العتاب
يُعتبر العتاب تعبيراً عن المحبة، فيما يُعتبر الصمت بداية نهاية العلاقة. إذ أن العتاب غالباً ما يكون علامة من علامات الحب، فالشخص الذي نعاتبه هو من نرغب بالحفاظ عليه. ومع ذلك، فإن الإفراط في العتاب واللوم قد يؤديان إلى تآكل العلاقات، حيث يعبر العتاب واللوم عن تعامل راقٍ يفتقر له الكثيرون. لطالما كان العتاب رمزاً في قصائد الشعراء، حيث تمحورت حوله العديد من الأعمال الأدبية.
أهكذا حتى ولا مرحبا
مصطفى وهبي صالح التل، المعروف بشاعر الأردن، يُعد من أبرز شعراء العصر العربي المعاصر. وُلِد عام 1899 وتوفي عام 1949. سُمي مصطفى نسبةً إلى جده. انتقل إلى دمشق حيث درس في المرحلة الابتدائية وواصل تعليمه في مدرسة عنبر. من قصائده المعروفة في عتاب زوجته، تلك التي كتبها أثناء منفاه في العقبة عام 1931:
أهكذا حتى ولا مرحبا
لله أشكو قلبك القلبا
أهكذا حتى ولا نظرة
ألمح فيها ومض شوق خبا
أهكذا حتى ولا لفتة
أنسم منها عرفك الطيبا
ناشدتك الله وأيامنا
ونشوة الحب بوادي الصبا
وغصة الذكرى وآلامها
وحرمة الماضي وما غيبا
لا تسأليني أي سر لقد
حال عمري خاطرا مرعبا
عمان ضاقت بي وقد جئتكم
أتنجع الآمال في مادبا
يا هند برق لاح لي موهنا
تنورته العين مستهضبا
فاض بحسبان فهشت له
حسما و وادي يتمها رحبا
فرف بالقلب رسيس الهوى
وود صدع الشمل لو يرأبا
ود وما عل واشباهها
بمرجعات للصبا أشيبا
رب مقيل في ظلال الغضا
يدعم فيه المنكب المنكبا
ما تامني الوارف من ظله
ولا عناني منه ان اقربا
مخافة النفس بأرجائها
ظفر من الأشواق أن ينشبا
فحسبك الآلام تزجينها
قلبا من الآلام قد اتعبا
يا هند تالله سموم الأسى
سيان عندي لفحها والصبا
فلن يضير اليأس إن قانط
شام المنى تفتر فاستعذبا
وما عليه إن يكن برقها
ككل برق شامه خلبا
وما على التوبة من ناكث
أن يشرب اليوم وأن يطربا
وما على الخمار ان شرقت
به الخوابي والهدى غربا
كم رصعت أفقي نجوم المنى
ثم تهاوت كوكبا كوكبا
بالسلط غزلان كما قيل لي
هضيمة الكشح حصان الخبا
المجد والوجد بقاماتها
عن غاية اللطف لقد أعربا
ريانة الأرداف ألحاظها
سهم من الإبداع قد صوبا
لكن هوى قلبي وقد كان لي
قلب كباقي الناس هذي الظبا
أرآم هذا الحي من مدين
فالبدع فالبتراء حتى ظبا
كم قائل فر ألم يأته
لا أرنبا كنت ولا ثعلبا
وهل يفر الحر من خطة
ساقت عليه جيشها الالجبا
كذبا ودسا وافتراء اذن
فلست من قحطان او يعربا
آباء صدق اورثوا حضرتي
من الخصال الغر ما اعجبا
ان تكذب الانساب اصحابها
فصادق الاعمال لن يكذبا
من كل قرم شامخ انفه
ان سامه العلج هوانا ابى
لا ينحت الرزء له أثلة
من عزة النفس وإن أسهبا
خيال اطفالي وقد زرتني
غداه امس العيد مستعتبا
