قصيدة: طواك الردى ورماك القدر
يقول الشاعر أحمد الكاشف:
طواك الردى ورماك القدر
وسرت بلا موعد منتظر
وسافرت بالزاد من وحشة
بلا رجعة بعد هذا السفر
وصرت إلى منتهى الراحلين
وإن كثرت سبْلُهم والسير
وفي لحظة من مدار الزمان
هوى واختفى من علا واشتهر
وأمسى الذي كان ملء العيون
في قومه أثراً أو خبر
فهل عرض الموت أسبابَه
فآثرت أقربها المختصر
وهل أنت بعد النوى تارك
هنا وطراً أم قضيت الوطر
وهل أنا باق وراء الرفاق
أشيع أفواجهم والزمر
وفي كل يوم يراع الحمى
بفقد الحمى أسداً أو قمر
فمن غاب عن جانبي أو نأى
سيتبعه من دنا أو حضر
تولوا وحولي تماثيلهم
تحدثني عنهمُ والصور
أعبد الحميد وما بالمجي
بعد القصور دفين الحفر
لك العبرات جرت من دمي
وفيها العظات وفيها العبر
غضبت لحرية الكاتبين
وليس على الغيظ من مصطبر
وإن على الحر ثقل الحدي
أهون من ضيقه والضجر
وإن نزاع القوى في الحياة
أكبر منه نزاع الفِكر
وحرص الأبي على رأيه
كحرص الغني على ما ادخر
وما حجة المرء في مذهب
سوى عدة المرء في مشتجر
وما الظافر العف غير الذي
أصر على عهده واستمر
تلقاك إذ ملتَ صدر الرفيق
ولو كان من حجر لانفطر
وأغنى سكوتك بين الضجيج
عن القول مرتجلاً مبتكر
ولو نزلت كلمات الشهيد
على جبل ثائر لاستقر
ولو كان للدهر فيما جرى
لسان وقلب إليك اعتذر
وقد يغسل الجرح دمع الجريح
ولا يغسل الجرح سيل المطر
يعزُّ على العرب اليوم أن
خلا المنتدى منك والمؤتمر
وأنت إليهم من الأقربين
كأنك من هاشم أو مضر
تناول شيبَهم والشدائد
خطبك بدوهم والحضر
أبوك أبو الأوائل الأصفياء
فأنت أخو الأصفياء الأخر
كلا الكابرين الفتى الشيخ في
قبيلته والزعيم الأبر
وقد كان لي من فؤاديكما
مكان الرضا وهو ملء البصر
علائق صادقة لم تهن
لكرِّ العوادي ومرِّ الغير
ذكرتك في ملتقى الذاكرين
وليل الأسى غير ليل السمر
وأبّنت فيك أعز السراة
وعزيت فيك أجل الأسر
سئمتُ الحياة التي ما لقيتُ
غير مرارتها والكدر
وكنتُ قنوعاً بأشواكها
إذا فاتني زهرها والثمر
وما ناء بي حمله في الصبا
أيمكنني حمله في الكبر
إذا دهم المرء ما لا يطيق
فسيان تسليمه والحذر
وحسبيَ في محنتي أنني
تبينت من بر ممن فجر
وهذي القيامة في هولها
فكيف النجاة وأين المفر
وهل تضع الحرب أوزارها
ويمحو الظلامَ الصباح الأغر
ويظفر من خاضها فارتمى
برحمة من خاضها وانتصر
ويستقبل البشر العالم الجديد
سلاماً لخير البشر
قصيدة: بكاؤك يوم البين يا أم حاجب
يقول الشاعر إبراهيم بن قيس الحضرمي:
بكاؤك يوم البين يا أم حاجب
ووجدك من فقد القرين المصاحب
يسرّك عقباه بأوبته إذا
تهنيك بالبشرى ذوات الذوائب
لعمرك ما أعرضت عنك لياليا
وأعمنت عن بغض ولا عن معائب
ولكن طلاب العز أولى من الثوى
على حالة الإرغام بين الرغائب
ذريني من جبس من الناس أبلد
ثناه عن الترحال دمع الحبائب
سلي عن فتى خاض البحار ولجّها
وشمر بالادلاج فوق النجائب
ولم يغتمض مذ يوم فارق أرضه
