نزار قباني
وُلِد الشاعر نزار توفيق قباني في 21 مارس عام 1923، في حي مئذنة الشحم، وهو من أحياء دمشق القديمة. تخرج من كلية الحقوق في سوريا عام 1944، وبدأ مسيرته المهنية في السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية السورية، حيث تنقل في العديد من المدن مثل مدريد، القاهرة، بيروت، بكين، أنقرة، ولندن. استمر نزار قباني في العمل الدبلوماسي حتى استقال عام 1966. تم تجميع جميع دواوينه في مجموعات تحت مسمى “المجموعة الكاملة لنزار قباني”.
شعر نزار قباني حول الحب
حبيبتي
يقول نزار قباني في قصيدته “حبيبتي”:
حبيبتي: إن يسألونك عني
يوماً، فلا تفكري كثيراً
قولي لهم بكل كبرياء
(… يحبني… يحبني كثيراً )
صغيرتي: إن عاتبوك يوماً
كيف قصصت شعرك الحرير،
وكيف حطمت إناء طيباً،
بعدما ربيته شهوراً،
وكان مثل الصيف في بلادي،
يوزع الظلال والعبير.
قولي لهم: ((أنا قصصت شعري
… لأن من أحبه يحبه قصيراً.
أميرتي: إذا رقصنا معاً،
على الشموع، لحننا الأثير،
وحوّل البيان في ثوانٍ
وجودنا أشعةً ونوراً.
وظنك الجميع في ذراعي
فراشةً تهم أن تطير.
فواصلي رقصك بهدوء،
واتخذي من أضلعي سريراً،
وتمتمي بكل كبرياء:
((… يحبني… يحبني كثيراً ))
حبيبتي: إذا أخبروك أني
لا أملك العبيد والقصور،
وليس في يدي عقد ماس،
به أحيط جيدك الصغيرة،
قولي لهم بكل عنفوان،
يا حبي الأول والأخير،
قولي لهم: ((… كفاني
(… بأنه يحبني كثيراً.
حبيبتي، يا ألف، يا حبيبتي،
حبي لعينيك كبير،
… وسوف يبقى دائماً كبيراً.
حب بلا حدود
يخاطب نزار قباني حبيبته قائلاً:
يا سيِّدتي:
كنتِ أهم امرأة في تاريخي
قبل رحيل العام.
أنتِ الآن، أهم امرأة
بعد ولادة هذا العام.
أنتِ امرأة لا أحسبها بالساعات والأيام.
أنتِ امرأة،
صُنعت من فاكهة الشعر،
ومن ذهب الأحلام.
أنتِ امرأة كانت تسكن جسدي
قبل ملايين الأعوام.
يا سيِّدتي:
يا مغزولة من قطن وغمام.
يا أمطاراً من ياقوت.
يا أنهاراً من نهوند.
يا غابات رخام.
يا من تسبح كالأسماك بماء القلب،
وتسكن في العينين كسرب حمام.
لن يتغير شيء في عاطفتي،
في إحساسي، في وجداني، في إيماني.
فأنا سأظل على دين الإسلام.
يا سيِّدتي:
لا تهتمي في إيقاع الوقت وأسماء السنوات.
أنتِ امرأة تبقى امرأة في كل الأوقات.
سوف أحبك
عند دخول القرن الواحد والعشرين،
وعند دخول القرن الخامس والعشرين،
وعند دخول القرن التاسع والعشرين،
وسوف أحبك
حين تجف مياه البحر،
وتحترق الغابات.
يا سيِّدتي:
أنتِ خلاصة كل الشعر،
ووردة كل الحريات.
يكفي أن أتهجى اسمك
حتى أصبح ملك الشعر.
وفرعون الكلمات.
يكفي أن تعشقني امرأة مثلك
حتى أدخل في كتب التاريخ،
وترفع من أجلي الرايات.
يا سيِّدتي:
لا تَضطربي مثل الطائر في زمن الأعياد.
لن يتغير شيء مني.
لن يتوقف نهر الحب عن الجريان.
لن يتوقف نبض القلب عن الخفقان.