من كوخ ارهاقي وهذا الحمى
حذار بعد اليوم ان تقربا
فالناس انسانان من همه
ان يرتوي ذلا وان يلعب
وآخر تأبى عليه الحجا
الا بأن يشقى وان يتعبا
ما قيمة الألقاب منصوبة
والظهر بالخزي قد أُحدودبا
كم مطلق العنوان العابه
ما حققت سؤلا ولا مطلبا
يستنسب الري بصفع القفا
يا بئس ما اختار وما استنسبا
وراسف بالقيد ما ينثني
يدأب حتى يبلغ المأربا
يا هند من حسبان قد بارق
رف رفيفا واضحا مسهبا
فهش للماضي وقد طالما
بذلك الماضي لقد شببا
فاستذرف العين فضنت على
اعينه الدمع ان تسكبا
من يوميات تلميذ راسب
وُلِد نزار قباني في دمشق وتم دفنه فيها. له عدد كبير من الدواوين والقصائد الشعرية، وقد أسس دار نشر خاصة به في بيروت. عمل نزار في السلك الدبلوماسي السوري من عام 1945 حتى عام 1966، وتبقى أعماله الشعرية البصمة الأكثر تأثيراً في تاريخ الأدب العربي والعالمي. يمتلك نزار عدة دواوين، منها “أشهد أن لا امرأة إلا أنت” و”كل عام وأنت حبيبتي”. ومن أجمل قصائده في العتاب هي:
ما هو المطلوب مني
ما هو المطلوب بالتحديد مني
إنني أنفقت في مدرسة الحب حياتي
وطوال الليل طالعت وذاكرت
وأنهيت جميع الواجبات
كل ما يمكن أن أفعله في مخدع الحب
فعلته
كل ما يمكن أن أحفره في خشب الورد
حفرته
كل ما يمكن أن أرسمه
من حروفٍ ونقاطٍ ودوائر
قد رسمته
فلماذا امتلأت كراستي بالعلامات الرديئة
ولماذا تستهينين بتاريخي
وقدراتي وفني
أنا لا أفهم حتى الآن يا سيدتي
ما هو المطلوب مني
ما هو المطلوب مني
يشهد الله بأني
قد تفرغت لنهديك تماما
وتصرفت كفنانٍ بدائيٍ
فأنهكت وأوجعت الرخاما
إنني منذ عصور الرق ما نلت إجازة
فأنا أعمل نحاتاً بلا أجرٍ لدى نهديك
مذ كنت غلاما
أحمل الرمل على ظهري
وألقيه ببحر اللانهاية
أنا منذ السنة الألفين قبل النهد
يا سيدتي أفعل هذا
فلماذا
تطلبين الآن أن أبدأ يا سيدتي منذ البداية
ولماذا أطعن اليوم بإبداعي
وتشكيلات فني
ليتني أعرف ماذا
يبتغي النهدان مني
ما هو المطلوب مني
كي أكون الرجل الأول ما بين رجالك
وأكون الرائد الأول
والمكتشف الأول
والمستوطن الأول
في شعرك أو طيات شالك
ما هو المطلوب حتى أدخل البحر
وأستلقي على دفء رمالك
إنني نفذت حتى الآن
آلاف الحماقات لإرضاء خيالك
وأنا استشهدت آلافاً من المرات
من أجل وصالك
يا التي داخت على أقدامها
أقوى الممالك
حرريني
من جنوني وجمالك
ما هو المطلوب مني
ما هو المطلوب حتى قطتي تصفح عني
إنني أطعمتها
قمحاً ولوزاً وزبيبا
وأنا قدمت للنهدين
تفاحاً
وخمراً
وحليباً
وأنا علقت في رقبتها
حرزاً أزرق يحميها من العين
وياقوتاً عجيبا
ما الذي تطلبه القطة ذات الوبر الناعم مني
وأنا أجلستها سلطانةً في مقعدي
وأنا رافقتها للبحر يوم الأحد
وأنا حممتها كل مساءٍ بيدي
