قصيدة نشرتُ في موكب العشاق أعلامي
لقد شاركتُ في موكب العشاق أعلامي، وكانت لي تجربة فريدة في عالم الحب. أتذكر أنّني سرتُ في دروب هذا الشعور الجليل، ولم أكن أنوي الابتعاد عن بلدي، حتى اكتشفتُ أني في حضرة ملوك العشق وخدامهم. منذ لحظة قطعي عهدي القديم أمام كعبة الحسن، كنتُ خاضعاً لهذا الإحرام، وقد هوتني مشاعري في غرامٍ أسمى. رفضتُ أن أكون قتيلاً للشك، إذ كنت أجهل من هم أهلي في هذا المجال، رغم أنني أعتبرتهم أعز أصدقائي.
واستمررتُ في هذا الحب لساعات وأعوام، بينما ظنّ الراؤون أن النصح والعتاب يمكن أن يوقفوا نزوعي إلى الحب. غير أن شوقي كان أعظم من ذلك. إذ قُدّمت لي السماء الكريمة بإحسان، ولاحظتُ في عينيّ ودموعي بعض المآسي. يا سائق قافلتي، إنني أطلب منك أن تمهلني قليلاً، فإن قلبي مشغول، وقد عشتُ آلاف المواقف معكم في حُبّكم.
لم أترك مقاماً من أجل الحب إلا وخضته، معتقداً أنني وصلت إلى أقصى مراتب المقام بين قومي. لكن، رغم ذلك، واجهتُ مقاماً لم أفكر أو أحلم به من قبل. إذا كانت منزلتي في الحب في أعينكم كما شاهدت، فإني ضيعت الكثير من أيامي في التفكير. أمنيتي تلاحق روحي طوال الزمان، ولكن اليوم أصبحت أشبه بأحلام لا تتحقق. وإن كانت مرافقتي في الحب تعتبر ذنباً، فقد صرت محطم الآثام.
لو كنت أعلم أن النهاية في الحب ستكون قلبي محطماً، لما أودعت قلبي في أيدي من لا يعتني. لقد أحسستُ بفراشة الغرام وهي تُغمس في نظراته، فقد زرعت سهامها في قلبي وأسطورته. آهٍ على نظرة منه تُسعدني، فإن أقصى ما أريد هو رؤيته.
قصيدة لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي
لعينيكِ ما يلقى الفؤاد وما لقي،
وللحُبّ ما لم يُبقي مني وما بقى.
وما كنتُ ممن يدخُل الحب قلبه،
ولكن من يُبصر جفونك يعشق.
وبين الرضى والسخط والقرب والنوا،
مجالٌ لدمع المقلتين المتراقص.
وأحلى الهوى ما شكّ في الوصل ربه،
وفي الهجر فهو الدهر يرجو ويتقي.
وغضبى من الإدلال سكرى من الصبى،
شفعْت إليها من شبابي بلذيذ.
وأشْنَب معسول الثنيات واضح،
سترْت فمي عنه فقبّل مفرقي.
وأجياد غزلان كجيدكي زرنني،
فلَم أتبين عاطلاً من مطوقِ.
وما كل من يهوى يعف إذا خلى،
عفافي ويرضي الحب والخيل تلتقي.
سَقَى الله أيام الصبَى ما يسرها،
ويفعل فِعل البابلي المعتق.
إذا ما لبست الدهر مستمتعاً به،
تخرقتَ والملبوس لم يتخرّق.
ولم أر كالألحاظ يوم رحيلهم،
بعثن بكل السهم من كل مشفق.
أدرن عيوناً حائرات كأنها،
مركبةٌ أحداها فوق زئبقِ.
عشيّة يعدون عن النظر البكاء،
وعن لذة التوديع خوف التفارق.
نودعهم والبَين فينا كأنه،
قنا ابن أبي الهيجاء في قلب فيلق.
قواضٍ مواصٍ نسج داود عندها،
إذا وقعت فيه كنسج الخدرنق.
هوادٍ لأملاك الجيوش كأنها،
تخيّر أرواح الكُمَاة وتنتقي.
تقدّ عليهم كل درع وجوشن،
وتفري إليهم كل سور وخندق.
يغير بها بين اللوقان وواسط،
ويركزها بين الفرات وجلّق.
ويرجعها حمراء كأن صحيحها،
يبكي دماً من رحمة المتدقِّق.
