قصيدة عيناك والسحر الذي فيهما
يقول الشاعر إيليا أبو ماضي:
عَيناك وَالسِحرُ الَّذي فيهِما
صَيَّرَتاني شاعِراً ساحِراً
طَلَّمَتنِيَ الحُب وَعَلَّمتُهُ
بَدَر الدُجى وَالغُصن وَالطائِرا
إن غِبتِ عَن عَيني وَجُنَّ الدُجى
سَأَلتُ عَنكِ القَمَرَ الزاهِرا
وَأَطرُقُ الرَوضَةَ عِندَ الضُحى
كَيما أُناجي البُلبُلَ الشاعِرا
وَأَنشُقُ الوَردَةَ في كُمِّها
لِأَنَّ فيها أَرَجاً عاطِرا
يُذَكِّرُ الصَبُّ بِذاكَ الشَذا
هَل تَذكُرينَ العاشِقَ الذاكِرا
كَم نائِمٍ في وَكرِهِ هانِئٍ
نَبَّهتِهِ مِن وَكرِهِ باكِرا
أَصبَحَ مِثلي تائِهاً حائِراً
لَما رَآني في الرُبى حائِرًا
وَراحَ يَشكو لي وَأَشكو لَهُ
بَطشَ الهَوى وَالهَجر وَالهاجِرا
وَكَوكَبٍ أَسمَعتُهُ زَفرَتي
فَباتَ مِثلِيَ ساهِياً ساهِرًا
زَجَرتُ حَتّى النَومَ عَن مُقلَتي
وَلَم أُبالِ اللائِمَ الزاجِرا
يا لَيتَ أَنّي مَثَلٌ ثائِرٌ
كَيما نَقولُ المَثَلَ السائِرا
قصيدة غير مكتملة في تعريف العشق
يكتب نزار قباني:
عندما قررت أن أكتب عن تجربتي في الحب، فكرت كثيراً في ما الذي تجدي اعترافاتي. وقبل ذلك، كتب الناس عن الحب كثيراً، صوروه فوق جدران الكهوف، وفي أوعية الفخار والطين. لقد نقشوه على عاج الفيل في الهند، وعلى الورق البردي في مصر، وعلى الرز في الصين، وقدموه كقرابين ونذور. وعندما قررت أن أنشر أفكاري عن العشق، ترددت كثيراً، فأنا لست بقسيس ولا مارست تعليم التلاميذ، ولا أؤمن بأن الوردة مضطرة لشرح عبيرها للناس. ما أكتبه، يا سيدتي، هو تجربتي وحدي، وتعني لي وحدي، فهي السيف الذي يثقبني وحدي، وتزداد مع الموت حضوري.
عندما سافرت في بحرك، يا سيدتي، لم أكن أنظر في خارطة البحر ولم أحمل معي زورقاً مطاطياً أو طوق نجاة. بل تقدمت إلى نارك كالبوذي، واخترت المصير بأن أكتب بالطبشور عنواني على الشمس، وأبني فوق نهديك الجسور. حين أحببتك، لاحظت أن الكرز الأحمر في بستاننا أصبح جمرًا مستديرًا، وأن السمك الخائف من صنارة الأولاد يأتي بالملايين ليلقي في شواطئنا البذور. وأن السرو قد زاد ارتفاعًا، وأن العمر قد زاد اتساعًا. وأن الله قد عاد إلى الأرض أخيرًا.
حين أحببتك، لاحظت أن الصيف يأتي عشر مرات إلينا كل عام، وأن القمح ينمو عشر مرات لدينا كل يوم. وأن القمر الهارب من بلدتنا جاء يستأجر بيتًا وسريرًا. وأن العرق الممزوج بالسكر والينسون قد طاب على العشق كثيرًا.
حين أحببتك، صارت ضحكة الأطفال في العالم أحلى، ومذاق الخبز أحلى، وسقوط الثلج أحلى. ومواء القطط السوداء في الشارع أحلى، ولقاء الكف بالكف على الأرصفة الحمراء أحلى، والرسومات الصغيرات التي نتركها في فوطة المطعم أحلى، وارتشاف القهوة السوداء والتدخين والسهر في المساء ليلة السبت. والرمل الذي يبقى على أجسادنا من عطلة الأسبوع، واللون النحاسي على ظهرك بعد ارتحال الصيف أحلى. والمجلات التي نمنا عليها وتمددنا وثرثرنا لساعات عليها أصبحت في أفق الذكرى طيورًا.
حين أحببتك، يا سيدتي، طوبى لي. كل أشجار الأناناس بعينيك، وآلاف الفدادين تحت الشمس، وأعطوني مفاتيح السماوات، وأهدوني النياشين، وأهدوني الحرير.
