أشعار مؤثرة عن فقدان الأم
- يقول الشاعر عبدالله البردوني:
تـركـتني هـنـا في خضم العذاب
و مضت، يا بطء حزني واكتئابي
أبـدلتني بالقـهر وحدي هنا
و استراحت هي في أحضان التراب
حيث لا جور ولا ظلم ولا
صوت ينادي وسط الخراب
حيث لا سيف ولا قنابل
حيث لا حصار ولا صوت يعاني
تـركتني أستذكر الصفو كما
يستذكر الشيخ أيّام الشباب
و قد ابتعدت عني و شوقي يحيط بها
بينما يحيط بي الماضي و آه ما بي
أدعـوها، يحصد العمر في الخيال
حيث أستغيث بها فتغيب عن الجواب
أدعوها فلا تجيبني سوا
صمت القبر و الوجع البشع
فقدها كان مصيبتي التي لا تعوض
وعلى يميني تصعد الآلام فوق مصابي
أين منّي ظلّها الحاني وقد
غادرتني إلى غير رجوع
سحبت الأيام جراحها على
رمال الهموم وأشواك الدروب
وغابت في مسارات الحياة فمن
يقبض الجمر داخل عالم التعقيدات
وانتهت حيث تنتهي المسافات
فاطمأنّت تحت غيوم الغياب
آه يا أماه، وأحزان الأسى
تؤجج الجروح في قلبي المحروق
فيك ودعت شباب نفسي ونضرة العمر
وانطوت خلفي آمال المراهقة
كيف أنسَاك وذِكرَاك تُسَطَّرُ على
صفحات أيامي ككتاب بكتاب
فالذكريات خلفي وعلى
طريقي، حيث أبدأ وأذهب
كم تذكرت يديك وهما
في يدي أو في طعامي وشرابي
أنتِ التي أرهقها نحولي، وإذا
عصفت بي البرد كانت ثيابك تغمرني
وإذا أصابني الجوع ولم
أملك شيئاً سوى الوعد الفارغ
- يقول الشاعر عبد العزيز جويدة:
أنا الكلماتُ تحترقُ ..
على شفتَي
وانفاسي تَهُبُّ كالنيران
قلتها: مساءُ الخيرِ يا أمي
لكنها لم تردّ
هل نسيت لغتي؟
فتحتُ الباب
وأغلقتُ.. ورائي الباب
ونادتْني ليالي الأمسِ والأحباب
فحيّيتُ الحزن الذي يجلس
دائماً بجانبي: مساءُ الخير يا حزني
فرد الحزن بالترحاب
تذكرتُ..
هنا وجهك
ووجهُك كطلّة نور
وقلبٌ يُشبه البلور
وتسبيح وتكبير
وعطر بخور
تذكرتُ..
هنا التنور
وخبز جاف
وظِلّ شجرة الصفصاف
وضمّة صدرك الحاني
على طفلٍ خائف
تذكرتُ..
دعاءك في صلاة الفجر
تذكرتُ الكلمات الجميلة في يوم ما
تذكرتُ الكلمات المؤلمة
ويوم سألتني مرًّة
عن الموت
عن أول ليلة في القبر
وعن أحوال السنين هناك
وكيف تمرّ؟
ومرّ العمر
وصار المرّ بحلقي
هناك أصدق
وظل السر في داخلي
وما زلتُ يا أمي عند قبرك
هنا طفلاً ..
يبيع الصبر
أُناديك
وأنتظر الرد
بينما بيننا سور
وماذا خلف هذا السور
بدأنا العدّ
أنا طفل حديث العهد باليتم
ولا أدري ماذا بعد
فمن بعدك
يستطيع الرد؟
ومِن بعدك، إذا قبلتُ كفّه
أهلذُ الشهد؟
ومن يمسح على رأسي إذا أأسى؟
قصيدة من أم المعتز
- يقول الشاعر نزار قباني:
نسيت أن أقول لكم، إن بيت أمي كان مركز الحركة الوطنية في الشام عام 1935. وفي فناء بيتنا الواسع كانت تلتقي قادة الحركة الوطنية
السورية مع الجماهير. ومن هنا انطلقت المسيرات والتظاهرات ضد الانتداب الفرنسي.
وكانت بعد كل اجتماع شعبي، تحصي والدتي عدد ضحاياها من أصص الزرع التي تحطمت، والشتول النادرة التي تم تدميرها، وأعواد الزنبق التي انكسرت.