إلى أن أتاها زائراً بالقواضب
وبالمال والأتراس والراية التي
تجذب حلقوم الحسود المجانب
أمد بها الندب الذي لم يكن له
شبيه بأرض الشرق أو في المغارب
أمام حميّ الأنف صدق حماؤه
عزيز رحيب الصدر جم المواهب
أخو الدولة الزهرا التي عز أمرها
بقاضي قضاة المسلمين الأطائب
هما رسيا فيها فقرت بأهلها
كما قرت الغبرا بصمّ الشناخب
هم طلقا دنياهما وتزوجا
مكارهها إذ فيه مهر الكواعب
سمت بهما للحسنيين عزيمة
فحلاّ بها في المجد أعلى المراتب
هنيئاً لمن أمسى وأصبح ناظراً
لوجهيهما مستحسناً كالمواضب
فما كنت إلا باحتساب إليهما
ألجّ بطرفي دائباً أي دائب
ألا إن قلبي مذ تغيبت عنهما
شجيّ وصدري كائب أيّ كائب
أصت غداة البين بالبين منهما
ومن عصبة غر كمثل الكواكب
عصابة صدق أسست كل معلم
بدين الهدى ترجو حميد العواقب
بعرصة نزوى ذات دين وعفة
وحلم رسيب كالجبال الرواسب
فلو أن لي نفساً ونفساً صحبتهم
بنفس ونفس ترتمي للمطالب
لقد رمتهم قصد الأشرف حاجة
فأصبحت فيهم قاضياً للمآرب
وما كسرور المرء بالنجح نعمة
إذا آب عن حاجاته غير خائب
أقول لشيخ من بني القيس أشهل
شديد اللقا شهم كريم المناصب
كريم المحيا فيصل ذي مهابة
وجاه ووجه للقصي والأقارب
أبي هل تراني كاذباً في مقالتي
ستنصرني الأخوان أم غير كاذب
جلبت لك الخيرين والمجد فابشرن
بطيب حياة أو بحسن عواقب
وما خلق الفتيان إلا لمثلها
وإلا فهم أولى بلبس الجلابب
ألم تر أن القوم ينعش أمرهم
فتى لا يقرُّ الضيم محض الضرائب
إذا مات دينا لحق قمت بثاره
وناصبت فيه كل غاو مناصب
إذا لم أقم للحرب سوقاً فلا علت
إذاً لي يداً يوماً ولا عزّ جانبي
سأقدح نار الحرب حتى أثيرها
بواد تغطيه ذيول الغياهب
سأكشف غما حضرموت بوقعة
تسرّ بصرعاها ذوات المخالب
سأقضي حقوق السيف بعدد ثوره
وأرضي بما أقريه أسد السباسب
فلست أرى حقاً تقوم قناته
وتخفق إلا بعد نوح النوادب
وما في امرئ أضرى الحروب ببلدة
فأبكى بواكيها إذن من عجائب
متى أحمل السيف المشطب أصبحت
طغاة الورى ذلاً عراة المناكب
وما الخير إلا في السيوف وهزها
وإلقائها في الهام أو في الحواجب
بها ندرك الفردوس والحور والعلا
معاً والمعالي والتماس المناقب
وحمل الفتى للسيف في اللّه ساعة
كستين عاماً من عبادة راهب
فمال إلا السيف حصن ومفزع
إلى أن ألاقي السيف والسيف صاحبي
لقد شاقني للحرب يوم عصبصب
وأشرب قلبي الموت بين الكتائب
كمثل ابن يحيى وابن عوف وأبرهٍ
وبلج ومرداس ومثل ابن راسب
عدمت مناي إن رضيت لمهجتي
منية مبعوث ثوى في المحارب
لعمري إمَّا متُّ متُّ وإن أعش
فكم من حروب تصطلى ومكارب
ألا رب يوم للجلاد أمامنا
عبوس جليل الخطب جم النوائب
ترى الناس في بين دام وجاثم
وجاث ومنكبَّ قتيل وهارب
هنالك تبلو كل نفس مقالها
وما أودعته في الليالي الذواهب
لقد علم الغاوون أني لصادق
وفي بما أوعدت عند التحارب
عجبت لأنذال قلال أذلة
يسومون خسفاً كل قار وكاتب
حلال حلال مقت كل ممقّت
بأرض عند سيدانها للثعالب