فلا تبلغاه ما أقول فإنّه،
شجاعٌ متى يُذكَر له الطعنة يشْتَق.
ضروب بأطراف السيوف بنانه،
لعوب بأطراف الكلام المشقّق.
كسا Asking عن الغيث قطرة،
كعاذل من قال للفلك ارفقِ.
لقد جُدتَ حتى جُدتَ في كل ملّة،
وحتى أتاك الحمدُ من كل مِنطِق.
رأى ملك الروم ارتياحكَ للنّدَى،
فقام مقام المجتدي المتملق.
وخلى الرماح السمهريّة صاغراً،
لأدرب منه بالطعان وأحذق.
وكاتب من أرض بعيد مرامها،
قريب على خيل حوالَيكَ سبقِ.
وقد سار في مسراكَ منها رسوله،
فما سار إلا فوق هام مفلّق.
فلما دنا أخفى عليه مكانه،
شعاع الحديد البارق المتألّق.
وأقبل يمشي في البساط فما درى،
إلى البحر يسعى أم إلى البدر يرتقي.
ولم يثنِك الأعداء عن مهجاتهم،
بمثل خضوع في كلامٍ منمّق.
وكنت إذا كاتبتَهُ قبل هذه،
كتبتَ إليه في قذال الدمسقِ.
فإن تعطه منك الأمان فسائل،
وإن تعطه حدّ الحسام فأخلقِ.
وهل ترك البيض الصوارم منهم،
حبيساً لفادٍ أو رقيق لمعتقِ.
لقد وردوا ورد القضا شفراتها،
ومرّوا عليها رزدقاً بعد رزدقِ.
بلغتُ بسيف الدولة النور رتبةً،
أنرتُ بها ما بين غرب ومشرقِ.
إذا شاء أن يلهو بلحية أحمق،
أراهُ غباري ثمّ قال له الحقِ.
وما كمَدُ الحُسّاد شيءٌ قصدته،
ولكنه من يزحم البحر يغرق.
ويمتحن الناس الأمير برأيه،
ويغضِي على علمٍ بكل مخرقِ.
وإطراق طرف العين ليس بنافعٍ،
إذا كان طرف القلب ليس بمطرِقِ.
فيا أيها المطلوب جاوره تمنع،
ويا أيه المحروم يمّمه ترزقِ.
ويا أجبن الفرسان صاحبك تجترىء،
ويا أشجع الشجعان فارقه تفرقِ.
إذا سعَتِ الأعداء في كيد مجده،
سعى جده في كيدهم سعي محنق.
وما ينصر الفضل المبين على العدى،
إذا لم يكن فضل السعيد الموفق.
قصيدة قلبي يحدثني بأنّك متلِفي
قلبي يحدثني بأنك متلِفي،
روحي فداكَ عرفت أم لم تعرفِ.
لم أقضِ حق هوائك إن كنت الذي،
لم أقضِ فيه أسىً، ومثلي من يفي.
ما لي سوى روحي، وباذل نفسي،
في حب من يهواه ليس بمسرفِ.
فلئن رضيت بها، فقد أسعفتني؛
يا خيبة المسعى إذا لم تسعفِ.
يا مانع طيب المنام، ومانح،
ثوب السقام به ووجدي المتلف!
عطفاً على رمقي، وما أبقيتَ لي،
من جسمي المضنى، وقلبي المدنفِ.
فالوجد باقٍ، والوصل مماطل،
والصبر فانى، واللقاء مسوّفي.
لم أخلُ من حسدٍ عليكَ، فلا تضعْ
سَهَري بتشنيع الخيال المرجف.
واسأل نجوم الليل: هل زار الكرى
جفني، وكيف يزور من لم يعرفِ؟
لا غرو إن شحت بغُمض جفونها
عيني وسحت بالدّموع الدُرفِ.
وبما جرى في موقف التوديع من
ألم النو، شاهَدتُ هول الموقف.
إن لم يكن وصل لديك، فعِد به،
أملي وماطل إن وَعدتَ ولا تفي.
فالمطل مني لديك إن عزّ الوفا
يحلو كوصلٍ من حبيب مسعفِ.
أهفو لأنفاس النسيم تعلّةً
ولوجه من نقلت شذاهُ تشوّفي.
