قصائد قصيرة للشاعر نزار قباني

أجمل الأخبار

أجمل الأخبار
أجمل الأخبار

من قصائد نزار قباني في الحب:

كتبت “أحبك” على جدار القمر،

“أحبك كثيراً”

كما لا أحبك أي شخص آخر يوماً ما.

ألم تقرأيها؟

بخط يدي

على سور القمر،

وعلى كراسي الحديقة،

وعلى جذوع الأشجار،

وعلى السنابل،

وعلى الجداول،

وعلى الثمار،

وعلى الكواكب حيث تُمسح

غبار السفر.

حفرت “أحبك” على عقيق السحر،

حفرت حدود السماء،

حفرت القدر.

ألم تبصريها؟

على ورقات الزهور،

وعلى الجسر، والنهر، والمنحدر،

وعلى صدفات البحار،

وعلى قطرات المطر.

ألم تلمحيها؟

على كل غصنٍ،

وكل حصاةٍ، وكل حجر.

كتبت على دفتر الشمس،

أجمل الأخبار..

(“أحبك كثيراً”)

فليتك كنت قد قرأت الخبر.

والدي

والدي
والدي

من قصائده عن الأب:

أمات أبوك؟

لا، إن أبي لا يموت.

ففي المنزل عطرٌ من ربٍّ،
وذكرى نبيّ.

هنا ركنه.. تلكَ أشياؤه،

تخرج منها ألف غصنٍ صبي.

جريدته. يحتاج إليها. مكانه،

كأن أبي – بعد – لم يغادر.

وصحن الرماد،
وفنجانه،

على حاله، لا زال لم يُشرب.

ونظارته،

أيمكن أن يسلو الزجاج،

عيوناً أشف من المغرب؟

بقاياه، في الغرف الواسعة،

بقايا النسر على الملعب.

أجول حول الزوايا حتى، حيثُ

أمرّ.. أجد نفسي مهتاجاً.

أشد يديه.. أميل عليه،

أصلي على صدره المتعب.

أبي.. لا زالت بيننا، والحديثُ

حديث الكؤوس في المشرب.

يسامرنا.. فالدوالي الحوامل،

تتوالد من ثغره الطيب.

أبي خَبَرٌ كان من جنة،

ومعنى من الأرحب الأرحب.

وعيناي أبي.. ملاذ للنجوم،

فهل يذكر الشرق عيني أبي؟

بذاكرة الصيف من والدي،

كرومٌ، وذاكرة الكوكب.

أبي يا أبي.. إن تاريخاً جميلاً،

وراءك يسير، فلا تعتب.

على اسمك نمضي، فمن الطيب،

إلى الأطيب،

لقد حملتك في صحو عينيّ.. حتى

تأكد للناس أني ابنك.

أشيلك حتى بنبرة صوتي،

فكيف رحلت، ولا زلت بي؟

إذا كانت فُلّة الدار قد أعطتنا،

ففي المنزل ألف فم ذهب.

فتحنا لتموز أبوابنا،

ففي الصيف لا بد أن يأتي أبي.

نهر الأحزان

نهر الأحزان
نهر الأحزان

من قصائده الحزينة:

عيناك كنهري أحزان،

نهري موسيقى.. يحملاني

وراء، وراء الأزمان،

نهرين من الموسيقى قد فقدا.

سيدتي.. ثم أضاعاني.

الدمع الأسود فوقهما

يتساقط أنغام بيان.

عيناك وتبغي وكحولي،

والقدح العاشر أعماني.

وأنا في المقعد محترق،

نيراني تأكل نيراني.

أأقول أحبك يا قمري؟

آه.. لو كان بإمكاني.

فأنا لا أملك في الدنيا

إلا عينيك وأحزاني.

سفني في المرفأ باكية،

تتمزق فوق الخلجان.

ومصيري الأصفر حطمني،

حطم في صدري إيماني.

أأسافر دونك ليلكتي؟

يا ظل الله بأجفاني،

يا صيفي الأخضر، يا شمسي،

يا أجمل ألواني.

هل أرحل عنك وقصتنا

أحلى من عودة نيسان؟

أحلى من زهرة غاردينيا

في عتمة شعر إسباني.

يا حبي الأوحد.. لا تبكي،

فدموعك تحفر وجداني.

إني لا أملك في الدنيا

إلا عينيك وأحزاني.

أأقول أحبك يا قمري؟

آه.. لو كان بإمكاني.

فأنا إنسان مفقود،

لا أعرف في الأرض مكاني.

ضيَّعني دربي، ضيعني،

اسمي.. ضيّعني عنواني.

تاريخي! ما لي تاريخ،

إني نسيان النسيان.

إني مرساة لا ترسو،

جرح بملامح إنسان.

ماذا أعطيك؟ أجيبي،

قلقي؟ إلحادي؟ غثياني.

ماذا أعطيك سوى قدرٍ

يرقص في كف الشيطان؟

أنا ألف أحبك، فابتعدي

عنّي.. عن ناري ودُخاني.

فأنا لا أملك في الدنيا

إلا عينيك… وأحزاني.

اغضب

اغضب
اغضب

يقول على لسان المرأة:

اغضب كما تشاء،

واجرح أحاسيسي كما تشاء.

حطم أواني الزهر والمرايا،

هدد بحب امرأة سوايا..

فكل ما تفعله سواء،

وكل ما تقوله سواء.

فأنت كالأطفال، يا حبيبي،

نحبهم مهما أساءوا.

اغضب!

فأنت رائع حقاً متى تثور.

اغضب!

