قصائد مختارة من شعر امرئ القيس

صباحية مشرقة، أيها الأجمل

صباحية مشرقة، أيها الأجمل
صباحية مشرقة، أيها الأجمل

صباحية مشرقة، أيها الجمال، تحدث إليّ

وحدث حديث القافلة إن شئت وكن صادقا

حدث بأن رحيلهم كان مفاجئاً في ظلام الليل،

كفراش الفراشة، غير ضائع أو مُشوش

تجمعنَ حقائبي وأقمنَ قواعد جديدة،

وخففن من أثقال العراق المصقولة

وفوق الحقائب شعر وعباءات ملونة،

يتناثرن برائحة المسك والعطور النادرة

فتتبعتهم بنظري، وقد حالت بينهم

رمال عميقة وشجيرات مُتفرقة

على إثر حيةٍ واحدة، عازمة على هدفٍ بعيد.

فقد ساروا في العقيق أو أحد المواقع الممطرة

فقد عزيت نفسي بعد أن غابوا عن الأنظار بفتحةٍ صغيرة

كتحفة كالبحث عن مراكب اسرائيل القديمة

إذا أُجبرتُ، كنتُ في حالة ألمٍ مروعة

تتلف بالأبعاد العالية والممتدة

تشرق في إشراقة جديدة برائحة مُبهجة،

بعد أن انطلقت من روحٍ مشوشة وفارغة

كأن بها نمراً ينزلق خفيةً

على كل طريق وعر صادفته.

كأني أتابع وجه السماء والقراب والنمرقة،

من منطقةٍ لأخرى، ترنح في مغامرةٍ جديدة

لنتذكر فترة من الزمن حول بيضٍ نابض.

يجول في آفاق البلاد غرباً،

وتحت ضغوط المهام تكسرها رياح الصبا.

وبيت تواجه فيه رائحة المسك في حجراته

بعيد عن الآفات، غير مهاجر.

دخلت إلى مكان أبيض، حيث عظامه ضخمة

تُخفى بذيل الدرع إذا جئتُ معزِّزًا.

وقد شهدت النجوم تراجعها وسط السماء

بتواضع، مثل تجمعٍ في خضرة الربيع.

وكنت أستيقظ قبل الفجر، وأبحث عن هيكلٍ

شديد نضيج الجانب، غير مُبالٍ بالمجهول.

أرسلنا إلى أحدٍ قبل ذلك، محملاً

كذئب الغضا، يسير في الظلام ويتجنب المخاطر.

فقد بقيت مثل الخشف، أرفع رأسي

وسائره مثل التراب الناعم.

وجاء خفيفاً، يُسفك الأرض بمعدته

ترى تراب الأرض عالقاً بكل ملتصق.

وكنت أقول: ألا هو سلاح وسيدة،

وخيط من نعامٍ ترتعي بعيداً ومنفردة.

فاقتربنا من الجند، لكننا لم نقِم

إلى غصنٍ مزهرٍ لم يُحترق.

تناقلنا حتى أصبحنا نحمل ولدنا

على ظهر ساطٍ كالأكثر إشراقًا.

وكأن ولدي عندما عَلَا احترم نفسَ المغامرة

عن سِفينةٍ تطير في الجو.

رأى أرنباً فتسارع ليسقط أمامه

وأطلها برؤيةٍ ملتهبة.

فقلت له: صِبْ بمسيرتك ولا تتسرع.

فأدبرن كمثل جزع مفصل بينه.

بتفاصيل الغلام ذي القميص المخطط

وأدركها مجددًا من حبلها،

كمطر خريفٍ خفيفٍ يشبه الشجاعة

فأحضر لنا قافلةً من الإبل والثور

في السير ولم يُهدر سوى ماء التقاعس.

وظل غُلامي يُرسل الرّمح حوله

لكل هبة أو سكر راتب

وقف طويلاً، كما يُخضب المؤرخ الفارسي.

فقلت: ألا لقد كان عيّون صيّادٍ،

فقد هربوا عنا، كل ثوب مزين

وظل رفقائي يشتهون، بنعمة

يصفون مكاناً بالقدس.

ورحنا كما لو أننا في مساءٍ تُقلب فيه النعاج

بين العدل والمشنق.

ورحنا كابن الماء يجنب وسطنا

تتوجه أمامنا الأعوام وتأخذ بنا.

وأصبح زهلولاً يزِلُّ غُلامنا

كما قدحٍ مرفوع باليدين.

كأن دماء الهدايات من نحره

عصارة حناءٍ بخيوط متميزة.

ألا صبَاحاً أيها الطلل البالي

ألا صبَاحاً أيها الطلل البالي
ألا صبَاحاً أيها الطلل البالي

ألا صبَاحاً أيها الطلل البالي،

وهل يعمّ من كان في العصور البعيدة؟

وهل يعم إلا سعيدٌ ممن يُخلد،

قليل الهموم، ما يبيت دون الرضى.

وهل يعمُّ من كان له عهدٌ حديث،

ثلاثين شهرًا في ثلاث حالاتٍ

ديار لسلمى، عافياتٌ، بذو خالٍ.

ألحت عليَّ كل أسودٍ هاطل،

وتحسب سلمى أنها ليست بعيدةٌ عن رؤجي،

من الوحش أو بيضٍ على عيوني

وتحسب سلمى أننا لم نزل كعهدنا

بأودية الخزامى أو على نسلٍ أوعال.

ليالي سلمى حين تظهر لي المنتصب،

وجيداً كجيد الرئم، وليس بخالي.