فلماذا
بعد كل الحب والتكريم
قد عضت يدي
ولماذا هي تدعوني حبيباً
وأنا لست الحبيبا
ولماذا هي لا تمحو ذنوبي
أبداً والله في عليائه يمحو الذنوبا
ما هو المطلوب أن أفعل كي أعلن للعشق ولائي
ما هو المطلوب أن أفعل كي أدفن بين الشهداء
أدخلوني في سبيل العشق مستشفى المجاذيب
وحتى الآن يا سيدتي ما أطلقوني
شنقوني في سبيل الشعر مرات ومرات
ويبدو أنهم ما قتلوني
حاولو أن يقلعوا الثورة من قلبي وأوراقي
ويبدو أنهم
في داخل الثورة يا سيدتي
قد زرعوني
يا التي حبي لها
يدخل في باب الخرافات
ويستنزف عمري ودمايا
لم يعد عندي هواياتٌ سوى
أن أجمع الكحل الحجازي الذي بعثرت في كل الزوايا
لم يعد عندي اهتماماتٌ سوى
أن أطفيء النار التي أشعلها نهداك في قلب المرايا
لم يعد عندي جوابٌ مقنعٌ
عندما تسألني عنك دموعي ويدايا
إشربي قهوتك الآن وقولي
ما هو المطلوب مني
أنا منذ السنة الألفين قبل الثغر
فكرت بثغرك
أنا منذ السنة الألفين قبل الخيل
أجري كحصانٍ حول خصرك
وإذا ما ذكروا النيل
تباهيت أنا في طول شعرك
يا التي يأخذني قفطانها المشغول بالزهر
إلى أرض العجائب
يا التي تنتشر الشامات في أطرافها
مثل الكواكب
إنني أصرخ كالمجنون من شدة عشقي
فلماذا أنت يا سيدتي ضد المواهب
إنني أرجوك أن تبتسمي
إنني أرجوك أن تنسجمي
أنت تدرين تماماً
أن خبراتي جميعاً تحت أمرك
ومهاراتي جميعاً تحت أمرك
وأصابيعي التي عمرت أكواناً بها
هي أيضاً
هي أيضاً
هي أيضاً تحت أمرك
ولا تضيعن سري
جميل بن معمر يُعتبر من أشهر الشعراء العذريين، واشتهر ببساطة وعذوبة قصائده. يُقال إنه أحب وهو صغير، ويتميز شعره بصدق اللهجة وحرارة العاطفة. يمتاز بجمال التعبير ونصاعة البيان، حيث يحمل شعره مشاعره وأحاسيسه. في العصر الأموي، كان له قصيدة رائعة في العتاب لمحبوبته، نورد منها:
سَقى مَنزِلَينا يا بُثَينَ بِحاجِرِ
عَلى الهَجرِ مِنّا صَيِّفٌ وَرَبيعُ
وَدَورَكِ يا لَيلى وَإِن كُنَّ بَعدَنا
بَلينَ بِلىً لَم تَبلَهُنَّ رُبوعُ
وَخَيماتِكِ اللاتي بِمُنعَرَجِ اللَوى
لَقُمرِيِّها بِالمُشرِقينَ سَجيعُ
يُزَعزِعُ فيها الريحُ كُلَّ عَشِيَّةٍ
هَزيمٌ بِسُلّافِ الرِياحِ رَجيعُ
وَإِنِّي أَن يَعلى بِكِ اللَومُ أَو تُرَي
بِدارِ أَذىً مِن شامِتٍ لَجُزوعُ
وَإِنّي عَلى الشَيءِ الَّذي يُلتَوى بِهِ
وَإِن زَجَرَتني زَجرَةً لَوَریعُ
فَقَدتُكِ مِن نَفسٍ شَعاعٍ فَإِنَّني
نَهَيتُكِ عَن هَذا وَأَنتِ جَميعُ
فَقَرَّبتِ لي غَيرَ القَريبِ وَأَشرَفَت
هُناكَ ثَنايا ما لَهُنَّ طُلوعُ
يَقولونَ صَبٌّ بِالغَواني مُوَكَّلٌ
وَهَل ذاكَ مِن فِعلِ الرِجالِ بَديعُ
وَقالوا رَعَيتَ اللَهوَ وَالمالُ ضائِعٌ
فَكَالناسِ فيهُم صالِحٌ وَمُضيعُ