أعمال شهر ذي الحِجّة
يتزين شهر ذي الحِجّة بأعمال الخير المتنوعة، التي تتفاوت وفق اختلاف الأيام وحالة الأفراد، سواء كانوا حجاجًا أم غيرهم. وفيما يلي سرد لأهم الأعمال الموصى بها في هذا الشهر المبارك:
الحَجّ
يُعتبر الحجّ من أهم أركان الإسلام الخمسة. وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان). وقد فُرض الحج على المسلمين في السنة التاسعة للهجرة.
يجدر بالذكر أن الفريضة تُسقط عن المكلف بها لمرة واحدة في العمر. حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الحجُ مرةٌ فمن زاد فهو تطوُّعٌ). يُؤدى الحج خلال ستة أيام من شهر ذي الحِجّة، كالتالي:
- اليوم الأول: اليوم الثامن من ذي الحِجّة، ويسمى يوم التروية.
- اليوم الثاني: اليوم التاسع من ذي الحِجّة، ويسمى يوم عرفة.
- اليوم الثالث: اليوم العاشر من ذي الحِجّة، ويسمى يوم النحر، وهو أول أيام عيد الأضحى.
- اليوم الرابع: اليوم الحادي عشر من ذي الحِجّة، ويسمى يوم القر، وهو ثاني أيام عيد الأضحى، وأول أيام التشريق.
- اليوم الخامس: اليوم الثاني عشر من ذي الحِجّة، ويسمى يوم النفر الأول، وهو ثالث أيام عيد الأضحى، وثاني أيام التشريق.
- اليوم السادس: اليوم الثالث عشر من ذي الحِجّة، ويسمى يوم النفر الثاني، وهو رابع أيام عيد الأضحى، وثالث أيام التشريق.
الأضحية
يبين المعنى اللغوي للأضحية أنها ما يُذبح في وقت الضحى، أما في السياق الشرعي فتشير إلى ما يُذبح يوم العيد من الأنعام تقربًا إلى الله -تعالى-، سواء كانت من الإبل أو البقر أو الأغنام أو الماعز. الأضحية سُنة مؤكدّة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد ورد عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بكبشين أملحين أقرنين ويضع رجله على صفحة كليهما ويذبحهما بيده).
تكون الأضحية مُباحة على مدار أربعة أيام من ذي الحِجّة، بدءًا من يوم العيد وحتى نهاية أيام التشريق. يُستحب تقسيمها إلى ثلاثة أقسام: يُتصدق بالأول، ويهدى الثاني، والثالث يكون للمضحي وأسرته.
صلاة العيد
أقرّ القرآن الكريم مشروعية صلاة عيد الأضحى بقوله -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وتثبتها السنة النبوية بما رواه البخاري عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنه- قال: (شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر، وعثمان -رضي الله عنهم-، فكانوا يصلّون قبل الخطبة). وهذا إجماع بين المسلمين.
فضل صلاة عيد الأضحى يكمن في كونها تصلى في أعظم الأيام عند الله -تعالى-، وهو اليوم العاشر من ذي الحِجّة؛ حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن أعظم الأيام عند الله تبارك وتعالى يوم النحر).
كذلك، فإن من يؤدي صلاة العيد ينال ثواباً عظيماً مُعداً لكل من أطاع الله ورسوله الكريم، حيث قال -تعالى-: (من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون). كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (من أطاعني دخل الجنة).
صيام الأيام التسع من ذي الحجة
يُستحب صيام الأيام التسع الأولى من ذي الحجة، لما ورد عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث قلن: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة). ويشير النبي إلى هذه الأيام بالعشر في قوله: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، يعني أيام العشر)، وهذا يدلّ على فضل هذه الأيام.
أول اهتمام النبي -عليه الصلاة والسلام- كان باليوم التاسع من ذي الحِجّة -يوم عرفة-، حيث قال: (صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والتي بعده). تتظافر فضيلة الصيام في هذه الأيام مع فضل صيام يوم في سبيل الله، كما أشار إلى ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (من صام يومًا في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم النار عن وجهه سبعين خريفًا).
تعتبر هذه الأوقات فرصة عظيمة لتطهير النفس والبدء من جديد مع الله -تعالى-، وفي حال كان الفرد غير حاج، يمكنه الاستفادة من البركة في الصيام والدعاء. أما الحاج فإنه يُقبل على الدعاء والذكر، مما يجعله في حاجة لتعزيز قوته بالطعام والشراب، لذا فإن صيامه غير مستحب له.
التكبير في العشر من ذي الحجة
مشروعية التكبير وصيغته
تثبت مشروعية التكبير خلال العشر من ذي الحِجّة في العديد من النصوص الشرعية، ومنها قوله -تعالى-: (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات)، وقد اختلف العلماء حول صيغة التكبير، وتعددت الآراء إلى ثلاثة صيغ:
- الصيغة الأولى: “اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ كَبيرًا”، من الثابت عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه-.
- الصيغة الثانية: “اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحمدُ”، وقد وردت عن ابن مسعود -رضي الله عنه-.