لن يتوقف حجَل الشعر عن الطيران.
حين يكون الحب كبيراً والمحبوبة قمراً،
لن يتحول هذا الحب لحرمة قش تأكلها النيران.
يا سيِّدتي:
ليس هنالك شيء يملأ عيني
لا الأضواء،
ولا الزينات،
ولا أجراس العيد،
ولا شجر الميلاد.
لا يعني لي الشارع شيئاً.
لا تعني لي الحانة شيئاً.
لا يعنيني أي كلام يكتب فوق بطاقات الأعياد.
يا سيِّدتي:
لا أتذكر إلا صوتك
حين تدق نواقيس الآحاد.
لا أتذكر إلا عطرُك
حين أنام على ورق الأعشاب.
لا أتذكر إلا وجهك
حين يهرهر فوق ثيابي الثلج.
وأسماع طقطقة الأحطاب.
ما يُفرحني يا سيِّدتي
أن أتكوّم كالعصفور الخائف
بين بساتين الأهداب.
أسألك الرحيلا
يقول نزار قباني في قصيدته “أسألك الرحيلا”:
لنفترق قليلاً،
لخير هذا الحب يا حبيبي
وخيرنا،
لنفترق قليلاً.
لأنني أريد أن تزيد في محبتي
أريد أن تكرهني قليلاً
بحق ما لدينا،
من ذكرى غالية كانت على كليتنا.
بحق حب رائع،
ما زال منقوشاً على فمينا.
ما زال محفوراً على يدينا.
بحق ما كتبته إليّ من رسائل،
ووجهك المزروع كورد في داخلي،
وحبك الباقي على شعري وعلى أناملي.
بحق ذكرياتنا
وحزننا الجميل وابتسامنا
وحبنا الذي غدا أكبر من كلامنا.
أسألك الرحيلا.
لنفترق أحباباً،
فالطير في كل موسم.
تفارق الهضاب.
والشمس يا حبيبي،
تكون أحلى عندما تحاول الغياب.
كُن في حياتي الشك والعذاب.
كُن مرة أسطورة،
كُن مرة سراب.
وكُن سؤالاً في فمي
لا يعرف الجواب.
من أجل حب رائع
يسكن منّا القلب والأهداب.
ولكي أكون دائماً جميلة
ولكي تكون أكثر اقترابا.
أسألك الذهاب.
لنفترق ونحن عاشقان،
لنفترق برغم كل الحب والحنان.
فمن خلال الدمع يا حبيبي
أريد أن تراني.
ومن خلال النار والدخان
أريد أن تراني.
لنحترق، لنبكِ يا حبيبي
فقد نسينا
نعمة البكاء من زمان.
لنفترق،
كي لا يصير حبنا اعتياداً
وشوقنا رماداً.
وتذبل الأزهار في الأواني.
كُن مطمئناً بالنفس يا صغيري،
فلم يزل حبك ملء العين والضمير.
ولم أزل مأخوذة بحبك الكبير،
ولم أزل أحلم أن تكون لي،
يا فارسي وأميري.
قصيدة الحزن
يقول نزار قباني في قصيدته “الحزن”:
علمني حبك أن أحزن،
وأنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن.
لامرأة أبكي بين ذراعيها،
مثل العصفور.
لامرأة تجمع أجزائي
كشظايا البلور المكسور.
علمني حبك، سيدتي
أسوأ عادات.
علمني أفتح فنجاني
في الليلة آلاف المرات،
وأجرب طب العطارين،
وأطرق باب العرافات.
علمني أخرج من بيتي،
لأمشط أرصفة الطرقات
وأطارد وجهك في الأمطار،
وفي أضواء السيارات.
وأطارد طيفك حتى،
حتى…
في أوراق الإعلانات.
علمني حبك،
كيف أهيم على وجهي ساعات
بحثاً عن شعر غجري
تحسده كل الغجريات.
بحثاً عن وجه، عن صوت،
هو كل الأوجه والأصوات.
أدخلني حبك، سيدتي
مدن الأحزان،
وأنا من قبلك لم أدخل
مدن الأحزان.