وتعساً وتعساً لامرئ حاز أمره
سفيه غبي فخره في المثالب
يتيه إذا ارتجت معازف لهوه
ويعتق بين الملهيات الكواعب
سيعلم يوم الروع ذاك بأننا
نزيد إذا اشتدت حزوم المطانب
ومن يرد الموت الكريه بنفسه
إذا كاع عن حيضانه كل هائب
وحسبي وحسبي للجلاد بعصبة
شبامية مثل النجوم الثواقب
إذا مهدت بالبيض مادت وزلزلت
مناكب أرض اللّه من كل جانب
فيال شبام أنتم الجنة التي
يلاقى بها جيش العدو المغالب
ويال شبام أين أين كمثلكم
يعد لحرب أو لدفع النوائب
وفي آل همدا ابن زيد عصابة
كمثل نجوم الليل بين المصائب
جياد جياد في الوغى بنفوسهم
وبالمال إن جلّت خطوب المشاغب
بني مالك شدو العمائم واكشفوا
لذي العرش عن ساق لحرب المحارب
بني مالك لا عز إن لم تجردوا
ذوات الغواشي والظبا والمضارب
وذو صبّح فيها لعلم عصبة
يطيب الثنا في مردها والأشائب
حقيقتهم في الدين أيّ حقيقة
قلوبهم عند اللقا والتضارب
فلا ينسني الرحمن جل وداعهم
عشية رحنا بالدموع السواكب
وكم في مديد أو بنرس وأختها
حبوض وبور من أباطني راغب
وصلى إلهي جل ذو العرش والعلا
على أحمد المبعوث من آل غالب
قصيدة: أهاجكَ اكتئابًا واذّكِارا
يقول الشاعر النبهاني العماني:
أهاجَكَ اكتئابًا واذّكِارا
رسوم منازل أضحت قفارا
لَرَايةَ بالصُّفيحة غيَّرتْها
يدُ البين المشتِ غداةَ جارا
أقمنَ بها سواهِكُ عاصفاتٌ
يحكنَ على معالمها دِثارا
فُمحَّت ما خلا سُفعاً ثلاثاً
وأشعثَ لم يجد أبداً قِرارا
ومَبركَ هجمةِ ومَصَام خيلٍ
ومجلسَ فتيةٍ تحمي الذمارا
فنُحتُ وحمحمتْ فرسي وحنَّت
عَثوثجتي ولم أطق اصطبارا
وظلتُ أريقُ ماء الشوق وَجداً
وأستقري المعالمَ والديارا
كأني لم أجُرَّ الذيلَ فيها
ولم أصبِ الغَواني والعذارى
إذا أبصرنني يختالُ رَهواً
بي المُهرُ المطهَّم حينَ سارا
برزنَ من الخِبَا مُتتابعاتٍ
كما قد يقذفُ الزندُ شرارا
وكم أحرزتُها جيشاً أزَباً
يُثيرُ فيشرقُ الجوَّ الغُبارا
ولم ألبث برايةَ في نعيمٍ
ووصلٍ ما ظننتُ له انبتارا
ورايةُ لا تحبُّ عليَّ حِباً
ولم تُغدِف حَياً دوني خمارا
يوماً ظلتُ بالسمُرات خلواً
أعاتبها فتُفحمني اعتذارا
تقولُ ألاَ أطلتَ حبال وصلي
وليلاتٍ سَلفنَ لنا قِصارا
ألمَّا ترحمي ذُلي وسُقمي
ولم ترعي لنا يوماً جوارا
ألم أمنحكِ دون الَغيدِ وُدّي
ومنذ هجرتِ لم أملك قَرارا
فقالت والذي خلقَ البرايا
وصوَّرَ في السَّما الفلكَ المُدارا
بأنكَ مُنيتي وحبيبُ قلبي
ولم أهجرك عمداً واختيارا
وجدكَ لو مُنيتَ ببعض عشقي
لظلَّ حشاك يستعرُ استعارا
فقلتُ وقد شِرقْتُ بفيض دمعي
وقد أذكى الأسى بحشاي نارا
هل الوجدُ المبرِّحُ غيرُ وَجدي
سوى أني أجمجمه استِتارا
فكائن جُبتُ نحوكِ من فَلاةٍ
ورملٍ مثل أوراكِ العَذارى
أرقتُ فلم أذقْ أبداً غراراً
لبرقٍ لاحَ وَهناً ثم غارا
ويا هل أبصرتْ عيناكَ ظعناً
بهنَّ الكاشحُ المغيارُ سارا
بَكَرْنَ من الصُّفيحِة منجاتٍ
ليُبعدنَ التغرّبَ والمزارا
