
مِنْ خَشْيَةِ العَقَنْقِلِي
إِلَى لِقَاءِ مَلِكٍ
مُعَظَّمٍ مُبَجَّلِ
يَأْمُرُلِي بِخَلْعَةٍ
حَمراء كَالدَم دَمَلي
أَجُرُّ فيها ماشِياً
مُبَغدِداً لِلذِيِّلِ
أَنا الأَدِيبُ الأَلمَعِي
مِن حَيِّ أَرضِ المُوصِلِ
نَظِمتُ قِطعاً زُخرِفَت
يَعجزُ عَنها الأَدبُ لِي
أَقولُ فَي مَطلَعِها
صَوتُ صَفيرِ البُلبُلِ
قصيدة لأي حبيب
يقول أبو تمام:
لِأَيِّ حَبيبٍ يَحسُنُ الرَأيُ وَالوُدُّ
وَأَكثَرُ هَذا الناسِ لَيسَ لَهُ عَهدُ
أَرى ذَمِّيَ الأَيّامَ ما لا يَضِرُّها
فَهَل دافِعٌ عَنّي نَوائِبَها الحَمدُ
وَما هَذِهِ الدُنيا لَنا بِمُطيعَةٍ
وَليسَ لِخَلقٍ مِن مُداراتِها بُدُّ
تَحوزُ المَعالي وَالعَبيدُ لِعاجِزٍ
وَيَخدُمُ فيها نَفسَهُ البَطَلُ الفَردُ
أَكُلُّ قَريبٍ لي بَعيدٌ بِوِدِّهِ
وَكُلُّ صَديقٍ بَينَ أَضلُعِهِ حِقدُ
وَلِلَّهِ قَلبٌ لا يَبُلُّ غَليلَهُ
وِصالٌ وَلا يُلهيهِ عَن خِلِّهِ وَعدُ
يُكَلِّفُني أَن أَطلُبَ العِزَّ بِالمُنى
وَأَينَ العُلى إِن لَم يُساعِدنِيَ الجَدُّ
أَحِنُّ وَما أَهواهُ رُمحٌ وَصارِمٌ
وَسابِغَةٌ زُعفٌ وَذو مَيعَةٍ نَهدُ
فَيا لِيَ مِن قَلبٍ مُعَنّىً بِهِ الحَشا
وَيا لِيَ مِن دَمعٍ قَريحٍ بِهِ الخَدُ
أُريدُ مِنَ الأَيّامِ كُلَّ عَظيمَةٍ
وَما بَينَ أَضلاعي لَها أَسَدٌ وَردُ
وَلَيسَ فَتىً مَن عاقَ عَن حَملِ سَيفِهِ
إِسارٌ وَحَلّاهُ عَنِ الطَلَبِ القِدُّ
إِذا كانَ لا يَمضي الحُسامُ بِنَفسِهِ
فَلِلضارِبِ الماضي بِقائِمِهِ الحَدُّ
وَحَولِيَ مِن هَذا الأَنامِ عِصابَةٌ
تَوَدُّدُها يَخفى وَأَضغانُها تَبدو
يَسُرُّ الفَتى دَهرٌ وَقَد كانَ ساءَهُ
وَتَخدُمُهُ الأَيّامُ وَهوَ لَها عَبدُ
وَلا مالَ إِلّا ما كَسَبتَ بِنَيلِهِ
ثَناءً وَلا مالٌ لِمَن لا لَهُ مَجدُ
وَما العَيشُ إِلّا أَن تُصاحِبَ فِتيَةً
طَواعِنَ لا يَعنيهِمُ النَحسُ وَالسَعدُ
إِذا طَرِبوا يَوماً إِلى العِزِّ شَمَّروا
وَإِن نُدِبوا يَوماً إِلى غارَةٍ جَدّوا
وَكَم لِيَ في يَومِ الثَوِيَّةِ رَقدَةٌ
يُضاجِعُني فيها المُهَنَّدُ وَالغِمدُ
إِذا طَلَبَ الأَعداءُ إِثري بِبَلدَةٍ
نَجَوتُ وَقَد غَطّى عَلى أَثَري البُردُ
وَلَو شاءَ رُمحي سَدَّ كُلَّ ثَنِيَّةٍ
تُطالِعُني فيها المَغاويرُ وَالجُردُ
نَصَلنا عَلى الأَكوارِ مِن عَجزِ لَيلَةٍ
تَرامى بِنا في صَدرِها القورُ وَالوَهدُ
طَرَدنا إِلَيها خُفَّ كُلِّ نَجيبَةٍ
عَليها غُلامٌ لا يُمارِسُهُ الوَجدُ
وَدُسنا بِأَيدي العيسِ لَيلاً كَأَنَّما
تَشابَهَ في ظَلمائِهِ الشيبُ وَالمَردُ
أَلا لَيتَ شِعري هَل تُبَلِّغُني المُنى
