أهمية الموشحات الأندلسية
تمتلك الموشحات الأندلسية مكانة بارزة في تاريخ الأدب العربي، حيث تميزت بأثرها العميق خلال عصرها وما تبعه من عصور. ومن أبرز ملامح هذه الأهمية ما يلي:
الأهمية اللفظية للموشحات
تتجلى أهمية الموشحات من الناحية اللفظية في النقاط التالية:
- تجنب استخدام الألفاظ الغريبة والمعقدة.
فذلك يساعد القارئ على الانغماس في جمال القصيدة بدلًا من التشويش بواسطة محتوًى مزدحم بالألفاظ.
- احتواء الموشحات على مفردات تعكس بيئة الأندلس.
أهّل هذا الأمر الموشحات لتكون ذات قيمة أدبية بارزة.
- عرض الموشحات لجماليات البيئة الطبيعية للأندلس.
فقد ساهمت في تجسيد جمالها وبهاءها بطرق فنية رائعة.
الأهمية الموسيقية للموشحات
شهدت الموشحات تطورًا موسيقيًا ملحوظًا، ويمكن تلخيص أهميتها الموسيقية فيما يلي:
- توافق أشكال الموشحات مع مجالس الأنس والغناء والفنون الأدبية.
- ابتكار منهج جديد يتميز بحرية الوزن والقافية.
- اعتبرت الموشحات ثورة في العروض الشعرية، إذ لم تتقيد بأوزان بحور الفراهيدي، مما أضاف بعدًا جديدًا إلى الموسيقى العربية.
الأهمية الفنية للموشحات من ناحية الأغراض الشعرية
تعددت الأغراض الشعرية التي تناولتها الموشحات الأندلسية، وأبرزها:
- الغزل
يعتبر الغزل من أهم الأغراض الشعرية التي ساهمت في شهرة الموشحات، ويُشير إلى أشهر شعراء هذا النوع: التطيلي الأعمى وابن سناء الملك.
- المديح
يُعد المديح أحد الأغراض الشعرية التي تناولها الشعراء في العصور الأدبية المختلفة، ولم يكن العصر الأندلسي استثناءً. استخدم الشعراء هذا الغرض كوسيلة للحصول على مكافآت الملوك، ومن بين هؤلاء الشعراء اشتهر لسان الدين بن الخطيب.
الأهمية الأسلوبية للموشحات
تفردت الموشحات بتنوع أساليبها، مما أسهم في حيويتها وقيمتها الأدبية:
- الإبداع في صياغة الأسلوب، مما أظهر مهارة الشعراء في التعبير عن مشاعرهم.
- استخدام البلاغة لرسم صور فنية نابضة بالحياة.
- تنوع الأساليب بين الخبرية والإنشائية، مما أوجد تفاعلًا متجددًا بين الشاعر والمتلقي.
نماذج من الموشحات الأندلسية
تمثل الموشحات الأندلسية جزءًا أساسيًا من التراث الثقافي الأندلسي، ومن بين أبرز نماذجها ما يلي:
- موشح “هل درى ظبي الحمى” لابن سهل الأندلسي:
هَل دَرى ظَبيُ الحِمى أَن قَد حَمى
قَلبَ صَبٍّ حَلَّهُ عَن مَكنَسِ
فَهوَ في حَرٍّ وَخَفقٍ مِثلَما
لَعِبَت ريحُ الصَبا بِالقَبَسِ
يا بُدوراً أَطلَعَت يَومَ النَوى
غُرَراً تَسلُكُ بي نَهجَ الغَرَر
ما لِنَفسي وَحدَها ذَنبٌ سِوى
مِنكُمُ الحُسنُ وَمِن عَيني النَظَر
أَجتَني اللَذّاتِ مَكلومَ الجَوى
وَاِلتِذاذي مِن حَبيبي بِالفِكَر