ورايةُ في الهوادجِ وهي خَودٌ
يضيّقُ لحمُ مِعصمها السِّوارا
لها فرعٌ كجنُحِ الليلِ داجٍ
ووجهٌ مُشرقٌ يحكي النهارا
وريقٌ مثل صافي الشَّهدِ عُلَّ
بكافورٍ مَزجت به عُقارا
وقدٌ مثل خُوطِ البانِ لدنٌ
إذا خطرت تُداني الخَطوَ مارا
وردفٌ مثل موجِ البحرِ فعمٌ
يمزّقُ في تموّجه الإِزارا
ورايةُ أحسنُ الُخَفِراتِ وجها
وأكثرهنَّ عن فحشٍ نفارا
يشوبُ بياضَها الحرُّ اصفراراً
يلوحُ كفضَّةٍ مسَّت نَضارا
عقيلةُ خُرَّد غيدٍ حسانٍ
إذا ذو الُّلبّ أبصرهنَّ حارا
سقى اللهُ الصُّفيحة كلَّ يومٍ
مُلِثَّ القطرِ والديمَ الغِزارا
وبَاكرَها الذّراع بمُسْبكِرٍّ
بجنحِ الليلِ ينهمرُ انهمارا
كأن رعودهَ تحنانُ بُزلٍ
عِشارٍ وُلَّهٍ لاقت عِشارا
أنا ابنُ السَّابقينَ إلى المعالي
فسَلْ عن سبقنا ِقدماً نزارا
أنا أعلى ملوكِ الأزدِ قَدراً
وأعظمها وأجزُلها فخارا
وأبذخُها وإن بذَخَتْ مكاناً
وأكرمُها وإن كرمت نجارا
وأشرفُها على العلاَّت نفساً
وأحماها وأمنعُها ذِمارا
سَلي عن نجدتي الأبطالَ طُراً
إذا ما مِرجلُ الهيجاءِ فارا
وإني مالُ مَن لا مالَ معه
ونَصرة مُستَضامٍ بي استجارا
أرى الإقدام في الهيجاء عَذباً
إذا ما استعذَبَ البطلُ الفرارا
فعمَّا لمحةٍ تَلقي الأعادي
بسيفي القِرن آجالاً قِصارا
وحاشِا محتِدي من أن يُبارى
وللفضلِ الذي لي أن يثارا
أجُودُ بما حويتُ لصونِ عرضي
ولمَّا أرضَ دارَ الشَّمس دارا
وأبذلُ مُهجتي للطّعن جوداً
ولم ألبَس حِذارَ الموت عارا
قصيدة: هل تبكينك الدمن الدروس
يقول الشاعر رؤبة بن العجاج:
هل تبكيك الدمن الدروس
كأنهن الورق المطروس
إذ مركبي وناقتي حبيس
أركب حين يحصد المريس
عوصاء لا يستطيعها الضغبوس
مني ولو أسسَه إبليس
وحاجةً لهمِّها قسيس
كأنها من وصبٍ رسيس
في الجسم أو صهباء خندريس
يلتاح فيها المعكُ البِرعيس
إذا استخفَّ الخلطُ اللقوس
مارسها مني ولي شريس
نقفٌ لحياتِ العدى حسوس
لا سيءُ الحِرصِ ولا يؤوس
للمصعبات مجذَبٌ هاروس
لما رأتني بعد ما أميس
في الريط يكفي لبستي التحلّيس
ومحَّ من لون الشباب الطُوس
ونسيت غيـسانها العروس
وحسَر الأسود والحليص
من لِمَّتي والفَرع الملموس
عن هامةٍ كأنها كُردوس
وقد تراني البقر الكُنُوس
وما لغرَّاتِ المهَا تَجريسة
أزمانَ شيطانُ الصبى نطيس
عادَ الهوى في طوقهِ تنجيس
لا يبعدن عهدُ الصبى المرغوس
لذّاته واللعبُ التّدليس
بل بلدةٍ تمسي عليها العيس
كأنهن الزورق القمُوس
في الماء لولا العرق التَدبيس
يجري بتيهها آلُهَا المألوس
ليس على حيزومها لُبوس
بالوصل من موصولها شطوس
دَوِيَّةٌ وعقدٌ مَرْهُوس
أو شَاخِصٌ مُوَشَّحٌ مَطْمُوس
جاب برحلي حرجٌ لديس
من العنَاقِ الرُبعِ أو سديس
بالمنكبين قذفى رعوس
إذا انتهى عن قصده نعوس
وقد أتى بعد السرى التّعريس
والهامُ والبومُ له تغليس
لم أدري ما قال الصدى المرموس
كأنها ذو وَقفٍ منخوس
مُحملّجٌ في أربعٍ جَسيس
بصلب رَهبى وِردُهُ تَغليس
يقيه حيث أُكربَ الدّخيس
