قصائد أبو الطيب المُتنبّي: روائع الأدب العربي
تتميز كتابات أبو الطيب المُتنبّي بجمال المضامين وعذوبة الألفاظ، ومن أبرز قصائده ما يلي:
قصيدة “لهوى النفوس سريرة لا تعلم”
تتضمن القصيدة بعض الأبيات الجميلة، ومنها:
لا يَسلَمُ الشَرَفُ الرَفيعُ مِنَ الأَذى
حَتّى يُراقَ عَلى جَوانِبِهِ الدَمُ
يُؤذي القَليلُ مِنَ اللِئامِ بِطَبعِهِ
مَن لا يَقِلُّ كَما يَقِلُّ وَيَلؤُمُ
الظُلمُ مِن شِيَمِ النُفوسِ فَإِن تَجِد
ذا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا يَظلِمُ
يَحمي اِبنَ كَيغَلَغَ الطَريقَ وَعِرسُهُ
ما بَينَ رِجلَيها الطَريقُ الأَعظَمُ
أَقِمِ المَسالِحَ فَوقَ شُفرِ سُكَينَةٍ
إِنَّ المَنِيَّ بِحَلقَتَيها خِضرِمُ
وَاِرفُق بِنَفسِكَ إِنَّ خَلقَكَ ناقِصٌ
وَاِستُر أَباكَ فَإِنَّ أَصلَكَ مُظلِمُ
وَغِناكَ مَسأَلَةٌ وَطَيشُكَ نَفخَةٌ
وَرِضاكَ فَيشَلَةٌ وَرَبُّكَ دِرهَمُ
وَاِحذَر مُناواةَ الرِجالِ فَإِنَّما
تَقوى عَلى كَمَرِ العَبيدِ وَتُقدِمُ
قصيدة “لكل امرئ من دهره ما تعودا”
تتألق هذه القصيدة ببعض الأبيات الرائعة، ومنها:
إِذا أَنتَ أَكرَمتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ
وَإِن أَنتَ أَكرَمتَ اللَئيمَ تَمَرَّدا
وَوَضعُ النَدى في مَوضِعِ السَيفِ بِالعُلا
مُضِرٌّ كَوَضعِ السَيفِ في مَوضِعِ النَدى
وَلَكِن تَفوقُ الناسَ رَأياً وَحِكمَةً
كَما فُقتَهُم حالاً وَنَفساً وَمَحتِدا
يَدِقُّ عَلى الأَفكارِ ما أَنتَ فاعِلٌ
فَيُترَكُ ما يَخفى وَيُؤخَذُ ما بَدا
أَزِل حَسَدَ الحُسّادِ عَنّي بِكَبتِهِم
فَأَنتَ الَّذي صَيَّرتَهُم لِيَ حُسَّدا
إِذا شَدَّ زَندي حُسنُ رَأيِكَ فيهِمِ
ضَرَبتُ بِسَيفٍ يَقطَعُ الهامَ مُغمَدا
وَما أَنا إِلّا سَمهَرِيٌّ حَمَلتَهُ
فَزَيَّنَ مَعروضاً وَراعَ مُسَدَّدا
وَما الدَهرُ إِلّا مِن رُواةِ قَلائِدي
إِذا قُلتُ شِعراً أَصبَحَ الدَهرُ مُنشِداً
قصيدة “منى كن لي أن البياض خضاب”
من الأبيات اللامعة في هذه القصيدة:
أَعَزُّ مَكانٍ في الدُنى سَرجُ سابِحٍ
وَخَيرُ جَليسٍ في الزَمانِ كِتابُ
وَبَحرٌ أَبو المِسكِ الخِضَمُّ الَّذي لَهُ
عَلى كُلِّ بَحرٍ زَخرَةٌ وَعُبابُ
تَجاوَزَ قَدرَ المَدحِ حَتّى كَأَنَّهُ
بِأَحسَنِ ما يُثنى عَلَيهِ يُعابُ
وَغالَبَهُ الأَعداءُ ثُمَّ عَنَوا لَهُ
كَما غالَبَت بيضَ السُيوفِ رِقابُ
وَأَكثَرُ ما تَلقى أَبا المِسكِ بِذلَةً
إِذا لَم تَصُن إِلّا الحَديدَ ثِيابُ
قصيدة “كم قتيل كما قتلت شهيد”
من الأبيات البارزة في هذه القصيدة:
عِش عَزيزاً أَو مُت وَأَنتَ كَريمٌ
بَينَ طَعنِ القَنا وَخَفقِ البُنودِ
فَرُؤوسُ الرِماحِ أَذهَبُ لِلغَيـ
ـظِ وَأَشفى لِغِلِّ صَدرِ الحَقودِ
لا كَما قَد حَيّتَ غَيرَ حَميدٍ