وَتَلقى بِيَ الأَعداءَ أَحصِنَةٌ جُردُ
جِيادٌ وَقَد سَدَّ الغُبارُ فُروجَها
تَروحُ إِلى طَعنِ القَبائِلِ أَو تَغدو
خِفافٌ عَلى إِثرِ الطَريدَةِ في الفَلا
إِذا ما جَتِ الرَمضاءُ وَاِختَلَطَ الطَردُ
كَأَنَّ نُجومَ اللَيلِ تَحتَ سُروجِها
تَهاوى عَلى الظَلماءِ وَاللَيلُ مُسوَدُّ
يُعيدُ عَلَيها الطَعنَ كُلُّ اِبنِ هِمَّةٍ
كَأَنَّ دَمَ الأَعداءِ في فَمِهِ شَهدُ
يُضارِبُ حَتّى ما لِصارِمِهِ قِوىً
وَيَطعَنُ حَتّى ما لِذابِلِهِ جَهدُ
تَغَرَّبَ لا مُستَحقِباً غَيرَ قوتِهِ
وَلا قائِلاً إِلّا لِما يَهَبُ المَجدُ
وَلا خائِفاً إِلّا جَريرَةَ رُمحِهِ
وَلا طالِباً إِلّا الَّذي تَطلُبُ الأُسدُ
إِذا عَرَبيٌّ لَم يَكُن مِثلَ سَيفِهِ
مَضاءً عَلى الأَعداءِ أَنكَرَهُ الجَدُّ
وَما ضاقَ عَنُه كُلُّ شَرقٍ وَمَغرِبٍ
مِنَ الأَرضِ إِلّا ضاقَ عَن نَفسِهِ الجِلدُ
إِذا قَلَّ مالُ المَرءِ قَلَّ صَديقُهُ
وَفارَقَهُ ذاكَ التَحَنُّنُ وَالوُدُّ
أصبَحَ يُغضي الطَرفَ عَن كُلِّ مَنظَرٍ
أَنيقٍ وَيُلهيهِ التَغَرُّبُ وَالبُعدُ
فَما لي وَلِلأَيّامِ أَرضى بِجَورِها
وَتَعلَمُ أَنّي لا جَبانٌ وَلا وَغدُ
تغاضى عُيونُ الناسِ عَنّي مَهابَةً
كَما تَتَّقي شَمسَ الضُحى الأَعيُنُ الرُمدُ
تَخَطَّت بِيَ الكُثبانَ جَرداءُ شَطبَةٌ
فَلا الرَعيُ دانٍ مِن خُطاها وَلا الوِردُ
تُدافِعُ رِجلاها يَدَيها عَنِ الفَلا
إِلى حَيثُ يُنمى العِزُّ وَالجَدُّ وَالجِدُّ
فَجاءَتْكَ وَرهاءَ العِنانِ بِفارِسٍ
تَلَفَّتَ حَتّى غابَ عَن عَينِهِ نَجدُ
وَمِثلُكَ مَن لا تُوحِشُ الرَكبَ دارُهُ
وَلا نازِلٌ عَنها إِذا نَزَلَ الوَفدُ
فَيا آخِذاً مِن مَجدِهِ ما اِستَحَقَّهُ
نَصيبُكَ هَذا العِزِّ وَالحَسَبُ العِدُّ
أَبٌ أَنتَ أَعلى مِنهُ في الفَضلِ وَالعُلى
وَأَمضى يَداً وَالنارُ والِدُها زَندُ
وَما عارِضٌ عُنوانُهُ البيضُ وَالقَنا
أَخو عارِضٍ عُنوانُهُ البَرقُ وَالرَعدُ
وَكَم لَكَ في صَدرِ العَدُوِّ مَرَشَّةٌ
يُخَضِّبُ مِنهُ الرَمحَ مُنبَعِقٌ وَردُ
وَفَوقَ شَواةِ الذِمرِ ضَربَةُ ثائِرٍ
يَكادُ لَهُ السَيفُ اليَمانيُّ يَنقَدُ
يَوَدُّ رِجالٌ أَنَّني كُنتُ مُفحَماً
وَلَولا خِصامي لَم يَوَدّوا الَّذي وَدّوا
مَدَحتُهُمُ فَاِستُقبِحَ القَولُ فيهِمُ
أَلا رُبَّ عُنقٍ لا يَليقُ بِهِ عِقدُ
زَهِدتُ وَزُهدي في الحَياةِ لِعِلَّةٍ
وَحُجَّةُ مَن لا يَبلُغُ الأَمَلَ الزُهدُ
وَهانَ عَلى قَلبي الزَمانُ وَأَهلُهُ
وَوِجدانُنا وَالمَوتُ يَطلُبُنا فَقدُ
وَأَرضى مِنَ الأَيّامِ أَن لا تُميتَني
وَبي دونِ أَقراني نَوائِبُها النُكدُ