أبو القاسم الزهراوي
أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي الأندلسي، يُعتبر واحدًا من أبرز الأطباء والجراحين عبر العصور، ويُعرف في أوروبا باسم (Abulcasis) تقديرًا لما قدمه من اكتشافات وإبداعات ساهمت في تقدم العلم الطبي. وُلِد الزهراوي في مدينة الزهراء الأندلسية عام 325هـ وتوفي عام 404هـ، مع رواية أخرى تشير إلى وفاته في عام 427هـ. وقد نشأ في بيئة علمية غنية، وعاش في زمن ازدهار الحضارة الإسلامية في الأندلس، مما يجعله تجسيدًا لعظمة تلك الحضارة.
من الجدير بالذكر أن المعلومات المتاحة حول حياة الزهراوي محدودة، بالرغم من تأثيره الكبير. وقد عمل في مستشفى قرطبة الذي أسسه الخليفة عبد الرحمن الناصر. خلال فترة عمله، برع في المعرفة بالأدوية سواءً المركبة منها أو المفردة، وكان على قناعة بأهمية ممارسة الجراحة من قبل الأطباء بدلاً من الاعتماد على الحلاقين والحجّامين، مما دفعه لممارسة الجراحة بشكل فني متميز ربط اسمه بهذا المجال.
إنجازاته الطبية
تعتبر إنجازات الزهراوي علامة فارقة في التاريخ الطبي، حيث لم يكن مجرد جراح فحسب، بل كان لديه معرفة شاملة في طب الأسنان والأورام السرطانية. كان يدون ملاحظاته حول حالات مرضاه للتوصل إلى أفضل العلاجات، مما يُعتبر اليوم شكلًا من أشكال التجارب السريرية. من بين إنجازاته البارزة:
- المساهمة في ابتكار أدوات جراحية متخصصة، مثل أدوات فحص الأذن.
- التوصل إلى علاج الثؤلول باستخدام مادة كاوية وأنبوب حديدي، حيث كان مشهورًا في العلاج بالكَي.
- استخدام الخطافات المزدوجة خلال العمليات الجراحية، ليكون الزهراوي أول من طبق هذه التقنية.
- تطوير طريقة فعالة لوقف النزيف عن طريق ربط الشرايين الكبيرة، مُسبقًا بذلك اكتشاف أمبواز باريه بنحو 600 عام.
- إجراء دراسات حول مرض السرطان وتحديد بعض أنواعه، مثل سرطان الكلى والرحم والعين.
- إنجازات واضحة في مجال طب الأسنان، حيث وضح كيفية قلع الأسنان بلطف وأسباب كسر الفكّ أثناء ذلك، وكان لديه معرفة بكيفية تنظيف الأسنان وعلاج مشاكل الأضراس.
- ترك بصمة واضحة في طب النساء، حيث شرح طرق التوليد وأيضًا أسس عملية الإجهاض، وأدخل أجهزة جديدة لاستخراج الجنين الميت.
- ابتكار أدوات لتفتيت حصى الكلى، إضافة إلى إزالة أورام الأنف باستخدام أدوات خاصة.
- صنع أول لاصق طبي وأيضًا خيوط جراحية، مستخدمًا إياها في جراحة الأمعاء.
- تحضير أدوية متنوعة باستخدام تقنيات التقطير والتسامي، وهو معروف بخبرته في الأدوية المركبة والمفردة.
تميز الزهراوي عن أقرانه بأسباب عدة، من أبرزها:
- استخدامه للأدوات الجراحية بشكل دقيق ووصفها برسوم تفصيلية، مثل المناشير والمثاقب.
- معارضته لرأي العلماء حول توقيت الكي، حيث أشار إلى أنه يصلح في أي وقت من السنة، مفضلاً الحديد على الذهب كأفضل وسيلة للكي.
- ابتكاره آلية لعلاج الناسور الدمعي، واكتشافه لعلاج الهيموفيليا وتعريفها.
أهم كتبه
تضمن إرث الزهراوي العديد من المؤلفات والأبحاث العلمية، وكان أبرزها “كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف”. يتناول الكتاب مواضيع متعلقة بالجراحة الطب، وقد تمت ترجمته إلى اللاتينية، ليصبح مرجعًا أساسيًا في مجال الطب للجراحين في الغرب خلال القرن السابع عشر. استمر تأثير هذا الكتاب كمصدر رئيسي لدراسة الطب في الجامعات الأوروبية خلال القرنين السادس والسابع عشر. كما ألّف الزهراوي كتاب “تفسير الأكيال والأوزان” و”مقالة في عمل اليد” و”مختصر المفردات وخواصها”.
رأي العلماء فيه
حظي الزهراوي بتقدير كبير من قبل العديد من العلماء والمفكرين. من بين هؤلاء:
- ابن حزم الذي وصفه بأعظم الأطباء في الأندلس.
- الحميدي الذي أشار إلى فضله وعلمه.
- دونالد كامبل أشار إلى تأثير الزهراوي في أوروبا وقدرته على إلغاء طرق جالينوس وتعزيز مكانة الجراحين.
- المستشرقة الألمانية سيغريد هونكه التي ذكرت مساهمته في إيقاف نزيف الشرايين بطريقة مبتكرة.
- المؤرخ جورج سارتون الذي وصفه بأنه أكبر جراح في الإسلام.
- جوستاف لوبون الذي ذكر أن علم الجراحة يعود بفضل كبير للعرب، مشيرًا إلى الزهراوي باعتباره أعظم الجراحين العرب.