فلولا الموج ما تكوّنت بحور.

كن عاصفاً.. كن ممطراً،

فإن قلبي دائماً غفور.

اغضب!

فلن أجيب بالتحدي،

فأنت طفل عابث،

يملؤه الغرور.

وكيف من صغارها،

تنتقم الطيور؟

اذهب،

إذا يوماً مللت مني،

واتهم الأقدار واتهمني،

أما أنا فإني..

سأكتفي بدمعي وحزني.

فالصمت كبرياء،

والحزن كبرياء،

اذهب،

إذا أتعبك البقاء،

فالأرض فيها العطر والنساء،

والعيون الخضراء والسوداء.

وعندما تريد أن تراني،

وعندما تحتاج كطفل إلى حناني،

فعُد إلى قلبي متى تشاء،

فأنت في حياتي الهواء،

وأنت.. عندي الأرض والسماء.

اغضب كما تشاء،

واذهب كما تشاء،

واذهب.. متى تشاء،

لا بد أن تعود ذات يوم،

وقد عرفت ما هو الوفاء.

من يوميات رجل مجنون

من يوميات رجل مجنون
من يوميات رجل مجنون

من قصائده في الحب:

1

إذا ما صرخت:

“أحبك جداً”

“أحبك جداً”

فلا تسكتي.

إذا ما أضعت اتزاني،

وطوقت خصرك فوق الرصيف،

فلا تنهريني.

إذا ما نزفت كديكٍ جريحٍ على ساعديك،

فلا تسعفيني.

إذا ما خرجت على كل عرف وكل نظام،

فلا تقمعيني.

أنا الآن في لحظات الجنون العظيم،

وسوف تضيعين فرصة عمرك،

إن لم تستغلي جنوني.

2

إذا ما تدفقت كالبحر فوق رمالك،

لا توقفيني.

إذا ما طلبت اللجوء إلى كحل عينيك يوماً،

فلا تطرديني.

إذا ما انكسرت فتافيت ضوءٍ على قدميك،

فلا تسحقيني.

إذا ما ارتكبت جريمة حب،

وضيع لون البرونز المعتق في كتفيك،

أنا الآن في لحظات الجنون الكبير،

وسوف تضيعين فرصة عمرك،

إن لم تستغلي جنوني.

4

إذا ما كتبت على ورق الورد،

أني أحبك…

أرجوك أن تقرأيني.

إذا ما رقدت كطفلٍ، في غابات شعرك،

لا توقظيني.

إذا ما بعثت بألف رسالة حبٍ

إليك…

فلا تحرقيها.. ولا تحرقيني.

5

إذا ما رأوك معي، في مقاهي المدينة يوماً،

فلا تنكريني.

فكل نساء المدينة يعرفن ضعفي أمام الجمال،

ويعرفن ما مصدر الشعر والياسمين.

فكيف التخفي؟

وأنت مصورةٌ في مياه عيوني.

أنا الآن في لحظات الجنون المضيء،

وسوف تضيعين فرصة عمرك،

إن لم تستغلي جنوني.

6

إذا ما النبيذ الفرنسي،

فك دبابيس شعرك دون اعتذار،

فاحصرني القمح من كل جانب،

واحصرني الليل من كل جانب،

واحصرني البحر من كل جانب،

وأصبحت آكل مثل المجانين عشب البراري،

وما عدت أعرف أين يميني،

وما عدت أعرف أين يساري؟

7

إذا ما النبيذ الفرنسي،

ألغى الفروق القديمة بين بقائي وبين انتحاري،

فأرجوك، باسم جميع المجاذيب، أن تفهميني،

وأرجوك، حين يقول النبيذ كلاماً عن الحب،

فوق التوقع، أن تعذريني.

أنا الآن في لحظات الجنون البهي،

وسوف تضيعين فرصة عمرك،

إن لم تستغلي جنوني.

8

إذا ما النبيذ الفرنسي،

ألغى الوجوه،

وألغى الخطوط،

وألغى الزوايا.

ولم يبق بين النساء سواك،

ولم يبق بين الرجال سوايا.

وما عدت أعرف أين تكون يداك،

وأين تكون يدايا.

وما عدت أعرف كيف أفرق بين النبيذ،

وبين دمايا.

وما عدت أعرف كيف أميز بين كلام يديك،

وبين كلام المرايا.

إذا ما تناثرت في آخر الليل مثل الشظايا،

وحاصرني العشق من كل جانب،

وحاصرني الكحل من كل جانب،

وضيعت إسمي،

وعنوان بيتي،

وضيعت أسماء كل المراكب.

فأرجوك، بعد التناثر، أن تجمعيني.

وأرجوك، بعد انكساري، أن تلصقيني،

وأرجوك، بعد مماتي، أن تبعثيني.

أنا الآن في لحظات الجنون الكبير،

وسوف تضيعين فرصة عمرك،

إن لم تستغلي جنوني.

9

إذا ما النبيذ الفرنسي،

ألغى اللغات جميعاً،

وحول كل الثقافات صفراً،

وكل الحضارات صفراً،

وحول ثغرك بستان وردٍ،

وحول ثغري خمسين ثغراً.

فباسم السكارى جميعاً،

وباسم الحيارى جميعاً،

وباسم الذين يعانون من لعنة الحب،

أرجوك، لا تلعنيني.

وباسم الذين يعانون من ذبحة القلب،

أرجوك، لا تذبحيني.

أنا الآن في لحظات الجنون العظيم،

وسوف تضيعين فرصة عمرك،

إن لم تستغلي جنوني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *