وداعاً والدي
لقد أصبحت ذكراك بعيدة المنال،
وابتعدت عنا،
فلما فقدناك في ذلك اليوم،
شعرنا بالخيبة.
جئنا إليك،
ونسنا عليك،
فقد كنت كعصفور في قلوبنا،
تغنيت بحبك،
وكنت في أحلامنا، حلم يُحلق.
ومع مرور الزمن،
كان لنا فيك أحلام مُشرقة،
ومع ليالينا كانت كما القمر البهي،
الذي أسرتنا جماله.
لقد كانت أياماً صعبة علينا،
فيا ليت الشباب يعود!
كنت كالشمعة، التي تتألق،
فكيف قد انطفأت،
وفي فجر الحياة غبت؟
هانحن الآن نحلم بلقائك،
ونلاحق السراب.
لم أتصور أن الليالي ستغتال ذكرياتنا،
وتتلاشى نجوم السماء،
لتصبح ذكرياتنا غباراً.
وبدت كمن كان يسير بهدوء،
فجأة يُحلق كالشهاب،
ويجتاحنا الحزن كالسفينة
في بحر من المآسي.
وداعاً والدي،
وداعاً، فالرحيل جرح عميق،
وداعاً، تتلخص في الموت آلامنا وذكرياتنا.
وداعاً والدي، وأسأل الله أن ترتقي
إلى أعلى جنات الخلد.
سألوني لم لم أرِث أبي
سألوني: لماذا لم أرث أبي؟
إنّ رثاء الأب دينٌ عظيم،
أيّها المنتقدون، ما أظلمكم!
أين لي العقل الذي يلتقط السعادة؟
يا أبي، ما أنت في هذه الحياة سوى بداية،
كل نفس للموت أجلٌ محتوم.
ماتت قبلنا أرواح، وقرى،
والناس تتحدث عن الفقد.
غايةُ العمر، مهما طالت الأيام،
محصلة واحدة.
ومع الموت تأتي الخسارة،
لتحطم أوصال الحياة.
إني أنا من فقدك، ومن فقدني،
لقد التقينا بالموت مرّتين.
معاً كنا، ثم تفرّقنا
وعدنا كأرواح في أجساد،
ثم نُلقى في كفنٍ بعد الفراق،
فقد كنا نعيش كما كنا نريد.
أبي
أبي، كنت طفلاً على كتفي،
من حنانك أزهرت حياتي،
وفي يديك تنبت الربيع والنماء،
وكنّا كزرع ينمو بالحب.
وفي بستانك قمح ونخيل،
ظل مُضيء في الطريق،
وأنت الملك ترافقنا بفخرك،
ربيع يغنيك في موكب الحياة.
أنت رضاي وقلبي، مطلب يصبو.
حديثك كفاح لأحزان الحياة،
تذيب مرارة الأيام.
وكفّك مرسية كخيوط الحرير،
ألبستني ثياب الأمل،
وتعلقت بالصبر الجميل.
وعناقك هو بحري،
تدفق العفو، والأحلام الخضراء.
يا عجب الزمان، وكيفت الأمور،
فالتجارب أثمرت حكمتك العميقة.
كالنجوم كنت في حياتي،
توحد ليلي ومهجتي،
فقدت الجمال بعدك.
قصيدة أبي لنزار قباني
هل مات والدك؟
كلا! لا يموت أبي.
ففي بيتي يملأه العطر والذكريات،
هنا ركنه، تلك أشياؤه،
لا تزال تذكرني به،
كأنّ أبي لم يذهب بعد.
أمسك يدك، أُصلّي على صدرك المتعب،
لا يزال حديثه يُشاركنا الهموم،
ذاته تُعطّر ذاكرة الكلمة،
يا من كنّا نشاركك الحياة.
أبي إيليا أبو ماضي
فقد جزءٌ من نفسي برحيلك،
وما زال جزءٌ آخر يسيل دمعي.
يا أبي، انتزعني الموت،
فإن أحلامي كبيت من تين انهار.
كنّا في رياض الحياة مبتسمين،
لكنها ذبلت، ولم يبقَ منها شيء.
فقد طالت يد المنية،
فليس في فمي سوى مرارة الفراق.
وذكّرني كل ما حولي،
بالألم، وتلاوة ذكرى الجميل.
ما زلت أدرك، وأبحث عنك،
لكني أجد الحزن يحاصرني.
فهل سأراك يا أبي في أحلامي؟
أم أن الفراق هو مصيري؟