لم أعرف أبداً
أن الدمع هو الإنسان،
أن الإنسان بلا حزنٍ
ذكرى إنسان.
علمني حبك أن أتصرف كالصبيان،
أن أرسم وجهك بالطبشور على الحيطان.
وعلى أشرعة الصيادين.
على الأجراس،
على الصلبان.
علمني حبك،
كيف الحب يغير خارطة الأزمان.
علمني أني حين أحب،
تكف الأرض عن الدوران.
علمني حبك أشياء لم تكن أبداً في الحسبان،
فقرأت أقاصيص الأطفال،
دخلت قصور ملوك الجان.
وحلمت بأن تتزوجني
بنت السلطان.
تلك العيناها أصفى من ماء الخلجان.
تلك الشفتاها أشهى من زهر الرمان.
وحلمت بأني أخطفها
مثل الفرسان.
وحلمت بأني أهديها
أطواق اللؤلؤ والمرجان.
علمني حبك، يا سيدتي، ما الهذيان.
علمني كيف يمر العمر
و لا تأتي بنت السلطان.
علمني حبك كيف أحبك في كل الأشياء،
في الشجر العاري،
في الأوراق اليابسة الصفراء،
في الجو الماطر، في الأنواء؛
في أصغر مقهى نشرب فيه، مساءً، قهوتنا السوداء.
علمني حبك أن آوي إلى فنادق ليس لها أسماء،
وكنائس ليس لها أسماء،
ومقاهٍ ليس لها أسماء.
علمني حبك،
كيف الليل يضخم أحزان الغرباء.
علمني، كيف أرى بيروت
امرأة طاغية الإغواء.
امرأة تلبس كل مساء
أجمل ما تملك من أزياء،
وترش العطر على نهديها
للبحارة والأمراء.
علمني حبك أن أبكي من غير بكاء،
علمني كيف ينام الحزن
كغلام مقطوع القدمين،
في طرق الروشة والحمراء.
علمني حبك أن أحزن،
وأنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن.
لامرأة أبكي بين ذراعيها،
مثل العصفور،
لامرأة تجمع أجزائي،
كشظايا البلور المكسور.
القصيدة الدمشقية
يقول نزار قباني في قصيدته:
هذي دمشق، وهذي الكأس والراحي
إنّي أحب وبعـض الحب ذبّاح
أنا الدمشقي لو شرّحتم جسدي
لسـال منه عناقيد وتفـّاح
ولو فتحـتُم شراييني بمديتكـم
سمعتم في دمي أصوات من راحوا
زراعة القلب تشفي بعض من عشقوا
وما لقلبي –إذا أحببـتُ- جـرّاح
إن النبيذ هنا نار معطرة
فهل عيون نساء الشام أقداح؟
مآذن الشام تبكي إذ تعانقني
و للمآذن كالأشجار أرواح
للياسمين حقول في منازلنا
وقطة البيت تغفو حيث ترتاح
طاحونة البن جزء من طفولتنا
فكيف أنسى؟ وعطر الهيل فوّاح
هذا مكان أبي المعتز منتظر
ووجه فائزة حلو ولمّاح
هنا جذوري هنا قلبي هنا لغتي
فكيف أوضح؟ هل في العشق إيضاح؟
كم من دمشقية باعت أساور لها
حتى أغازلها والشعر مفتاح
أتيت يا شجر الصفصاف معتذراً
فهل تسامح هيفاء ووضّاح؟
خمسون عاماً وأجزائي مبعثرة
فوق المحيط وما في الأفق مصباح
تقاذفتني بحار لا ضفاف لها
وطاردتني شيطان وأشبـاح
أقاتل القبح في شعري وفي أدبي
حتى يفتّـح نوّار وقدّاح
ما للعروبة تبدو مثل أرملة؟
أليس في كتب التاريخ أفراح؟
والشعر ماذا سيبقى من أصالته؟
إذا تولاه نصّاب ومدّاح؟
وكيف نكتب والأقفال في فمنا؟
وكل ثانية يأتيك سفّاح؟
حملت شعري على ظهري فأتعبني
ماذا من الشعر يبقى حين يرتاح؟