وَإِذا مُتَّ مُتَّ غَيرَ فَقيدِ
فَاِطلُبِ العِزَّ في لَظى وَذَرِ الذُلـ
ـلَ وَلَو كانَ في جِنانِ الخُلودِ
يُقتَلُ العاجِزُ الجَبانُ وَقَد يَعـ
ـجِزُ عَن قَطعِ بُخنُقِ المَولودِ
وَيُوَقّى الفَتى المِخَشُّ وَقَد خَو
وَضَ في ماءِ لَبَّةِ الصِنديدِ
قصيدة “بم التعلل لا أهل ولا وطن”
تشمل هذه القصيدة بعض الأبيات المعبرة، مثل:
ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدرِكُهُ
تَجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ
رَأَيتُكُم لا يَصونُ العِرضَ جارُكُمُ
وَلا يَدِرُّ عَلى مَرعاكُمُ اللَبَنُ
جَزاءُ كُلِّ قَريبٍ مِنكُمُ مَلَلٌ
وَحَظُّ كُلِّ مُحِبٍّ مِنكُمُ ضَغَنُ
وَتَغضَبونَ عَلى مَن نالَ رِفدَكُمُ
حَتّى يُعاقِبَهُ التَنغيصُ وَالمِنَنُ
فَغادَرَ الهَجرُ ما بَيني وَبَينَكُمُ
يَهماءَ تَكذِبُ فيها العَينُ وَالأُذُنُ
تَحبو الرَواسِمُ مِن بَعدِ الرَسيمِ بِها
وَتَسأَلُ الأَرضَ عَن أَخفافِها الثَفِنُ
إِنّي أُصاحِبُ حِلمي وَهوَ بي كَرَمٌ
وَلا أُصاحِبُ حِلمي وَهوَ بي جُبُنُ
قصيدة “أين أزمعت أيهذا الهمام”
تتضمن القصيدة بعض الأبيات الرائعة، ومنها:
وَإِذا كانَتِ النُفوسُ كِباراً
تَعِبَت في مُرادِها الأَجسامُ
وَكَذا تَطلُعُ البُدورُ عَلَينا
وَكَذا تَقلَقُ البُحورُ العِظامُ
وَلَنا عادَةُ الجَميلِ مِنَ الصَبـ
ـرِ لَوَ أَنّا سِوى نَواكَ نُسامُ
كُلُّ عَيشٍ ما لَم تُطَبهُ حِمامٌ
كُلُّ شَمسٍ ما لَم تَكُنها ظَلامُ
أَزِلِ الوَحشَةَ الَّتي عِندَنا يا
مَن بِهِ يَأنَسُ الخَميسُ اللُهامُ
وَالَّذي يَشهَدُ الوَغى ساكِنَ القَلـ
ـبِ كَأَنَّ القِتالَ فيها ذِمامُ
وَالَّذي يَضرِبُ الكَتائِبَ حَتّى
تَتَلاقى الفِهاقُ وَالأَقدامُ
وَإِذا حَلَّ ساعَةً بِمَكانٍ
فَأَذاهُ عَلى الزَمانِ حَرامُ
وَالَّذي تُنبِتُ البِلادُ سُرورٌ
وَالَّذي تَمطُرُ السَحابُ مُدامُ
كُلَّما قيلَ قَد تَناهى أَرانا
كَرَماً ما اِهتَدَت إِلَيهِ الكِرامُ
قصيدة “وا حرّ قلباه”
من الأبيات المميزة في هذه القصيدة:
ألخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي
وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ
صَحِبْتُ فِي الفَلَواتِ الوَحشَ منفَـرِداً
حتى تَعَجّبَ منـي القُـورُ وَالأكَـمُ
يَا مَـنْ يَعِـزّ عَلَيْنَـا أنْ نُفَارِقَهُـمْ
وَجدانُنا كُلَّ شـيءٍ بَعدَكـمْ عَـدَمُ
مَا كـانَ أخلََقَنَـا مِنكُـمْ بتَكرِمَـةٍ
لَـوْ أنّ أمْرَكُـمُ مِـن أمرِنَـا أمَـمُ
إنْ كـانَ سَرّكُـمُ ما قالَ حاسِدُنَـا
فَمَـا لجُـرْحٍ إذا أرْضـاكُـمُ ألَـمُ
وَبَيْنَنَـا لَـوْ رَعَيْتُـمْ ذاكَ مَعـرِفَـةٌ
إنّ المَعارِفَ فِي أهْـلِ النُّهَـى ذِمَـمُ
كم تَطْلُبُونَ لَنَـا عَيْبـاً فيُعجِزُكـمْ