- الصيغة الثالثة: “اللهُ أَكْبَرُ كَبيرًا، اللهُ أَكْبَرُ كَبيرًا، اللهُ أَكْبَرُ وأجَلُ، اللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحمدُ”، من الثابت عن ابن عباس -رضي الله عنه-.
أقسام التكبير
ينقسم التكبير حسب وقته إلى قسمين:
- التكبير المطلق
وهو التكبير المستحب في العشر من ذي الحِجّة وأيام التشريق الثلاثة. يُطلق عليه هذا الاسم لأنه لا يتوقف على وقت أو مكان معين، بل يُسنّ في الصباح والمساء، وقبل الصلاة وبعدها، وفي المسجد والبيوت وأينما كان يمكن ذكر الله، ويبدأ وقت التكبير المطلق من غروب شمس آخر يوم من شهر ذي القعدة إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق.
- التكبير المقيد
هو التكبير الذي يتلى بعد انتهاء الصلاة من الفريضة والاستغفار بعدها ثلاث مرات. يُطلق على هذا الشكل التكبير المقيد، حيث يبدأ وقت التكبير في حق الحاج منذ ظهر اليوم العاشر من ذي الحِجّة إلى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق, أما غير الحاج فيبدأ بالتكبير من فجر يوم عرفة حتى غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق.
أعمال أخرى
من الأعمال الصالحة التي يمكن للمسلم القيام بها في العشر من ذي الحِجّة ما يلي:
- الحرص على أداء الصلوات المفروضة في المسجد.
ويقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من غدا إلى المسجد ورَاحَ، أعدّ الله له نُزُلَهُ من الجنة كلما غدا أو راح)، ويجدر استغلال فرصة الحصول على بيت في الجنة عبر أداء اثنتي عشرة ركعة تطوعًا، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من عبد مسلم يُصلي لله كل يوم اثنتي عشرة ركعة تطوعًا غير فريضةٍ، إلاّ بنى الله له بيتًا في الجنة).
- الحرص على قيام الليل.
حتى لو كانت بقراءة عشر آيات من القرآن الكريم، حيث يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمئة آية كُتب من القانتين، ومن قام بألف آية كُتب من المقنطرين).
- الحرص على الالتقاء بالأصدقاء الصالحين الذين يتحابون في الله -تعالى-.
ومجالسهم لذكر الله -تعالى-، دعاءه، ومدارسة كتابه، والدعوة إليه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن من عباد الله لأناس ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى…).
- الحرص على صلة الأرحام.
وزيارة الأقارب والجيران، فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بالعَرْشِ، تقول من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله).
- الحرص على التصدق على الفقراء والمحتاجين.
لما في ذلك من إدخال الفرح على قلوبهم، مما يؤدي إلى عموم رحمة الله -تعالى- على عباده، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الصدقة تُطفئ غضب الرب).
- الإكثار من تلاوة القرآن الكريم.
السعي لإنهاء ختمة كاملة خلال هذه الأيام، مع التركيز على تدبر وفهم الآيات، وقراءة تفسيرها، حيث أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى فضل قراءة وتعليم القرآن بقوله: (أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل).
- الإكثار من الدعاء.
قال -تعالى-: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم). فالدعاء هو من العبادات العظيمة التي تعين العبد على تحقيق جميع ما يسعى إليه. وينبغي تحري أوقات استجابة الدعاء، مثل السجود، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول المطر.
كما يُستحب الدعاء في يوم عرفة، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلتُ أنا والأنبياء من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير).
- الحرص على الجلوس بعد صلاة الفجر.
لذكر الله -تعالى-، قراءة القرآن، والدعاء حتى الشروق، ثم أداء ركعتين ينال بهما أجر حجّة وعمرة تامّتَين؛ كما يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من صلّى الغداة في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلّى ركعتين، كانت له كأجر حجّة وعمرة تامتين).
- الإكثار من ذكر الله -تعالى-، وترطيب اللسان به.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن أيامٍ أعظمُ عند الله ولا أحبُّ إليه من العمل فيها من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيها من التهليل والتكبير والتحميد). هذه الأيام توفر فرصة عظيمة لمن يرغب في تعويد لسانه على الذكر في كل وقت، والباقيات الصالحات هي أفضل ذكر، وهو قول: “سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر”.
الاستعداد للعشر من ذي الحجة
تُعتبر العشر من ذي الحِجّة أيّاماً مباركة، وقد أقسم الله -تعالى- بها في قوله: (وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ)؛ للدلالة على فضلها ومكانتها. لذلك، يجدر الاستعداد لهذه الأيام والإكثار فيها من الأعمال الصالحة بهدف زيادة الحسنات وسد الخلل في التقصير.
يُعتبر العمل الصالح في العشر من ذي الحِجّة مقرونًا بمزيد من الأجر، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء).
في هذا الحديث تأكيد على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فضّل العمل في هذه الأيام على الجهاد في سبيل الله -تعالى-، مع احتفاظه باستثناء انتظار الجهاد الأسمى، وهو الذي يخرج فيه المسلم بنفسه وماله دون أن يُحقّل مكسباً.