نشأة علم التجويد
عندما بعث محمدٌ -عليه الصلاة والسلام- كان العرب في ذلك الوقت أمة تتميز بالفصاحة والبيان والشعر والأدب، حيث كانوا يهتمون بتجويد الكلام وتحسينه. لقد فهموا القرآن وتلوه مجوّداً كما أُنزل على محمد. ومع اتساع الدولة الإسلامية ودخول أعداد كبيرة من غير العرب في الإسلام، ظهرت الحاجة إلى تعلم اللغة العربية لفهم الدين ولتلاوة القرآن الذي أُنزل بالعربية. لكن مع ضعف لغة المسلمين الجدد اختلفت الألسن ونتج عن ذلك أخطاء ولحنٌ وضعفٌ في تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى. لذا، كان من الضروري أن يقوم أهل اللغة بتقديم الدعم لحماية كتاب الله، ومن هنا أدرك أهل اللغة وأهل القرآن أهمية وضع قواعد واضحة لتحديد الطريقة الصحيحة لتلاوة القرآن الكريم، وتوضيح الأحكام التي يجب الالتزام بها.
أصبح تعليم المسلمين من غير العرب كيفية التلاوة الصحيحة للقرآن الكريم كما نزل على رسول الله وفق أحكام التجويد ضرورة ملحة، حيث يتعرف المسلم بعد القراءة الصحيحة على معاني الآيات وإشاراتها وأبعادها البلاغية. سُمي هذا العلم الذي يختص بمعرفة أحكام التجويد بعلم التجويد، وقد ظهر بشكل مستقل في القرن الرابع الهجري.
تعريف علم التجويد
التجويد في اللغة: مصدرٌ من “جوّد”، ويعني تحسين الشيء. يُقال “يُجود” و”يُجيد” بمعنى أنه يُحسن.
أما تعريف تجويد القرآن اصطلاحاً: هو العلم الذي يبحث في كيفية نطق الحروف، ويهتم بمخارجها وصفاتها، بالإضافة إلى الأحكام التي تتعلق بها عند الوقف، والابتداء، والوصل، والقطع.
الهدف من علم التجويد هو الوصول إلى أعلى مستويات إتقان تلاوة القرآن، مع الحرص على جماليات النطق والابتعاد عن اللحن والأخطاء.
أنواع أحكام التجويد
تتعدد أحكام التجويد، ومنها أحكام النون الساكنة والتنوين، وأحكام الميم الساكنة، والترقيق والتفخيم، وأحكام المدود، وكذلك الاستعاذة والبسملة وغيرها من الأحكام التفصيلية.
وبالنظر إلى تعدد أحكام التجويد، سيقتصر الحديث على ذكر الأنواع بشكل عام كما يلي:
أحكام الابتداء
الابتداء عند القراء يعني البدء في قراءة القرآن بعد توقف. عندما يبدأ القارئ بعد قطع التلاوة، فإنه يلزم أن يستعيذ قبل القراءة، ثم يتبع ذلك بالبسملة عند الابتداء من بداية السور. أما إذا كان الابتداء في منتصف السورة، فالقارئ مخير بين البسملة أو تركها بعد الاستعاذة. وفي حالة الابتداء مباشرة بعد الوقف، فلا يستعيذ ولا يبسمل.
يجب على القارئ عند الابتداء أن يبدأ بمعنى كامل، فلا يبدأ بجزء غير مكتمل من الجملة أو بمعنى غير واضح.
أحكام النون الساكنة والتنوين
تشير أحكام النون الساكنة والتنوين إلى القواعد المتبعة عند التقاء النون الساكنة أو التنوين مع أحد حروف اللغة العربية. للنون الساكنة والتنوين أربعة أحكام: الإظهار، الإدغام، الإقلاب، والإخفاء.
أحكام الميم الساكنة
للميم الساكنة أحكام خاصة، وترتبط بعدة قواعد تشمل: الإدغام الشفوي، الإخفاء الشفوي، والإظهار الشفوي.
- الإدغام الشفوي: يتحقق عند وجود الميم الساكنة في نهاية الكلمة الأولى والميم المتحركة في بداية الكلمة الثانية.
- الإخفاء الشفوي: يتحقق عندما تكون الميم الساكنة في نهاية الكلمة الأولى متبوعة بحرف الباء.
- الإظهار الشفوي: عندما تأتي الميم الساكنة في آخر الكلمة الأولى متبوعة بحروف غير الميم والباء.
مخارج الحروف
يعتبر علم مخارج الحروف متصلاً بعلم التجويد، بل ويتفرع منه، وهو علم ذو أهمية كبيرة لارتباطه بالطريقة الصحيحة لنطق الحروف التي أُنزل بها القرآن. يحدد مخرج الحرف مكان وموضع خروجه، حيث يختلف وجود الحرف بجعلته المحققة أو المقدرة.
تتوزع مخارج الحروف على سبعة عشر مخرجاً، تشمل الجوف، الحلق، اللسان، الشفتين، وأطراف الثنايا.
أحكام المدود
تعريف المدود
تعني المد في اللغة: المَطُ، أو الطول. أما المد اصطلاحاً: فهو إطالة الصوت عند نطق حرف المد بسبب الهمز أو السكون. يقسم المد إلى نوعين: المد الطبيعي والمد الفرعي.
أقسام المدود
تنقسم المدود إلى المد الطبيعي الذي يكون نتيجة وقوع الألف المديّة مع حرف مفتوح قبله، والمد الفرعي الذي يتوقف على سبب، مثل الهمز أو السكون. من أقسام المد الفرعي: المد اللازم، الواجب المتصل، الجائز المنفصل، والعوض.
الحكم الشرعي للتجويد
ينقسم علم التجويد إلى قسمين:
- القسم النظري: يتضمن معرفة أحكام التجويد ودراستها، وهو فرض كفاية.
- القسم العملي: يتعلق بتطبيق قواعد التجويد في تلاوة القرآن، وهو واجب على كل مسلم ومسلمة.