وعندما كانت تذهب إلى والدي تشتكي له خسارتها الكبيرة، كان يبتسم لها، رحمه الله، ويقول:
تسجلي أزهارك في قائمة شهداء الوطن.. واعتمدي على الله…
لا تذهب إلى الكوكتيلات مغطاة بابتسامة ملفوفة.
لا تقطعي كعكة عيد ميلادها تحت أضواء الكاميرات.
لا تشتري ملابسها من لندن وباريس وتتحدث عن ذلك لمن يهمها الأمر.
لا توزعي صورها كطوابع البريد على محررات الصفحات الاجتماعية.
ولم يسبق لها أن استقبلت مندوبة أي مجلة نسائية، وحدثتها عن حبها الأول وموعدها الأول ورجلها الأول.
أمي تؤمن بإله واحد.. وحب واحد.. ومعنى واحد.
قهوة والدتي مشهورة،
فهي تطحنها في مطحنتها النحاسية فنجاناً فنجاناً،
وتغليها على نار الفحم، وتضيف إليها حب الهال.
وترش على وجه كل فنجان قطرتين من ماء الزهر.
من هنا تتحول شرفة منزلنا في الصيف
إلى ملتقى الراحة للعصافير.
ومن كثرة الأزهار، والألوان، والروائح التي أحاطت بطفولتي، كنت أعتقد أن أمي
موظفة في قسم العطور في الجنة.
بموتها.
يصبح آخر قميص صوف أتحصن به من برودة الخريف.
آخر قميص حنان.
آخر مظلة من المطر.
وفي الشتاء القادم،
ستظل كل النساء التي عرفتها،
وحدها أمي،
أحببتني إذ كانت سكرى،
فلأن الحب الحقيقي هو أن تسكر
ولا تعرف لماذا تسكر.
أبيات شعر حزينة عن فراق الأم
- يقول الشاعر محمود سامي البارودي:
ينوح على فقد الهديل ولم يكن
رآه، فيا لله! كيف تهكما؟
وشتّان من يبكي على غير معرفة
جزافاً، ومن يبكي لعهدٍ تجرما
لعَمري لقد غال الردى من أحبّه
وكان بودّي أن أموت ويسلما
وما أي حياة بعد أمٍ فقدتها
كما يفقد المرء الزلال على الظما
تولّت، فولي الصبر عنّي، وعادني
غرامٌ عليها، شفّ جسمي، وأسقما
ولم يبقَ إلا ذكرى تبعث الأسى
وطيفٌ يوافيني إذا الطرفُ هوما
وكانت لعيني قرة ولمهجتي
سروراً، فخاب الطرف والقلب منهما
فلو لا اعتقادي بالقضاء وحكمه
لقطعت نفسي لهفةً وتندماً
فيا خبراً شفّ الفؤاد؛ فأوشكتْ
سويداؤه أن تستحيل فتسجما
إليك؛ فقد ثلمت عرشاً ممنعاً
وفلتَ صمصاماً، وذللتَ ضيغما
أشاد به الناعي، وكنت محارباً
فألقيتُ من كفى الحسام المصمما
وطارت بقلبّي لوعة لو أطعتها
لأوشكت ركن المجد أن يتهدما
ولكنني راجعت حلمي، لأنثني
عن الحرب محمود اللقاء مكرما
فلما استرد الجند صبغ من الدجى
وعاد كلا الجيشين يرتاد مجثما
صرفتُ عناني راجعاً، ومدامعي
على الخد تفضح الضمير المكتما
فيا أمتا؛ زال العزاء، وأقبلت
مصائب تنهى القلب أن يتلوما
وكنتُ أرى الصبر الجميل ميثاقا
فصرتُ أراه بعد ذلك مأثما
وكيف تلذُّ العيش نفسٌ تدرعتْ
من الحزن ثوباً بالدموع منمنما
تألمتُ فقدان الأحبة جازعاً
ومن شفه فقد الحبيب تألما
وقد كنت أخشى أن أراك سقيمةً
فكيف وقد أصبحت في الترب أعظما؟
بلغت مدى تسعين في خير نعمةٍ
ومن صاحب الأيام دهراً تهدما
- يقول الشاعر إبراهيم منذر:
أمي بروحك أين أنت الآن
أصبوا إليك متيماً ولهانا
أمي عماد سعادتي ومسرّتي
ومناط آلامي فتىً ريّانا
أمي وقد أمسيت في دار البقاء
لا همّ لا آلام لا أحزانا
