تُعَدّ أحكام النون الساكنة والتنوين جزءًا أساسيًا في علم التجويد، الذي يلعب دورًا حيويًا في توجيهنا نحو النطق السليم للألفاظ القرآنية. يعزز هذا العلم معرفتنا بكيفية إخراج كل حرف من مخرجه بطريقة صحيحة، مع الالتزام بكافة صفات الحروف كما وردت في القراءة النبوية الشريفة.
سعى علماء التجويد من خلال قرارهم إلى تحقيق هدف رئيسي هو الحفاظ على القرآن الكريم من أي أخطاء لفظية قد تحدث أثناء القراءة. لذا، يتحتم على كل مسلم مكلف الالتزام بهذه القواعد أثناء قراءة آيات الله.
تعريف النون الساكنة والتنوين
النون الساكنة: هي النون التي لا تحمل حركة معينة، مما يجعلها ثابتة في النطق والكتابة، وتظهر في الأسماء والأفعال والحروف، وقد تعقد في مواقع وسط أو نهاية الكلمات.
التنوين: يُعتبر نونًا زائدة، لا تحتوي أيضًا على حركة، وتأتي في نهاية الأسماء لفظًا، بينما لا تُدوَّن في الكتابة إلا عند استخدامها في التوكيد.
الاختلافات بين النون الساكنة والتنوين
- النون الساكنة هي حرف أصلي من حروف الهجاء، في حين أن التنوين يعتبر زائدًا.
- يمكن العثور على النون الساكنة لفظيًا وكتابياً، بينما يُستخدم التنوين لفظيًا فقط.
- تظهر النون الساكنة في منتصف الكلمات أو نهايتها، بينما التنوين يظهر فقط في نهاية الكلمة.
- تدخل النون الساكنة على الأسماء، الأفعال، والحروف، بينما التنوين يُدخل فقط على الأسماء.
أحكام النون الساكنة والتنوين
الإظهار
- تعني في اللغة البيان.
- تُعرف اصطلاحًا بأنها خروج كل حرف من مخرجه دون غنة واضحة.
- تتضمن حروف الإظهار (ء)، (ع)، (ح)، (ه)، (خ)، (غ).
- تخرج حروف الإظهار من منطقة الحلق، لذا تعرف بالإظهار الحلقي.
- من أمثلة الإظهار: (من آمن)، (من هاد)، (من حمل)، (من عمل)، (من غيركم)، (من خير)، (من أهل)، (من علم فسينغضون).
- ومن نماذج الإظهار الحلقي: (عذاب أليم)، (سواء عليهم)، (نفساً إلا وسعها)، (كل آمن).
الإدغام
- يعني الإدخال في اللغة.
- اصطلاحًا، هو التقاء حرف ساكن مع حرف متحرك ليشكل حرفًا مشددًا واحدًا.
- تشمل حروف الإدغام (ى)، (م)، (ل)، (ن)، (و)، (ل).
أنواع الإدغام
الإدغام ينقسم إلى قسمين:
بغنة: تشمل حروفها (ى، و، م، ن)، وجمعت في كلمة (نيمو). يبقى فيها الغنة.
مثل: {صراطٍ مستقيم}، (يومئذ واهية)، (عذاب مقيم)، (يومئذ ناعمة)، (وبرق يجعلون).
يشترط للإدغام أن تكون نهاية الكلمة الأولى نون ساكنة أو تنوين، وبداية الكلمة الثانية حرف إدغام بغنة.
بدون غنة: حروفها (ل، ر)، حيث يحدث الإدغام بشكل كامل دون غنة، مثل: {محمد رسول الله}، (فسلام لك، غفور رحيم).
- تشير الحاجة لاستبعاد الغنة إلى خفة النطق، حيث أن الغنة قد تزيد من ثقل النطق.
- يمكن أن يكون الإدغام متماثلًا في النون ومتناغمًا مع الميم.
- يجب إظهار النون الساكنة إذا كانت مع حرف الإدغام في كلمة واحدة، باستثناء الواو والياء حيث تظهر بشكل مستقل.
الإقلاب
- يعني تغيير الشيء، مثل تحويله من الباطن للظاهر.
- اصطلاحًا، هو تبديل الحروف، وحرف (ب) هو العامل الوحيد.
- تظهر النون الساكنة والتنوين قبل حرف الباء، ويتم تحويلهما إلى ميم مخفية دون إدغام.
- من الأمثلة: (من بخل) تُنطق (مم بخل)، (سميع بصير)، (مشاء بنميم)، (يؤمن بربه).
- للتعرف على النون الساكنة المقلبة، يُرصد وجود حرف الميم أعلى حرف النون.
يتم التمكن من الإقلاب بطرق بسيطة عبر ثلاث حالات:
- عندما تكون الباء بعد النون الساكنة في الكلمة، كما في (أنبئهم).
- عندما تأتي الباء في بداية الكلمة الثانية، والنون الساكنة في آخر الكلمة الأولى، كما في (من بينهم).
- عندما تأتي الباء في بداية الكلمة الثانية، والتنوين في نهاية الكلمة الأولى، مثل: (عليمٌ بذات الصدور).
الإخفاء
يعني التخفي أو الستر.
- اصطلاحًا، هو الدمج بين حرفين دون تشديد مع الحرص على بقاء الغنة.
- تشمل الحروف المتبقية: (ص، ث، ج، ك، ذ، ق، س، ش، ت، ز، ف، ظ، ض، د، ط).
- من الأمثلة: (من قبل، إن زعمتم، من كتاب، عند، ظل ذي ثلاث، مطاع ثم أمن، فوج سألهم).
تمثل حالة الإخفاء بيئة تخفي الحرف (النون الساكنة والتنوين)، وتظل صفة الغنة سليمة.
تقسم مراتب الإخفاء إلى ثلاث:
- أعلى مرتبة: مطابقة للإدغام، تكون مع حروف (ط، ت، د).
- أدنى مرتبة: مطابقة للإظهار، تكون مع (ك، ق).
- مرتبة متوسطة: تتوسط بين أعلى وأدنى المراتب مع باقي الحروف.
الفرق بين الإدغام والإخفاء
تتعدد الفروق بين الإدغام والإخفاء، منها:
- لا يوجد تشديد في الإخفاء، بينما يُشترط وجوده في الإدغام.
- الإخفاء يُطبق عند الحرف المخفي، بينما الإدغام عند المدغم.
- تفاعل الإخفاء يحدث في كلمة أو كلمتين، في حين يُطبق الإدغام في كلمتين فقط.
كما جاء في قوله تعالى: “ورتل القرآن ترتيلاً”، مما يدل على ضرورة تعلم التجويد للقراءة الصحيحة. يتوجب على كل مسلم أن يتقن هذه الأحكام حتى تتم قراءة القرآن بوضوح كما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
لتحقيق ذلك، يتوجب علينا دراسة هذه الأحكام الأربعة بشكل جيد وإدراك أهمية التجويد، لأنه يُعد من أشرف العلوم.