الجبل في القرآن الكريم
تتجلّى عظمة الخالق -عز وجل- من خلال ذكر الجبال في القرآن، حيث تُعتبر عنصرًا مميزًا في طبيعة الأرض. عندما يتأمل الإنسان في الجبال، يلاحظ تنوعها من حيث الألوان والأحجام والخصائص. يقول الله تعالى في سورة فاطر: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ).
قد أشار الله -عز وجل- إلى أمور ذات أصل واحد ومادة واحدة مثل الثمرات التي تشترك في أصلها، وهو الماء، لكن تختلف في الصفات والأشكال. بالمثل، تعتبر الجبال أيضًا متشابهة من جهة الأصل، لكنها تختلف في الألوان والأشكال، فمنها البيض والصفر والحمرا، والبعض شديد السواد. هذا التفاوت يُعتبر دليلاً على قدرة الله سبحانه، وقد خصص بعض الجبال بذكر أسمائها في القرآن.
جبل الجودي
ذُكر جبل الجودي في سورة هود في سياق قصة نبي الله نوح -عليه السلام- ونجاته مع مَن آمن به في الفلك، وغرق القوم الكافرين، ثم استوت السفينة على جبل الجودي. يقول الله تعالى: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). ويُذكر مجاهد بأن الجودي يقع في الجزيرة، حيث انتصبت الجبال في ذلك الزمن من الغرق، بينما تواضع هو لله عز وجل، فلم يغرق، وأُرسِلت السفينة على قمة الجودي.
جبل الصفا والمروة
تتعلق قصة جبل الصفا والمروة بالسيدة هاجر، التي انتقلت مع ابنها إسماعيل -عليه السلام- إلى مكة. في تلك الأثناء، كانت الأرض جرداء ولا تُقدّم ماءً ولا زرعًا. بالقرب من الكعبة، كانت هاجر تسعى بين الصفا والمروة بحثًا عن الماء. رغم العطش الذي اشتد، إلا أنها كانت مؤمنة بأن الله لن يضيعهما. وبفضل الله، فجر الله الماء من زمزم بين قدمي إسماعيل، واستمرَّت هذه المعالم من الطقوس إلى اليوم لتذكير المسلمين بأهمية التوكل على الله. قال تعالى في سورة البقرة: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّـهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّـهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ).
جبل الطور
ورد في سورة القصص قوله تعالى: (وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَـكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). تشير هذه الآية إلى علم الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بأمور غيبية لم يكن ليعلمها لولا وحي الله إليه، موضحة أن هذا الوحي هو رحمة للعالمين إلى يوم القيامة.
جبل عرفات
يقول الله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ). يُراد من “ابتغاء الفضل من الله” طلب الرزق عبر التجارة، وقد نزلت هذه الآية في قوم كانوا يعتبرون التجارة غير جائزة أثناء الإحرام.