أنواع الأنساق الثقافية
ظهرت الأنساق الثقافية نتيجة لتطور النقد الثقافي، الذي نشأ كاستجابة للتوجهات الأدبية التي تعتني بالنصوص بشكل منفصل عن سياقاتها. ومنذ عدة قرون وحتى وقتنا الحاضر، اكتسب النقد الثقافي مكانة بارزة في الدراسات النقدية، حيث يتناول النصوص بشكل أعمق من المستوى الأدبي البسيط. إذ يسعى النقد الثقافي إلى استكشاف المعاني الخفية التي تحملها النصوص، وينقسم النقد الثقافي إلى نسقين رئيسين، هما:
النسق المضمر
ظهر النسق المضمر في البداية في شكل هجاء، يتصل بالأسلوب الفعّال لمواجهة الخصوم وتجاوزهم. إذ تحتوي النصوص الأدبية، وخصوصًا الشعر، على مديح يبدو في ظاهره إيجابي، لكنه في الحقيقة يخفي معانٍ معينة من الانتقاص والاستهزاء في طياته كمضمر نصي. يُعتبر هذا النوع من الخطاب سمة مهيمنة، والهدف من النقد الثقافي وتحليل الأنساق هو الكشف عن العديد من المعاني الضمنية التي تحتويها النصوص، والتي لا تعلن صراحة.
يمكن اعتبار النقد الثقافي نشاطًا يتمحور حول دراسة الأنساق الثقافية في النصوص، ليس كمادة جمالية بل كنسق ثقافي يمارس وظيفة نصية تحول دون الإفصاح عن المضامين المخفية. وبالتالي، قد يحتوي النص على معنى ظاهر وآخر باطن، حيث يبرز التحليل الثقافي من خلال المقارنة بينهما.
قدّم عبد الله الغذامي رؤى حداثية تهدف إلى تحسين الواقع العربي المتأثر بموروثاته وتقاليده، من خلال تفكيك النصوص الأدبية والوصول إلى النقد الثقافي بمختلف أنساقه المضمرة.
- مثال على النسق المضمر
من الأمثلة الجيدة التي توضّح المعنى المضمر في الأنساق الثقافية هو الشعر. فعندما أراد أبو ذؤيب تقديم المدح للمرأة احتراما وتقديرا، قال:
“وأصبحت أمشي في ديار كأنها
خلاف ديار الكاهلية عُور”
حيث تعني كلمة “العور” انكشاف الستر، مما يعني أن الأرض التي تفتقر إلى النساء تعتبر مكشوفة وتصبح عورة بسبب غيابهن. ومع ذلك، فإن هذا الكلام قد يعزز الصورة السلبية للموؤودة لدى قبيلة الشاعر، بحيث تُفهم الأرض الخالية من النساء بأنها تظل فارغة.
النسق العلني
النسق العلني يشير إلى المعاني الجليّة والواضحة التي يتلقاها القارئ العادي عند قراءة النص. إن إدراك السياق وفهمه يُعتبران عناصر أساسية لتقدير النص الأدبي وتفسيره، فكل عمل أدبي يتميز عن الآخر بخصائص اللغة المستخدمة داخله.
- مثال على النسق العلني
يمكن القول بأن النسق العلني يسهل فهمه أكثر من النسق المضمر الذي يتطلب تفكيرًا أكبر. ومن بين النماذج البارزة، يمكننا أن نستشهد بما قاله الشاعر أبو تمام في ديوانه:
“لا تنكري عطل الكريم من الغنى
فالسيل حرب للمكان العالي”.
إن فهم هذا البيت يتطلب وعياً بالسياق الثقافي الذي قيل فيه، وذلك لتجنب أي تأويلات قد تكون مضللة، حيث يشير عبد الله الغذامي إلى أن العديد من الأفراد يتناولون النصوص باعتبارها مقالات، دون الأخذ في الاعتبار سياقات الكلام والمواقف المحيطة بها.