أبدع المتنبي في كتابة شعره الذي يعكس فخره بنفسه، حيث يعتبر أحد أعظم الشعراء في تاريخ الأدب العربي، وقد لقب بشاعر العرب تقديرًا لمهاراته وقدراته اللغوية المذهلة.
كان المتنبي من أعلم الشخصيات في مجاله بمبادئ اللغة والنحو، وتمتع بمخزون لغوي ثري. بدأ كتابة شعره في سن التاسعة، ومن ثم توالت انجازاته، مدعومةً بذكائه وإجادةً لقواعد اللغة العربية.
قصائد المتنبي في مدح نفسه
اشتهر المتنبي بمدح ذاته، ما أثار جدلًا حول تركيبه النفسي بين من يعتبره متعجرفًا ومن يراه على وعي بقدراته، ويُعد من أشهر أبياته:
واحر قلباه ممن قلبه شبم
ومن بجسمي وحالي عنده سقم
ما لي أكتم حبًا قد برى جسدي
وتدعي حب سيف الدولة الأمم إن كان يجمعنا حب لغرته
فليت أنا بقدر الحب نقتسم
قد زرته وسيوف الهند مغمدة
وقد نظرت إليه والسيوف دم
فكان أحسن خلق الله كلهم
وكان أحسن ما في الأحسن الشيم
فوت العدو الذي يممته ظفر
في طيه أسف في طيه نعم
قد ناب عنك شديد الخوف واصطنعت
لك المهابة مالا تصنع البهم
ألزمت نفسك شيئا ليس يلزمها
أن لا يواريهم بحر ولا علم
أكلما رمت جيشًا فانثنى هربًا
تصرفت بك في آثاره الهمم
عليك هزمهم في كل معترك
وما عليك بهم عار إذا انهزموا
أما ترى ظفرا حلوا سوى ظفر
تصافحت فيه بيض الهند واللمم
يا أعدل الناس إلا في معاملتي
فيك الخصام وأنت الخصم والحكم
أعيذها نظرات منك صادقة
أن تحسب الشحم فيمن شحمه ورم
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره
إذا استوت عنده الأنوار والظلم
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا
بأنني خير من تسعى به قدم
أنا الذي نظر العمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جراها ويختصم
وجاهل مده في جهله ضحكي
حتى أتته يد فراسة وفم
إذا رأيت نيوب الليث بارزة
فلا تظنن أن الليث يبتسم
ومهجة مهجتي من هم صاحبها
أدركته بجواد ظهره حرم
رجلاه في الركض رجل واليدان يد
وفعله ما تريد الكف والقدم
قصائد المتنبي في الفخر بنفسه
كان المتنبي يحترم نفسه ويفخر بإنجازاته دون التقليل من قيمة الآخرين. من أبرز قصائده قوله:
أقَلُّ فَعَالي بَلْهَ أكْثَرَهُ مَجْدُ
وذا الجِدُّ فيهِ نِلْتُ أم لم أنَلْ جَدُّ
سأطْلُبُ حَقّي بالقَنَا ومَشايخٍ
كأنّهُمُ من طولِ ما التَثَموا مُرْدُ
ثِقالٍ إذا لاقَوْا خِفافٍ إذا دُعُوا
كَثيرٍ إذا اشتَدّوا قَليلٍ إذا عُدّوا
وطعْنٍ كأنّ الطّعنَ لا طَعنَ عندَهُ
وضرْبٍ كأنّ النّارَ من حرّهِ بَرْدُ
إذا شِئتُ حَفّتْ بي على كلّ سابحٍ
رِجالٌ كأنّ المَوْتَ في فَمِها شَهْدُ
أذُمّ إلى هذا الزّمانِ أُهَيْلَهُ
فأعْلَمُهُمْ فَدْمٌ وأحزَمُهمْ وَغْدُ
وأكرَمُهُمْ كَلْبٌ وأبصرُهُمْ عمٍ
وأسهَدُهُمْ فَهدٌ وأشجَعُهم قِرْدُ
ومن نَكَدِ الدّنْيا على الحُرّ أنْ يَرَى
عَدُوّاً لَهُ ما من صَداقَتِهِ بُدُّ