ألا زعمت بسبابة اليوم أنني

كبرت، وأن اللهو لا يُحسن مثلي؟

كذبتِ، لقد أَصبى على المرء عرُسه،

وأن يمنع عرسي من أن يُوزن بالخالي.

وياربّ، يومٌ قد لهوتُ وليلةٌ

بآنسةٍ كأنها خطُّ تمثال.

يضيء الفراش وجهها لضجيعها

كمصباح زيتٍ في قناديل ذبلال.

كأن على لباتها جمر مُصطل،

أصاب غضى جزلاً وكفٍّ بأجذال.

وَهبت له ريحٌ بمختلف الصوى،

صبًا وشمالاً في منازل قفال.

ومثلِكِ البيضاء العوارض، طفلةٌ

لعوبٌ تُنسيني، إذا قمت، سربالي.

إذا ما الضجيع اعتز بها من ثيابها

تميل عليه بهدوءٍ غير مُجبَرٍ

كحقف النقَا يمشي الوَليدين فَوْقَه

بالليونة المطلوبة وترائي.

لطيفةٌ، طي الكشحة، غير مُفاضَة،

إذا انفتلت مُرتجزةٌ، غير مثقال.

تناولتها من أذرعاتٍ وأهلها

بيثرب أدنى داريها نظرٌ عالي.

نظرتُ إليها والنجوم كأنها

مصابيح رهبان تشبّ بين الفوال.

سَمُوتُ إليها بعد أن نام أهلوها،

سُموَّ حباب الماء حالاً على حال.

فقالت: سباك الله، إنك فاضحي!

أَلَستَ ترى السُمر والناس أحوالي

فقلت: يَميني الله، أبرح قاعداً،

ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي!

حَلَفتُ لها بالله حِلْفة فاجرٍ،

لناموا فما من حديثٍ ولا مجال.

فلما تنازعنا الحديث وأسمحت

هصرتُ بغصنٍ ذي شَماريخ مَيّال.

وصِرنا إلى الحُسنى ورق كلامنا

ورضتُ فذَلَّت صعبةٌ أيّ إذلال.

فأصبحتُ معشوقًا، وأصبح بعلها

عليه القتامُ، سيئ الظن والبال.

يغُطُّ غطيطَ البِكر شُدّ خناقُه،

ليقتلني، والمَرء ليس بقتال.

أَيَقتُلُني، والمشرَفِيُّ مُضاجعي،

ومسنونةٌ زرقٌ كأنياب أغوال.

وليس بذي رمحٍ فيطعني به

وليس بذي سيفٍ، وليس بنبّال.

أَيَقتُلني وقد شغفتُ فؤادها

كما شغفَ المهندسة الرجلُ الطالي.

وقد علمت سلمى، وإن كان بعلها

بِأَن الفتى يهذي وليس بفَعّال.

وماذا عليه إن ذكرت أو الانساً

كغزلانٍ رملٍ في محراب أقيال.

وبيتِ عذارى يوم دجن ولجْتُهُ

يَطُفنَ بجُبّاءِ المَرافِق مكسال.

سِباطُ البنان والعَرانين والقَنا

لطافَ الخُصور في تمام وإكمال.

نواعِمُ يتبَعْنَ الهوى سُبُل الرَدى

يَقُلنَ لأهل الحِلم: ضلَّ بتضلال.

صرفتُ الهوى عنهُنّ من خشية الردى

ولستُ بمُقليِّ الخلال ولا قائل.

كَأني لم أركب جوادًا للذّةٍ

ولم أتبطّن كاعبًا ذاتَ خِلخال.

ولم أستبئ زقّ الرَيّ ولم أقل

لخَيْليَ كُرّي كَرَّةً بعد إجفال.

ولم أشهدِ الخيلَ المُغيرَة بالضُحى

على هيكلٍ عَبلِ الجازَةِ جُوّالِ.

سليمَ الشَظى عَبلَ الشَوَى شنجَ النَّسا

له حَجبات مُشرِفاتٌ على الفال.

وصُمٌّ صُلابٌ ما يُقين من الوجي

كَأَنَّ مَكانَ الرِدفِ مِنهُ على رَألِ.

وقد أغتدي والطير في وكُناتها

لِغيثٍ من الوسمي، رائده خالِ.

تحاماه أطراف الرماح تحامياً

وجاد عليه كل أسودٍ هاطل.

بعجلزةٍ قد أتر ز الجسم لحمه

كميتٍ كأنها هِراوةُ منوال.

ذَعَرتُ بها سرباً نقيّاً جلودُهُ

وأكرعه وشي البرد من الخال.

كَأَنَّ الصوار إذا جهد عدوهُ

على جُمزى خيلٍ تجول بأجلال.

فجال الصوار واتَّقينا بقَرهَبٍ

طويل الفرا والرُوق أخنَسَ ذيّال.

فعادى عِداءً بين ثور ونَعجةٍ

وكان عِداءُ الوحشِ مني على بال.

كَأني بفَتخاءِ الجناحَينِ لَقوةٍ

صَيودٍ من العقُبانِ طأطأتُ شِملالي.

تَخَطّفُ خزَّان الشريّ بقليلٍ

وقد حَجَرَت منها ثَعالبُ أُورالِ

كَأَنَّ قُلوبَ الطير رطباً ويابِساً

لدى وكرها العُنّابُ والحَشف البالي.

فَلَو أَنَّ ما أَسعى لأدنى مَعِيشةٍ

كَفاني ولم أطلب قليلاً من المالِ.

ولكنما أسعى لمجدٍ مؤثّلٍ

وقد يُدركُ المجدَ المؤثّل أمثالي.

وما المرء ما دامت حشاشَةُ نفسه

بمدرك أطراف الخطوب ولا آلي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *