أشعار نزار قباني
تمتاز أشعار نزار قباني في حبّه برومانسية عميقة، ومن أجمل هذه الأشعار:
قصيدة حب بلا حدود
في قصيدته “حب بلا حدود”، يتحدث نزار قباني بكلمات تحمل معاني جليلة:
يا سيّدتي:
كنتِ تجسيداً لأهم امرأة في حياتي
قبل أن ينقضي العام.
وأنتِ الآن.. أعظم امرأة
مع بداية هذا العام..
أنتِ امرأة لا يمكن قياسها بالساعات أو الأيام.
أنتِ امرأة..
نسجت من أشعار الجمال..
ومن ذهب الأحلام..
أنتِ روح تسكن جسدي
منذ عصور بعيدة..
يا من تتزينين بقطن وغمام.
يا أمطاراً من ياقوت..
يا أنهاراً من نهوند..
يا غابات رخام..
يا من تسبح في مياه القلب..
وتقطنين في عيني مثل سرب من الحمام.
لن تتغير مشاعري..
ولا أحاسيسي..
فأنا سأظل على إيماني..
بأنكِ تبقين المرأة الرائعة في كل حين.
سأحبكِ..
عند دخول القرن الواحد والعشرين..
وعند الدخول للقرن الخامس والعشرين..
وعند القدوم للقرن التاسع والعشرين..
وسأحبكِ..
حين تجف مياه البحار..
وتشتعل الغابات..
أنتِ خلاصة الشعر..
ورمز الحرية.
يكفي أن أنطق اسمك..
لأصبح ملك الكلمات..
وبطل العواطف..
يكفي أن تحبيني امرأة مثلك..
حتى تُرفع الأعلام من أجلي..
يا سيّدتي
لا ترتبكي مثل الطائر في زمن الأعياد.
لن يتغير شيء عني.
سيستمر نهر الحب في الجريان.
سيظل نبض القلب مستمراً.
لن يتوقف شعر الحب عن الارتقاء.
فيما يكون الحب عظيماً..
والمحبوبة كالقمر..
لن يتحول هذا الحب
إلى هباء تلتهمه النيران…
لا توجد أمامي أشياء تملأ عيني
لا الأضواء..
ولا الزينات..
ولا أجراس الأعياد..
ولا أشجار الميلاد.
لا يعني لي الشارع شيئاً.
لا تعني لي الحانة شيئاً.
لا يهمني أي حديث
يكتب على بطاقات الأعياد.
لا أتذكر إلا صوتك
حين تدق أجراس الأحد.
لا أتذكر إلا عطرك
حين أستقر على ورق الأعشاب.
لا أتذكر إلا وجهك..
حين يهرهر الثلج فوق ثيابي..
وأسمع تناثر الحطب..
ما يسعدني يا سيّدتي
أن أكون كالعصفور الخائف
بين حدائق الأهداب…
ما يدهشني يا سيّدتي
أن تهدينني قلماً من حبر..
أعانقه..
وأغفو كالأطفال سعيداً…
ما أسعدني في وحدتي
أن أقطر ماء الشعر..
وأشرب من خمر الرهبان
ما يقويني..
حين أكون صديقاً
للحرية والإنسان…
كم أتمنى لو أحببتك في عصر التنوير..
وفي عصر التصوير..
وفي فترة الرواد
كم أتمنى لو التقيتك يوماً
في فلورنسا.
أو قرطبة.
أو في الكوفة
أو في حلب.
أو في أحد أحياء الشام…
كم أتمنى لو سافرنا
إلى بلدان يحكمها الغيتار
حيث الحب بلا جدران
والكلمات بلا قيود
والأحلام بلا حدود.
لا تضيعي في التفكير بالمستقبل، يا سيدتي
سوف يبقى حنيني أكبر مما كان..
وأعظم مما كان..
أنتِ امرأة فريدة.. في تاريخ الورد..
وفي تاريخ الشعر..
وفي ذاكرة الزنبق والريحان…
يا سيّدة العالم
لا يشغلني إلا حبّك في الأيام القادمة
أنتِ امرأتي الأولى.
أمي الأولى
رحمي الأول
شغفي الأوّل
شبقي الأول
طوق نجاتي في زمن الفوضى…
يا سيّدة الشعر الأولى
هاتي يدك اليمنى لأختبئ فيها..
هاتي يدك اليسرى..
كي أستوطن فيها..
قولي أي عبارة حبّ
حتى تنطلق الأعياد.
قصيدة حقائب الدموع والبكاء
في قصيدته “حقائب الدموع والبكاء”، يسرد نزار قباني الأبيات التالية:
إذا جاء الشتاء..
وحركت رياحه ستائري
أشعر، يا صديقتي
باحتياج إلى البكاء
بين ذراعيك..
وعلى دفاتري..
إذا جاء الشتاء
وانقطعت أغاني العصفور
وأصبحت..
كل الطيور بلا منازل
تبدأ نزيف القلب..وفي أناملي.
كأن الأمطار في السماء
تسقط، يا صديقتي، في داخلي..
عندئذ.. يغمرني
شوق طفولي للبكاء..
على حرير شعرك الطويل كالأقمار..
مثلي مثل مركب يعاني من التعب
مثل طائر مهاجر..
يبحث عن نافذة مضيئة
يحدد سقفاً له..
في ظلام الجدائل..
واختطف ما في الحقل من عطر..
وخبأ النجوم في رداءه الكئيب
يأتي إلى الشجن من كهف المساء
كطفل شاحب وغريب
مبلل الخدين والرداء..
وأفتح الباب لهذا الزائر العزيز
أمنحه السرير.. والغطاء
أمنحه.. كل ما يرغب به
من أين جاء الحزن يا صديقتي
وكيف جاء
يحمل لي في يده..
زنابقاً من الشحوب الرائع
يحمل لي..
حقائب الدموع والبكاء..
قصيدة أحزان في الأندلس
في قصيدته “أحزان في الأندلس”، يقول نزار قباني:
كتبت لي يا غالية..
تسألين عن إسبانية
عن طارق، الذي يفتح باسم الله عالماً جديداً..
عن عقبة بن نافع
الذي يزرع شجرة نخيل..
في قلب كل ربوة..
سألت عن أمية..
سألت عن أميرها معاوية..
عن السرايا المتألقة
التي تحمل من دمشق.. في ركابها
حضارةً وعافية..
لم يبقَ في إسبانية
منّا، ومن عصورنا الثمانية
غير ما يتبقى من الخمر،
بداخل الآنية..
وأعين كبرى.. كبيرة
ما زالت في سوادها تنام ليالي البادية..
لم يبقَ من قرطبة
سوى دموع المئذنات القائمة
سوى عبير الورود، والنارنج والأضالية..
لم يبقَ من ولاّدة ومن ذكريات حبها..
لا قافية ولا بقايا قافية..
لم يبقَ من غرناطة
ومن بني الأحمر.. إلا ما يتحدث عنه الراوي
وغير “لا غالب إلا الله”
تلقاك في كل زاوية..
لم يبقَ إلا قصرهم
كامرأة من الرخام عارية..
تعيش وما زالت على
قصة حب من زمن بعيد..
مضت خمسة قرون
منذ غادر “الخليفة الصغير” إسبانية
ولم تزل أحقادنا الصغيرة..
كما هي..
ولم تزل عقلية القبيلة
في دمنا كما هي
حوارنا اليومي بالخناجر..
وأفكارنا كالأظافر
مضت خمسة قرون
ولا تزال كلمة العروبة..
كزهرة حزينة في آنية..
كطفلة جائعة وعارية
نصلبها على جدار الكراهية…
مضت خمسة قرون.. يا غالية
كأننا.. نخرج اليوم من إسبانية..
قصيدة الحزن
يقول نزار قباني في قصيدته “الحزن” ما يلي:
علمني حبك.. أن أحزن
وأنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي بين ذراعيها
مثل العصفور..
لامرأة.. تجمع أجزائي
كشظايا البلور المكسور
علمني حبك.. سيدتي
أسوأ العادات
علمني كيف أفتح فنجاني
في الليلة آلاف المرات..
وأجرب وصفات العطارين..
وأطرق باب العرافات..
علمني.. أخرج من بيتي..
لأمشط أرصفة الطرقات
وأطارد وجهك..
في الأمطار، وفي أضواء السيارات..
أطارد طيفك..
حتى.. حتى..
في أوراق الإعلانات..
علمني حبك..
كيف أعيش متجولاً.. ساعات
أبحث عن شعر غجري
تحسده كل الغجريات
بحثاً عن وجه.. عن صوتٍ..
يمثل كل الأوجه والأصوات
أدخلني حبك.. سيدتي
مدن الأحزان..
وأنا من قبلك لم أدخل
مدن الأحزان..
لم أعرف أبداً..
أن الدمع هو الإنسان
أن الإنسان بلا حزنٍ
كذكرى إنسان..
علمني حبك..
أن أتصرف كالأطفال
أن أرسم وجهك ..
بالطبشور على الحيطان..
وعلى أشرعة الصيادين
على الأجراس..
على الصلبان
علمني حبك..
كيف الحب يغير خارطة الأزمان..
علمني أنني حين أحب..
تتوقف الأرض عن الدوران
علمني حبك أشياءً..
لم تكن أبداً في الحسبان
فقرأت أقاصيص الأطفال..
دخلت قصور ملوك الجان
وحلمت بأن تتزوجني
بنت السلطان..
تلك العيناها.. أصفى من ماء الخلجان
تلك الشفتاها.. أشهى من زهر الرمان
وحلمت بأني أخطفها
مثل الفرسان..
وحلمت بأن أهديها
أطواق اللؤلؤ والمرجان..
علمني حبك يا سيدتي, ما الهذيان
علمني كيف يمر العمر..
ولا تأتي بنت السلطان..
علمني حبك..
كيف أحبك في كل شيء
في الشجر العاري..
في الأوراق اليابسة الصفراء
في الجو الماطر.. وفي الأنواء..
في أصغر مقهى..
نشرب فيه، مساءً، قهوتنا السوداء..
علمني حبك أن آوي..
لفنادق بلا أسماء
وكنائس بلا أسماء
ومقاهٍ بلا أسماء
علمني حبك..
كيف الليل يضخم أحزان الغرباء..
علمني.. كيف أرى بيروت
امرأة.. طاغية الإغراء..
امرأة.. تلبس كل مساء
أجمل ما تملك من أزياء
وترش العطر على نهديها
للبحارة والأمراء..
علمني حبك ..
أن أبكي دون دموع
علمني كيف ينام الحزن
كنجم مقطوع القدمين..
في طرق (الروشة) و (الحمراء)..
علمني حبك أن أحزن..
وأنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة.. أبكي بين ذراعيها..
مثل العصفور..
لامرأة تجمع أجزائي..
كشظايا البلور المكسور..