وَإِذا أَشكو بِوَجدي بَسَما
كَالرُبى وَالعارِضِ المُنبَجِسِ
إِذ يُقيمُ القَطرُ فيهِ مَأتَما
وَهيَ مِن بَهجَتِها في عُرُسِ
مَن إِذا أُملي عَلَيهِ حُرَقي
طارَحَتني مُقلَتاهُ الدَنَفا
تَرَكَت أَجفانُهُ مِن رَمَقي
أَثَرَ النَملِ عَلى صُمِّ الصَفا
وَأَنا أَشكُرُهُ فيما بَقي
لَستُ أَلحاهُ عَلى ما أَتلَفا
فَهوَ عِندي عادِلٌ إِن ظَلَما
وَعَذولي نُطقُهُ كَالخَرَسِ
لَيسَ لي في الأَمرِ حُكمٌ بَعدَما
حَلَّ مِن نَفسي مَحَلَّ النَفَسِ
غالِبٌ لي غالِبٌ بِالتُؤَدَه
بِأَبي أَفديهِ مِن جافٍ رَقيق
ما عَلِمنا قَبلَ ثَغرٍ نَضَّدَه
أُقحُواناً عُصِرَت مِنهُ رَحيق
- موشح “بحيث انعطف البان” لعبد الغفار الأخرس:
بحيث انعطف البانُ
قويمُ القدِّ فتَّانُ
وللقامات أغصان
وفي الأرداف كثبان
رويداً أيها السَّاقي
فإنِّي بك سكران
وهذا قدّك النشوا
من عينيك نشوان
فلي من روضك الزاهي
بروض الحسن بستان
فمن وجنتك الوَرْدُ
ومن قامتك البان
ومن عارضك المخضرّ
لي رَوحٌ وريحان
وفي فيك لنا خمرٌ
وأنت الخمر والحان
وإنِّي لجنى ريقتك
العذبة ظمآن
جنود منك في الحب
على قتليَ أعوان
فمن جفنيك صمصام
ومن قدّك مرّان
نعم في طرفك الموقظ
وجدي وهو وسنان
وما أنتَ كمن يُسلى
وما لي عنك سلوان
وجنّات دخلناها
فقلنا أين رضوان
وفيها من فنون الحُ
سْن في الدَّوحة أفنان
وفيها اختلفت للز
هر أشكال وألوان
فللنرجس أحداقٌ
كما للآس آذان
وهذا الأقحوان الغضُّ
تبدو منه أسنان
وقد حضّ على شرب
المدام الصّرف ندمان
وطافت بكؤوس الراح
والراحات غلمان
وطاسات من الفضة
فيها ذاب عقيان
فما وسْوَسَ للهمِّ
بصَدْر الشَّرب شيطان
- موشح “خليلي من يجزع” للتطيلي الأعمى:
خليليَّ منْ يَجْزَعْ فإنّيَ جازعُ
خليليَّ مَنْ يَذْهَل فإنّيَ ذاهلُ
وفي ذلك القبرِ المُقدَّسِ تُرْبُهُ
عَفَافٌ وإقدامٌ وحَزْمٌ ونائِلُ
دعاني أسِيّاً واسْلُوا إنْ قَدَرْتُما
نَبا مِسمَعي عما تقُولُ العواذِلُ
فؤاديَ خَفَاقٌ ودَمْعيَ ساجِمٌ
ولُبّيَ مَخْبُولٌ وَجِسْمِيَ ناحِل
نَعَوْهُ فقلتُ الآنَ واللهِ أصْبَحت
معالمُ هذا الدينِ وَهْيَ مَجَاهل
وضَمَّ النّدَى يا لهفَ نَفْسِيَ مَلْحَدٌ
سَقَتْهُ فَرَوَّتْهُ السَّحابُ الهَوَاطِل
وَعَهْدِي به طَوْداً إذا عَقَدَ الحُبَا
وبحراً إذاً التفتْ عَلَيْهِ المحَافِل
فواعجبا للنَّعْشِ كيفَ أَطاقَهُ
وقد حَمّلُوهُ فوقَ ما هُوَ حامل
عليك سلامُ الله أَسْلِمْت للْبِلى
فما بَلِيَتْ إلاّ العُلا والفواضل
وذكرُكَ معْمورٌ به كلُّ مَنْزِلٍ
فبشراك أنْ تَبْقَى وتَفْنى المآهل
سراجَ العُلا وابنَ الحماةِ ذِمارَهُمْ
وهل أنتَ ليْ مصغٍ فها أنا قائل
أبُوكَ أبو العَلْيا أُتيحَ له الرّدى
وفيكَ لعمرُ الفضْلِ منهُ شمائل