عندما حاولت أن أكتب عن حبي، تعذبت كثيرًا، لأنني في داخل البحر. وإحساسي بضغط الماء لا يعرفه غير من ضاعوا في أعماق المحيطات دهورًا. ما أكتبه عن حبك، يا سيدتي، كل ما تذكره ذاكرتي أنني استيقظت من نومي صباحًا لأرى نفسي أميرًا.
قصيدة دعيني أحبك
يقول فاروق جويدة:
دعيني أقاوم شوقي إليك
وأهرب منك ولو في الخيال
لأني أحبك وهمًا طويلًا
وحلم بعيني بعيد المنال
دعيني أراك هداية عمري
وإن كنت في العمر بعض الضلال
دعيني أقاوم شوقي إليك
فإني كرهت أصول الرمال
نحب كثيرًا ونبني قصورًا
وتغدو مع البعد بعض الظلال
دعيني أراك كما شئت يومًا
وإن كنت طيفًا سريع الزوال
فما زلت كالحلم يبدو قريبًا
وتطويه منا دروب المحال
قصيدة يطير الحمام
يكتب محمود درويش:
يطير الحمام، يحطّ الحمام،
أعدّي لي الأرض كي أستريح،
فإني أحبّك حتى التعب،
صباحك فاكهةٌ للأغاني،
وهذا المساء ذهب،
ونحن لنا حين يدخل ظلٌّ إلى ظله في الرخام.
وأشبه نفسي حين أعلّق نفسي
على عنقٍ لا تعانق غير الغمام،
وأنت الهواء الذي يتعرّى أمامي كدمع العنب،
وأنت بداية عائلة الموج حين تشبّث بالبر،
حين اغترب، وإني أحبّك، أنت بداية روحي وأنت الختام.
يطير الحمام، يحطّ الحمام،
أنا وحبيبي صوتان في شفةٍ واحدة،
أنا لحبيبي، أنا وحبيبي لنجمته الشاردة.
وندخل في الحلم لكنّه يتباطأ كي لا نراه،
وحين ينام حبيبي أصحو لكي أحرس الحلم مما يراها
وأطرد عنه الليالي التي عبرت قبل أن نلتقي،
وأختار أيّامنا بيديّ كما اختار لي وردة المائدة.
فنم، يا حبيبي،
ليصعد صوت البحار إلى ركبتيّ،
ونم، يا حبيبي،
لأهبط فيك وأنقذ حلمك من شوكةٍ حاسدة،
ونم، يا حبيبي،
عليك ضفائر شعري، عليك السلام.
يطير الحمام، يحطّ الحمام،
رأيت على البحر إبريل،
قلت نسيت انتباه يدي،
نسيت التراتيل فوق جروحي.
فكم مرّةً تستطيعين أن تولدي في منامي
وكم مرّةً تستطيعين أن تقتليني لأصرخ إني أحبّك؟
كي تستريحي،
أناديك قبل الكلام،
أطير بخصرك قبل وصولي إليك.
فكم مرّةً تستطيعين أن تضعي في مناقير هذا الحمام
عناوين روحي،
وأن تختفي كالمدى في السفوح
لأدرك أنّك بابل ومصر وشام.
يطير الحمام، يحطّ الحمام،
إلى أين تأخذني يا حبيبي من والديّ
ومن شجري ومن سريري الصغير ومن ضجري
من مَرَايَاي من قمري، من خزانة عمري، ومن سهري
من ثيابي ومن خفري
إلى أين تأخذني يا حبيبي إلى أين؟
تشعل في أذنيّ البراري تحمّلني موجتين
وتكسر ضلعين، تشربني ثم توقدني ثم
تتركني في طريق الهواء إليك.
حرامٌ حرامٌ.
يطير الحمام، يحطّ الحمام.
قصيدة يا ما أنت وحشني وروحي فيك
يقول أحمد شوقي:
يا ما أنت وحشني وروحي فيك،
يا مئانس قلبي لمين أشكيك.
أشكيك للذي قادر يهديك
ويبلغ الصابر أمله.
أنا حالي في بعدك لم يرضيك،
كان عقلك فين لما حبيتك
ولغير منصف ودك ودّيت.
تنوّى الهجران ولقاك حنيت،
يا قلب أنت معمول لك إيه.
هو سحري جرى وإلا انجنّيت،
كيد العوازل كايدني،
بس اسمع شوف،
ده إنت مالكني من قلبي
وإلاّ بالمعروف،
حبك كواني،
تعالى شوف،
سَتر العذول دايمًا مكشوف،
وأنا بالصبر أبلغ أملي.
قصيدة يا من دواعي الحبّ في ألحاظه
يكتب علي الغراب الصفاقسي:
يا من دواعي الحبّ في ألحاظه،
مهما رنت تحت الجبين السّاطع.
نازعت شجوى فيك فاعتذرت لهُ،
لفتاتُ جيد من غزال رائع.
وفقدتُ صبري عنهُ لمّا استيقنت،
نفسي بأن لا بُدّ لي من مانع.