وَيَكْـرَهُ الله مـا تَأتُـونَ وَالكَـرَمُ
ما أبعدَ العَيبَ والنّقصانَ منْ شَرَفِـي
أنَـا الثّرَيّـا وَذانِ الشّيـبُ وَالهَـرَمُ
لَيْتَ الغَمَامَ الذي عنـدي صَواعِقُـهُ
يُزيلُهُـنّ إلـى مَـنْ عِنْـدَهُ الدِّيَـمُ
أرَى النّـوَى يَقتَضينـي كلَّ مَرْحَلَـةٍ
لا تَسْتَقِـلّ بِهَـا الوَخّـادَةُ الرُّسُـمُ
قصيدة “إذا غامرت في شرف مروم”
تتضمن هذه القصيدة بعض الأبيات المميزة:
إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ
فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ
فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ
كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ
سَتَبكي شَجوَها فَرَسي وَمُهري
صَفائِحُ دَمعُها ماءُ الجُسومِ
قَرَبنَ النارَ ثُمَّ نَشَأنَ فيها
كَما نَشَأَ العَذارى في النَعيمِ
وَفارَقنَ الصَياقِلَ مُخلَصاتٍ
وَأَيديها كَثيراتُ الكُلومِ
يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ
وَتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ
وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني
وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ
وَكَم مِن عائِبٍ قَولاً صَحيحاً
وَآفَتُهُ مِنَ الفَهمِ السَقيمِ
قصيدة “لك يا منازل في القلوب منازل”
من الأبيات الساحرة في هذه القصيدة:
وَإِذا أَتَتكَ مَذَمَّتي مِن ناقِصٍ
فَهِيَ الشَهادَةُ لي بِأَنِّيَ كامِلُ
مَن لي بِفَهمِ أُهَيلِ عَصرٍ يَدَّعي
أَن يَحسُبَ الهِندِيَّ فيهِم باقِلُ
وَأَما وَحَقِّكَ وَهوَ غايَةُ مُقسِمٍ
لِلحَقُّ أَنتَ وَما سِواكَ الباطِلُ
الطيبُ أَنتَ إِذا أَصابَكَ طيبُهُ
وَالماءُ أَنتَ إِذا اِغتَسَلتَ الغاسِلُ
ما دارَ في الحَنَكِ اللِسانُ وَقَلَّبَت
قَلَماً بِأَحسَنَ مِن نَثاكَ أَنامِلُ
قصيدة “حاشى الرقيب، فخانته ضمائره”
تتضمن هذه القصيدة بعض الأبيات المؤثرة، مثل:
حاشى الرَقيبَ فَخانَتهُ ضَمائِرُهُ
وَغَيَّضَ الدَمعَ فَاِنهَلَّت بَوادِرُهُ
وَكاتِمُ الحُبِّ يَومَ البَينِ مُنهَتِكٌ
وَصاحِبُ الدَمعِ لا تَخفى سَرائِرُهُ
لَولا ظِباءُ عَدِيٍّ ما شُغِفتُ بِهِم
وَلا بِرَبرَبِهِم لَولا جَآذِرُهُ
مِن كُلِّ أَحوَرَ في أَنيابِهِ شَنَبٌ
خَمرٌ يُخامِرُها مِسكٌ تُخامِرُهُ
نَعجٌ مَحاجِرُهُ دُعجٌ نَواظِرُهُ
حُمرٌ غَفائِرُهُ سودٌ غَدائِرُهُ
أَعارَني سُقمَ عَينَيهِ وَحَمَّلَني
مِنَ الهَوى ثِقلَ ما تَحوي مَآزِرُهُ
يا مَن تَحَكَّمَ في نَفسي فَعَذَّبَني
وَمَن فُؤادي عَلى قَتلي يُضافِرُهُ
بِعَودَةِ الدَولَةِ الغَرّاءِ ثانِيَةً
سَلَوتُ عَنكَ وَنامَ اللَيلَ ساهِرُهُ
مِن بَعدِ ما كانَ لَيلي لا صَباحَ لَهُ
كَأَنَّ أَوَّلَ يَومِ الحَشرِ آخِرُهُ