كرماً أطلي من مقامك واحضني
من بات من طول النوى أسيانا
ربيتني طفلاً يدبّ ويافعاً
يسعى وكهلاً يسعف الإخوانا
ومربياً يضع الدروس نقيةً
ويهذّب الفتيات والفتياتا
وسكبت في قلبي المروءة والوفا
فبحب أرباب الوفا أتفانى
وجعلتني بالغاليات أجود في
ساح الجهاد وأعشق الأوطانا
علّمت يا أمي كما علّمتني
وبذلت لا ضجراً ولا منّانا
إن خانه صحبي فلست بناقمٍ
كي لا أكون نظيرهم خواّنا
وأظلّ معواناً وفياً مثلما
علّمتني حسبي الوفاء برهانا
حزت الوفاء عن السموأل خلّةً
أتتبّع ابن المنذر النعمانا
لا فضل للنعمان لكن أمّه
ماء السماء بها غدا سلطانا
قصيدة طيف نسيمه الحنين
- يقول الشاعر فاروق جويدة:
إلى أمي.. وكل أم.. في عيد الأم
في الركن يبدو وجه أمي
لا أراه لأنه
سكن الجوانح من سنين
فالعين إن غفلت قليلا لا ترى
لكن من سكن الجوانح لا يغيب
وإن توارى.. مثل كل الغائبين
يبدو أمامي وجه أمي كلما
اشتدت رياح الحزن.. وارتعد الجبين
الناس ترحل في العيون وتختفي
وتصير حزناً في الضلوع
ورجفة في القلب تخفق.. كل حين
لكنها أمي
يمر العمر أسكنها.. وتسكنني
وتبدو كالظلال تطوف خافتة
على القلب الحزين
منذ انشطرنا والمدي حولي يضيق
وكل شيء بعدها.. عمر ضنين
صارت مع الأيام طيفاً
لا يغيب.. ولا يبين
طيفاً نسميه الحنين..
في الركن يبدو وجه أمي
حين ينتصف النهار..
وتستريح الشمس
وتغيب الظلال
شيء يؤرقني كثيراً
كيف الحياة تصير بعد مواكب الفوضى
زوالاً في زوال
في أي وقت أو زمان سوف تنسحب الرؤي
تكسو الوجوه تلال صمت أو رمال
في أي وقت أو زمان سوف نختتم الرواية..
عاجزين عن السؤال
واستسلم الجسد الهزيل.. تكسرت
فيه النصال علي النصال
هدأ السحاب ونام أطيافاً
مبعثرة علي قمم الجبال
سكن البريق وغاب
سحر الضوء وانطفأ الجمال
حتى الحنان يصبح تذكاراً
ويغدو الشوق سراً لا يقال
في الركن يبدو وجه أمي
ربما غابت.. ولكني أراها
كلما جاء المساء تداعب الأطفال
فنجان قهوتها يحدق في المكان
إن جاء زوار لنا
يتساءل المسكين أين حدائق الذكرى
وينبوع الحنان
أين التي ملكت عروش الأرض
من زمن بلا سلطان
أين التي دخلت قلوب الناس
أفواجاً بلا استئذان
أين التي رسمت لهذا الكون
صورته في أجمل الألوان
ويصافح الفنجان كل الزائرين
فإن بدا طيف لها
يتعثر المسكين في ألم ويسقط باكياً
من حزنه يتكسر الفنجان
من يوم أن رحلت وصورتها علي الجدران
تبدو أمامي حين تشتد الهموم وتعصف الأحزان
أو كلما هلت صلاة الفجر في رمضان
كل الذي في الكون يحمل سرها
وكأنها قبس من الرحمن
لم تعرف الخط الجميل
ولم تسافر في بحور الحرف
لم تعرف صهيل الموج والشطآن
لكنها عرفت بحار النور والإيمان
أمية..
كتبت علي وجهي سطور الحب من زمن
وذابت في حمي القرآن
في الأفق يبدو وجه أمي
كلما انطلق المؤذن بالأذان
كم كنت ألمحها إذا اجتمعت علي رأسي
حشود الظلم والطغيان
كانت تلم شتات أيامي
إذا التفت علي عنقي حبال اليأس والأحزان
تمتد لي يدها بطول الأرض..
تنقذني من الطوفان
وتصيح يا الله أنت الحافظ الباقي
وكل الخلق يا ربي إلي النسيان