الحبُّ يحكمُ تارة فيمن له،
كلّ التّحاكم بالدّليل القاطع.
كم فيك يُغريني الهوى فيصدُّني،
عنك الحياءُ ومنصبٌ لي رافع.
هب أنّ حُسنك مالكٌ كلّ الورى،
أيليقُ أنّك مالكي يا شافعي.
قصيدة يا من تملّك في هواهُ بحسنه
يقول علي الغراب الصفاقسي:
يا من تملّك في هواهُ بحسنه،
وبغى وجرّد للقتال بواتر.
ينهى ويأمر في هواهُ بما يشا،
لا مانعٌ لأجلّ ما هو آمر.
فكأنّما هو في زواجر أمره،
ملكٌ على دست الخلافة قاهر.
ارحم صدي كبد أضرّ بها الأسى،
من طيب مورد فيك إذ هو عاطر.
والله إنّي في هواك موحّد،
بالحسن ما أنا مشركٌ أو كافر.
هَيا اِسقِني يا شَقيق البَدر بالكاس
يكتب صالح مجدي بك:
هَيا اِسقِني يا شَقيق البَدر بالكاس،
مَشمولةً عتقت في دِنِّ شماسِ.
وَعاطنيها كَما أَبغي مشعشعةً
عَلى بِساط مِن الأَزهار وَالآس.
وَطِف بجاماتها وَالليل منسدلٌ،
فَما عَلَيك إِذا ما طفت مِن باس.
وَلا تُضِع فُرصةً في رَشفِها عرضت،
فَإِن فيها زَوال الهَمّ وَالباس.
وَاستجلها الآن صَرفاً أَو فإن مزجت،
فَمن رضاب عَقيق الشادن الآسي.
فَإِن بَدَت شَمسُها في الكاس مُشرِقَةً
لجاحد لان مِنها قَلبُه القاسي.
وَما تَناولها إِلا فَتىً عُرفت،
أَخلاقه بِالوَفا وَالحلم للناس.
وَلَو رَأى بأقل أَنوارها لَأَتى
بِما يضيء مِن المَعنى كمقباس.
وَللجبان إِذا ما ذاقَها قدم،
كَالطود في حربه للمفتري راسي.
هِيَ الشفا لنحيل الجسم مِن سقم،
وَهيَ الدَوا للحَشا مِن داء وَسواس.
وَهيَ الَّتي مَهرُها الأَرواح إِن خُطبت،
وَقُربها جَنة النشوان وَالحاسي.
فَاركض بخيلك في مَيدان ساحَتها،
وَارمح بِحاناتها في جنح أَغلاس.
وَإِن نَهى آمر عَنها فَقل علقت،
رُوحي براح وَخمَّار وَمياس.
مَوتي حَياتي بِها ذلي لبهجتها،
عزِّي وَأَمنيَ مِن روعٍ وَإِفلاس.
هَيهات أَصرف عَنها ناظِري وَبِها،
مِن وحشَتي في دجى الأَسحار إِيناسي.
قصيدة أدر للعاشق الصبّ
يختتم صالح مجدي بك بقوله:
أَدِر لِلعاشق الصَبِّ
كُؤسَ القرقفِ الصَبِّ.
وأَحيي رُوحَ راحِكَ بال
لَمى مِن ثَغرِك العَذبِ.
لِتُطفِئَ نارَ أَشواقٍ
لِمَجبولٍ عَلى الحُبِ.
فَقَد جادَ الزَمانُ لَنا
بِحُسن الوَصل وَالقُرب.
وَسالم بَعد أَن هُزِمَت
كَتائِبُه مِن الحَرب.
وَأَتحَفَ رَوضَ بَهجَتنا
بِدرِّ القَطر مِن هَضب.
وَأَثمرَ نَبتُهُ إِذ حا
ل بِالإِمحالِ وَالجَدب.
وَأَزهر كُلُّ مُنتَزه
بِأَثواب الجَنى القُشب.
وَأَهدى كُلَّ مَرغوب
وَمَألوفٍ مِن الخِصبِ.
فَمن وَردٍ وَمِن وِردٍ
وَفاكِهَة وَمِن أَبِّ
وَنَسرينٍ وَمَرسين
عَلى الأَفنانِ وَالعَذب.
وَياسمين يَقول اليَأ
سُ مَينٌ في الحِمى الرَحب.
وَمِن لَونٍ شَقيقيٍّ
شَقيق الخَدّ في الخَضب.
وَمِن نُورٍ كَبَلَّورِ
لَهُ نُورٌ عَلى الشُهب.
هُوَ المَنثورُ مَنثورٌ
عَلى الأَتراب وَالتُرب.
وَمِن زَهر عَلا قَدراً
عَلى زُهرٍ السَما القُهب.
أَقاحٍ ثَغرُهُ يَزهُو
وَيَضحك مِن بُكا السُحب.