وأبُ الحوامي مِقْرعٌ مَلْطِيس
لوَّحَهنَّ العطشُ النَّسيس
عن مشرعٍ دانٍ له النامُوس
وحيث يُخشى مُنطَوٍ جَلوسُ
بالليلِ في قُتْرَتِهِ حَلُوس
من الشقا محترفٌ جَسُوس
مُجَوَّعٌ طاوِي الحشَا لَحُوس
ليس له في الحي هلْبَسِيس
قد نال منه الجوعُ والتفليس
والمطعَمُ الموجِبُ واللَهِيس
ثم اندرَى مُكَدَّحٌ شَمُوس
ذو جُبَبٍ كأنها فُؤُوس
واندرعت خائفةً وهُوس
فأخطأ الرامي وحفَّ الخيس
وانصاع من وجسٍ له توجيس
حابٍ بلحيى رَأْسِهِ رَدُوس
على صَلاها معطفٌ عَجُوس
أقلح إن عاصينَهُ نَهُوس
بل علم العالمُ والقسيس
أنَّ امرءًا حاربَنا مَمْسُوس
بئس الخلطُ الحَرِبُ المدسوس
ما بالُ أقوام لهم حَسِيس
بيَّنَ في رؤوسهم تنكيس
وهاجِسٌ من أمرهم مَهْجُوس
يثوي عليه يَصْطَلِي المَجُوس
جرَتْ عليه اللُجْمُ والعَطُوس
بنا يُداوي الفَقَمُ الشَّخِيس
والشَّغبُ حتى يسمحَ الضَّرِيس
إنا إذا ما هوَّسَ الهَوِيس
أعطى مُنانا المترفُ العِتْرِيس
حتى يُلِينَ سَأْوَهُ التوكيس
وحشَّ نارَ الفتنةِ التأسيس
وقودها واللهبُ المقبوس
هذا أوانَ قَرُّ النُفُوس
ألقت عصاها الفتنةُ المئوس
وبائقاتٌ ريبُها رَبِيس
ورفض عنْها أَمرُها المَرجُوس
وغيرُنا منها به تنكيس
ضلالٌ في الدين وتطفيس
منا الرئيس ولنا الرؤوس
ولجَب الأَجْنادِ والخميس
وقيسُنا أفْضَلُ مَنْ يَقِيسُ
مَجْداً وفينا الباذخات الشُوس
بِهِمْ نُرَادِي وبِهِمْ نَرِيسُ
فِي كُلِّ يَوْمٍ تحتهُم فَريسُ
مُقَصَّبٌ أو جسدٌ مَحْدُوسُ
وخندفٌ وراءَهَا القُدْمُوسُ
تَزِلُّ عن نطحتِهِ الفُطُوس
وقربُها ووردُها غموس
ضَرْبٌ وطعنٌ بالقَنَا نَحِيس
مُعْتَرِضٌ أو مِسْعَرٌ دَعُوسُ
قصيدة: أعيُنَيَّ جودا بالدموع وأسعِدا
يقول الشاعر محمد بن بشير الخارجي:
أعيُنَيَّ جودا بالدموع وأسعِدا
بني رحم ما كان زيد يُهينها
ولا زيد إلا أن يجود بعبرةٍ
على القبر شاكي نكبَةٍ يستكينها
وما كُنتَ تَلقى وَجه زيدٍ ببلدةٍ
من الأرض إلا وَجهُ زيدٍ يُزينها
لعمرُ أبي الناعي لعمَّت مصيبةٌ
على الناس واختصَّت قُصَيّا رصينُها
وأنّى لنا أمثالُ زيدٍ وجدهُ
مبلِّغُ آياتِ الهدى وأمينُها
وكان حليفَيهِ السماحةُ والندى
فقد فارَقَ الدّنيا نداها ولينُها
غدت غدوةً ترمي لؤَيٍّ بن غالِبٍ
بجعدِ الثَرى فوقَ امرئٍ ما يَشينُها
أغرُّ بطيحِيُّ بكَت مِن فُراقِهِ
عُكاظ فبطحاءُ الصفا فحجونُها
فقل للَّتي يَعلو على الناس صوتُها
ألا لا أعان الله مَن لا يُعينُها
وأرملةً تبكي وقد شقَّ جيبُها
عليه فآبت وهي شعثٌ قُرونُها
ولو فَقِهَت ما يفقهُ الناسُ أَصبَحَت
خواشِعَ أَعلامُ الفَلاةِ وَعينُها
نَعاهُ لنا الناعي فظَلنا كأنَّنا
نَرى الأرضَ فيها آيَةً حانَ حينُها
وزالت بنا أقدامُنا وتقلَّبت
ظهورُ رَوَابيها بِنا وبُطونُها
وآبَ أولو الألباب مِنّا كأنَّما
يَرَونَ شِمالاً فارَقَتْها يَمينُها
سَقَى اللهُ سُقيا رَحمةٍ تُربَ حُفرَةٍ
مقيمٍ على زيدٍ ثَراها وَطينُها