الهدف العام من سورة المدثر
إن الهدف الأساسي من القرآن الكريم بشكل عام، ومن كل سورة على وجه الخصوص، هو توجيه الناس نحو الخير وإرشادهم إلى الطريق الصحيح. ولذلك، فإن سورة المدثر تتشابه مع غيرها من السور في دعوتها إلى هداية الإنسان، وتذكيره باليوم الآخر وما يحتويه من جزاء للناس، بما في ذلك الجنة والنار، بالإضافة إلى التحذيرات من عذاب الله للمكذبين، ووعد الإيمان الصادق للمؤمنين. كما تسلط السورة الضوء على دلائل قدرة الله -تعالى- وعظمته في خلق النار والملائكة.
الأهداف الخاصة بسورة المدثر
تتعدد الأهداف الخاصة بسورة المدثر وتتنوع، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
- التحذير من عقاب الله -تعالى- ووعيده يوم القيامة.
تتضمن السورة تقديماً شرساً لشدة وعيد الله -تعالى- لمن يكذب أو يكفر، كما يتجلى ذلك في قوله: (فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ). يُعتبر هذا بمثابة إنذار صارخ يتعين على الداعيين اعتباره، مما يبرز أهمية كونهم منذرين مع تقديم البشارة. ولهذا السبب، كانت السورة التي تليها هي “سورة القيامة”.
- التهديد المباشر لشخصيات معينة من مشركي مكة.
مثل الوليد بن المغيرة المخزومي، حيث يقول الله -تعالى-: (كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا* سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا). بينت السورة نعمه على هذا الجاحد، ولكنه استمر في عناده وتكذيبه لدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، مما استوجب أن يكون تهديده بسقر مُباشراً.
- الوصف الدقيق لجهنم.
لإخافة كل متكبر وعصبي، كما يتضح في قوله -تعالى-: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ* لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ* لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ* عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ).
- التأكيد على مظاهر قوة الله وقدرته في خلقه.
وتأتي الملائكة في صدارة تلك المظاهر، كما ورد في قوله -تعالى-: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ). ذُكرت الملائكة في السورة رداً على استهزاء المشركين بهم عندما أخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صفاتهم ولقائهم.
- التأكيد على مسؤولية الفرد عن أفعاله.
حيث إن كل إنسان سيُحاسَب على أفعاله يوم القيامة، كما جاء في قوله -تعالى-: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ). سيحظى المؤمن بالثواب بينما الكافر سيعاني العقاب.
- توضيح الجرائم الكبرى التي تؤدي إلى دخول النار.
وتشمل هذه الجرائم: ترك الصلاة، وعدم مساعدة المحتاجين، إنكار يوم القيامة، وصد الناس عن الحق، والاستهزاء بآيات الله، كما ورد في قوله -تعالى-: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ).
- تحليل حالة المكذبين برسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أهل مكة.
حيث شبههم الله -تعالى- بالحمير الهاربة من الأسود، وذلك عندما كان يدعوهم للنظر في دعوته، كما في قوله -تعالى-: (فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ* كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ* فَرَّتْ مِن قَسورة). تعبر هذه الآيات عن مدى معارضة المشركين لدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
- تذكير الناس بمغفرة الله ورحمته للمتقين، وأن الفضل هو من عند الله -تعالى-.
أهداف سورة المدثر المتعلقة بالنبي الكريم
تتعلق سورة المدثر بمجموعة من الأهداف المرتبطة بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ومنها:
- نزلت هذه السورة المباركة لتثبيت النبي -صلى الله عليه وسلم-.
حيث كانت مصدر تأكيد على نبوته بعد عودته من غار حراء، إذ طلب من السيدة خديجة -رضي الله عنها- أن تُدثره، وأنزل الله مقدمة هذه السورة لتثبيت نبوته ونزول الوحي عليه.
- إبلاغ النبي -صلى الله عليه وسلم- رسالة الله إلى البشرية.
كما يتضح في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ). تجسد هذه الآية دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- كمنذر للناس.
- نهي النبي الكريم عن الاستغراق في الانتظار لمكافآت أكبر من العطاء الذي قدمه، مما يعكس مسؤولية خاصة تجاه هذه الدعوة.