فلعل نار جوانحي بهبوبها
أن تنطفئ، وأودّ أن لا تنطفئ.
يا أهل ودّي أنتم أملي ومن
ناداكم يا أهل ودي قد كفي.
عودوا لما كنتم عليه من الوفا،
كرماً فإنّي ذلك الخل الوفي.
وحياتكم وحياتكم قسماً وفي
عُمري، بغير حياتكم لم أحلفِ.
لو أن روحي في يدي ووهبتها
لمبشري بقدومكم، لم أنصفِ.
لا تحسبوني في الهوى متصنعاً
كلفي بكم خلق بغير تكلّفِ.
أخفيتُ حبكم فأخفاني أسىً
حتى، لعَمري، كِدتُ عني أختفي.
وكتمتُه عنّي، فلو أظهرتُهُ
لوجدته أخفى من اللطف الخفي.
ولقد أقول لمن تحرش بالهوى:
عرّضتَ نفسك للبلا فاستهدفِ.
أنت القتيل بأي من أحببتهُ
فاختَر لنفسك في الهوى من تصطفى!
قل للعذول أطلت لومي طامعاً
أن الملام عن الهوى مستوقفي.
دع عنك تعنيفي واذق طعم الهوى
فإذا عشقت فبعد ذلك عنّف.
برح الخفاء بحب من لو، في الدجى،
سفر الِلثام لقلت يا بدر اختفِ.
وإن اكتفى غيري بطيف خياله،
فأنا الذي بوصاله لا أكتفي.
وقفاً عليه محبتي، ولِمحنتي،
بأقل من تلَفي به، لا أشتهي.
وهواه، وهو أليّتي، وكفى به
قسماً، أكاد أجله كالمصحفِ.
لو قال تيهاً: قف على جمر الغضا
لوقفت ممتثلاً ولم أتوقفِ.
أو كان من يرضى، بخدي، موطئاً
لوضعته أرضاً ولم أستنكف.
لا تنكروا شغفي بما يرضى وإن
هو بالوصال علي لم يتعطّفِ.
غلب الهوى، فأطعت أمر صبابتي
من حيث فيه عصيت نهي معّني.
مني له ذل الخضوع، ومنه لي
عز المنوّع وقوة المستضعفِ.
ألف الصدود، ولي فؤاد لم يزل،
مذ كنت، غير وداده لم يألفِ.
ياما أميلح كل ما يرضى به
ورضابه ياما أحيلاهُ بفي.
لو أسمعوا يعقوب ذكر ملاحةٍ،
في وجهه نسي الجمال اليوسفي.
أو لو رآه عائداً أيوب في
سنة الكرى، قدماً، من البلاء شفي.
كل البدور إذا تجلّى مقبلاً،
تستهوي إليه، وكل قدٍ أهيفِ.
إن قلت: عندي فيك كل صبابةٍ;
قال: الملاحة لي، وكل الحُسن في
كمال محاسنه، فلو أهدى السنا
للبدر عند تمامه لم يخسفِ.
وعلى تفنن واصفيهِ بحُسنه،
يفنى الزمان، وفيه ما لم يُوصَفِ.
ولقد صرفتُ لحبّه كلي على
يد حسن حيث حمدتُ حسن تصرفي.
فالعين تهوى صورة َ الحسن الَّتي
روحي بها تصبو إلى معنىً خفي.
أسعِد أُخيّ، وغنِّ لي بحديثهِ،
وانثر على سمعي حلاّه، وشنّفِ.
لأرى بعين السمع شاهد حسنِهِ
معنىً فأتحفني بذاكَ وشرّفِ.
يا أخت سعدٍ من حبيبي جئتني
برسالةٍ أدّيتِها بتلطفِ.
فسمعتُ ما لم تسمعي ونظرتُ ما
لم تنظري وعرفتُ ما لم تعرفي.
إن زار، يوماً يا حشاي تقطّعي،
كلفاً به، أو سار، يا عينُ اذرِفي.
ما للنوى ذنبٌ، ومَنْ أهوى معي،
إن غاب عن إنسان عيني فهوَ في.
قصيدة إنها تثلج نساءً
إنها تثلج نساءً. أنزع معطف المطر الذي أرتديه،
وأقفل مظلتي، وأتركهن يتساقطن على جسدي
واحدةً.. واحدة، أثماراً من النار
وعصافير من الذهب.