بِقَلْبِي وإنْ لم أرْوَ منها مَلالَةٌ
وبي عن غَوانيها وإن وَصَلتْ صَدُّ
خَليلايَ دونَ النّاسِ حُزْنٌ وعَبرةٌ
على فَقْدِ مَن أحبَبتُ ما لهُما فَقْدُ
تَلَجُّ دُمُوعي بالجُفونِ كأنّما
جُفُوني لعَيْنيْ كلِّ باكِيَةٍ خَدُّ
وإنّي لتُغْنيني مِنَ الماءِ نُغْبَةٌ
وأصبرُ عَنْهُ مثلَما تَصبرُ الرُّبْدُ
وأمضي كما يَمضي السّنانُ لِطِيّتي
وأطوَى كما تَطوَى المُجَلِّحةُ العُقدُ
وأُكْبِرُ نَفسي عَن جَزاءٍ بغِيبَةٍ
وكلُّ اغتِيابٍ جُهدُ مَن ما لَه جُهدُ
وأرْحَمُ أقواماً منَ العِيّ والغَبَى
وأعْذِرُ في بُغضِي لأنّهُمُ ضدُّ
ويَمْنَعُني ممّن سوَى ابنِ محمّدٍ
أيادٍ لهُ عندي تَضيقُ بهَا عِنْدُ
تَوالى بلا وَعْدٍ ولَكِنّ قَبْلَها
شَمائِلَهُ من غَيرِ وَعْدٍ بها وَعْدُ
سرَى السّيفُ ممّا تَطبعُ الهندُ صاحبي
إلى السّيفِ ممّا يطبَعُ الله لا الهِنْدُ
فَلَمّا رآني مُقْبِلاً هَزّ نَفْسَهُ
إليّ حُسامٌ كلُّ صَفْحٍ لهُ حَدُّ
فلم أرَ قَبلي مَن مَشَى البحرُ نحوَهُ
ولا رَجُلاً قامَتْ تُعانِقُهُ الأُسْدُ
كأنّ القِسِيّ العاصِياتِ تُطيعُهُ
قصيدة مدح خاصة للمتنبي
لا تزال أبيات شعر المتنبي التي مدح نفسه تبقى خالدة عبر الزمن، مستندة إلى مشاعر صادقة جعلتها مقبولة لدى الكثيرين، ومن أبرز قصائده في هذا السياق قصيدة “بَقائي شاءَ لَيسَ هُمُ اِرتِحالا” التي يقول فيها:
بَقائي شاءَ لَيسَ هُمُ اِرتِحالا
وَحُسنَ الصَبرِ زَمّوا لا الجِمالا
تَوَلَّوا بَغتَةً فَكَأَنَّ بَيناً
تَهَيَّبَني فَفاجَأَني اِغتِيالا
فَكانَ مَسيرُ عيسِهِمِ ذَميلاً
وَسَيرُ الدَمعِ إِثرَهُمُ اِنهِمالا
كَأَنَّ العيسَ كانَت فَوقَ جَفني
مُناخاةٍ فَلَمّا ثُرنَ سالا
وَحَجَّبَتِ النَوى الظَبياتِ عَنّي
فَساعَدَتِ البَراقِعَ وَالحِجالا
لَبِسنَ الوَشيَ لا مُتَجَمِّلاتٍ
وَلَكِن كَي يَصُنَّ بِهِ الجَمالا
وَضَفَّرنَ الغَدائِرَ لا لِحُسنٍ
وَلَكِن خِفنَ في الشَعَرِ الضَلالا
بِجِسمي مَن بَرَتهُ فَلَو أَصارَت
وِشاحي ثَقبَ لُؤلُؤَةٍ لَجالا
وَلَولا أَنَّني في غَيرِ نَومٍ
لَكُنتُ أَظُنُّني مِنّي خَيالا
بَدَت قَمَراً وَمالَت خوطَ بانٍ
وَفاحَت عَنبَراً وَرَنَت غَزالا
وَجارَت في الحُكومَةِ ثُمَّ أَبدَت
لَنا مِن حُسنِ قامَتِها اِعتِدالا
كَأَنَّ الحُزنَ مَشغوفٌ بِقَلبي
فَساعَةَ هَجرِها يَجِدُ الوِصالا
كَذا الدُنيا عَلى مَن كانَ قَبلي
صُروفٌ لَم يُدِمنَ عَلَيهِ حالا
أَشَدُّ الغَمِّ عِندي في سُرورٍ
تَيَقَّنَ عَنهُ صاحِبُهُ اِنتِقالا
أَلِفتُ تَرَحُّلي وَجَعَلتُ أَرضي
قُتودي وَالغُرَيرِيَّ الجُلالا
فَما حاوَلتُ في أَرضٍ مُقاماً
وَلا أَزمَعتُ عَن أَرضٍ زَوالا
عَلى قَلَقٍ كَأَنَّ الريحَ تَحتي
أُوَجِّهُها جَنوباً أَو شَمالا
إِلى البَدرِ بنِ عَمّارِ الَّذي لَم
يَكُن في غُرَّةِ الشَهرِ الهِلالا
وَلَم يَعظُم لِنَقصٍ كانَ فيهِ
وَلَم يَزَلِ الأَميرَ وَلَن يَزالا
بِلا مِثلٍ وَإِن أَبصَرتَ فيهِ
لِكُلِّ مُغَيَّبٍ حَسَنٍ مِثالا
قصيدة المتنبي في التفاخر بنفسه
من أبياته البارزة الأخرى قصيدة بعنوان “لا تَحسَبوا رَبعَكُم وَلا طَلَلَه” والتي يقول فيها:
لا تَحسَبوا رَبعَكُم وَلا طَلَلَه
أَوَّلَ حَيٍّ فِراقُكُم قَتَلَه
قَد تَلِفَت قَبلَهُ النُفوسُ بِكُم
وَأَكثَرَت في هَواكُمُ العَذَلَه
خَلا وَفيهِ أَهلٌ وَأَوحَشَنا
وَفيهِ صِرمٌ مُرَوِّحٌ إِبِلَه
لَو سارَ ذاكَ الحَبيبُ عَن فَلَكٍ
ما رَضِيَ الشَمسَ بُرجُهُ بَدَلَه
أُحِبُّهُ وَالهَوى وَأَدأُرَهُ
وَكُلُّ حُبٍّ صَبابَةٌ وَوَلَه
يَنصُرُها الغَيثُ وَهيَ ظامِئَةٌ
إِلى سِواهُ وَسُحبُها هَطِلَه
واحَرَبا مِنكِ يا جَدايَتَها
مُقيمَةً فَاِعلَمي وَمُرتَحِلَه
لَو خُلِطَ المِسكُ وَالعَبيرُ بِها
وَلَستِ فيها لَخِلتُها تَفِلَه
أَنا اِبنُ مَن بَعضُهُ يَفوقُ أَبا ال
باحِثِ وَالنَجلُ بَعضُ مَن نَجَلَه
وَإِنَّما يَذكُرُ الجُدودَ لَهُم
مَن نَفَروهُ وَأَنفَدوا حِيَلَه
فَخراً لِعَضبٍ أَروحُ مُشتَمِلَه
وَسَمهَرِيٍّ أَروحُ مُعتَقَلَه
وَليَفخَرِ الفَخرُ إِذ غَدَوتُ بِهِ
مُرتَدِياً خَيرَهُ وَمُنتَعِلَه
أَنا الَّذي بَيَّنَ الإِلَهُ بِهِ ال
أَقدارَ وَالمَرءُ حَيثُما جَعَلَه
جَوهَرَةٌ يَفرَحُ الكِرامُ بِها
وَغُصَّةٌ لا تُسيغُها السَفِلَه
إِنَّ الكِذابَ الَّذي أَكادُ بِهِ
أَهوَنُ عِندي مِنَ الَّذي نَقَلَه
فَلا مُبالٍ وَلا مُداجٍ وَلا
وانٍ وَلا عاجِزٌ وَلا تُكَلَه
وَدارِعٍ سِفتُهُ فَخَرَّ لَقىً
في المُلتَقى وَالعَجاجِ وَالعَجَلَه
وَسامِعٍ رُعتُهُ بِقافِيَةٍ
يَحارُ فيها المُنَقِّحُ القُوَلَه
وَرُبَّما أُشهِدُ الطَعامَ مَعي
مَن لا يُساوي الخُبزَ الَّذي أَكَلَه
وَيُظهِرُ الجَهلَ بي وَأَعرِفُهُ
وَالدُرُّ دُرٌّ بِرَغمِ مَن جَهِلَه
مُستَحيِياً مِن أَبي العَشائِرِ أَن
أَسحَبَ في غَيرِ أَرضِهِ حُلَلَه
أَسحَبُها عِندَهُ لَدى مَلِكٍ
ثِيابُهُ مِن جَليسِهِ وَجِلَه
وَبيضُ غِلمانِهِ كَنائِلِهِ
أَوَّلُ مَحمولِ سَيبِهِ الحَمَلَه
ما لِيَ لا أَمدَحُ الحُسَينَ وَلا
أَبذُلُ مِثلَ الوُدِّ الَّذي بَذَلَه
أَأَخفَتِ العَينُ عِندَهُ خَبَراً
أَم بَلَغَ الكَيذُبانُ ما أَمَلَه
أَم لَيسَ ضَرّابَ كُلِّ جُمجُمَةٍ
مَنخُوَّةٍ ساعَةَ الوَغى زَعِلَه
وَصاحِبَ الجودِ ما يُفارِقُهُ
لَو كانَ لِلجودِ مَنطِقٌ عَذَلَه
وَراكِبَ الهَولِ لا يُفَتِّرُهُ
لَو كانَ لِلهَولِ مَحزِمٌ هَزَلَه
وَفارِسَ الأَحمَرِ المُكَلِّلَ في
طَيِّئٍ المُشرَعَ القَنا قِبَلَه
لَمّا رَأَت وَجهَهُ خُيولُهُمُ
أَقسَمَ بِاللَهِ لا رَأَت كَفَلَه
فَأَكبَروا فِعلَهُ وَأَصغَرَهُ
أَكبَرُ مِن فِعلِهِ الَّذي فَعَلَه
القاطِعُ الواصِلُ الكَميلُ فَلا
بَعضُ جَميلٍ عَن بَعضِهِ شَغَلَه