إنها تثلج نساءً.. أفتح جميع أزرار قميصي
وأتركهن يتزحلقن على هضابي
ويغتسلن بمياهي.
ويرقصن في غاباتي
وينمن في آخر الليل كالطيور فوق أشجاري..
أخرج كالطفل إلى الحديقة
وأتركهن يكرجن كاللآلئ على جبيني
امرأةً.. امرأة
ولؤلؤةً.. لؤلؤة.
أحملهن كالثلج على راحة يدي
وأخاف عليهن أن يذبن كالثلج بين أصابعي
من حرارة العشق.
إنها تثلج نساءً. البوادي تخرج
والحواضر تخرج.
الأغنياء يخرجون.. والفقراء يخرجون.
واحدٌ يحمل بارودة صيد
وواحدٌ يحمل صنارة سمك
وواحدٌ يحمل بطحة عرق
وواحدٌ يحمل مخدةً وسريراً..
إنها تثلج نساءً..والوطن كله مستنفرٌ للهجوم على اللون الأبيض.
وواحدٌ يريد أن يتزوج الثلج..
وواحدٌ يريد أن يأكله..
وواحدٌ يريد أن يأخذه لبيت الطاعة..
وواحدٌ يسحب دفتر شيكاته من جيبه
ليشتري أي نهدٍ أشقر يسقط من السماء
كي يجعله ديكوراً في حجرة نومه.
يسمع الثلج قرع الطبول، وخشخشة السلاسل
ويرى بريق الخناجر، والتماع الأنياب.
يخاف الثلج على عذريته..
ويقرر أن يسقط في بلادٍ أخرى..
يسمع الثلج قرع الطبول، وخشخشة السلاسل.
ويرى بريق الخناجر، والتماع الأنياب.
يخاف الثلج على عذريته..
فيحزم حقيبته،
ويقرر أن يسقط في بلادٍ أخرى.
قصيدة أثر الفراشة
أثر الفراشة أثر الفراشة لا يُرَى،
أثر الفراشة لا يزولُ.
هو جاذبية غامضٍ
يستدرج المعنى، ويرحلُ
حين يتضح السبيلُ.
هو خفة الأبدي في اليومي،
أشواقٌ إلى أعلى
وإشراق جميلُ.
هو شامة في الضوء تومئ،
حين يرشدنا إلى الكلمات،
باطننا الدليلُ.
هو مثل أغنية تحاول أن تقول،
وتكتفي بالاقتباس من الظلال،
ولا تقول..
أثر الفراشة لا يُرَى،
أثر الفراشة لا يزولُ!
قصيدة تجلد للرحيل فما استطاعا
تجلد للرحيل فما استطاعا،
وداعاً جنة الدنيا وداعا.
عسى الأيام تجمعني فإنّي
أرى العيش افتراقاً واجتماعا.
ألا ليت البلاد لها قلوبٌ
كما للناس تنفطر إلتياعا.
وليت لدى فُروقٍ بعض بثّي،
وما فعل الفراق غداة رعا.
أما والله لو علمت مكاني
لأنطقتِ المآذن والقلاعا.
حوت رِقَّ القواضيب والعوالي،
فلمّا ضفتها حوتِ اليراعا.
سألت القلب عن تلك الليالي،
أكنُ ليالياً أم كنَّ ساعا.
فقال القلب بل مرت عجالا،
كدقّاتي لذكراها سِراعا.
أدار محمدٍ وتراث عيسى،
لقد رضياكِ بينهما مشاعا.
فهَل نبذ التعصب فيك قومٌ
يمد الجهل بينهُم النزاعا.
أرى الرحمن حصّن مسجدَيْه،
بأطول حائطٍ منك امتياعا.
فكنتِ لبيتِه المحجوج ركناً،
وكُنتِ لبيتِه الأقصى سِطاعا.
هواؤكِ والعيون مُفجّراتٌ،
كفى بهما من الدنيا متاعا.
وشمسكِ كلما طلعت بأفقٍ،
تخطَّرتِ الحياةُ به شعاعا.
وغيدكِ هنّ فوق الأرض حورٌ،
أوانس لا نقاب ولا قناعا.
حولَى لُجّةٍ من لازوردٍ،
تعالى الله خلقاً وابتداعا.
يروح لجينها الجاري ويغدو
على الفردوس آكاماً ووقاعا.