أشعار مصطفى صادق الرافعي: إبداعات شاعر الأدب العربي

تأرجح الدهر حتى اختل

تأرجح الدهر حتى اختل
تأرجح الدهر حتى اختل

تأرجح دهرُكَ حتى اختلّ

وقد يلتوي العطف بلا طرب

ومرّت أزمانٌ وجاءت أزمانٌ

وبين الزمانين عجبٌ كبير

فقومٌ يخفضون إلى جوف الأرض

وقومٌ يرتفعون إلى النجوم

لقد وعظتنا تقلبات الزمان

وبعضُ الآلام كالأقوال

ولو عرف الناس لم يقودهم

سبيل المنافع إلا المصائب

فيا ربَّ داء قد يكون دواءً

عندما يعجز الطبُّ والمستطب

ومن شقاء الدهر أن الذي

أزال الهموم أصبح في كرب

وإن انساناً كان في الخاسرين

فأصبح بينهم يُستلب

ألست ترى العرب الماجدين

وكيف يُهدم مجد العرب؟

فأين الذي شيدته الرماح؟

وأين الذي أقامته القضب؟

وأين القمم التي تعزّ لنا

حتى تكاد تلمسها السحب؟

لقد أشرق العلم عندما أشرقنا

ولا زال يضوء حتى غاب

وكنا قد صعدنا مرقات المجد

فأصبح صاعدنا في انخفاض

كم كان فينا أصحاب هممٍ

وصلوا بعزمهم إلى مراتب الرتب

وكم من أسدٍ ترقص البرايا

إذا خاف أو وثب

وأقسم لولا غفلة العقول

لما كفّت أربابها عن طلب

ولو لم يكن الذي حصل بينهم

لما استصعبوا في العلا ما صعب

ومن يُشبع النفس ما تشتهي

كمن يُشبع النار جزل الحطب

ألا رحم الله دهراً مضى

وما كاد يبتسم حتى انتحب

وحيّ ليالي كنا فيها

رعاةً لمن نأى واقترب

فملكٌ نبته عند الكبوة

وعرشٌ تقام عند الانقلاب

اسألوا ذلك الشرق عن مصابه

فقد أرسلته في طريق الهلاك

لو أن بنيه أجلوا بنيه

لأصبح خائبهم لم يخيب

فقد كان منهم مقر العلوم

كما كان فيهم مقر الأدب

وهل تنبتُ الزهرُ أغصانه

إذا نضب كلّ غديرٍ ماءه؟

وكم مرشدٍ بات بينهم

يسام الهوان وسوء الحظ

كأن لم يكن صدره ينبوعاً لما جرى منه

عند تمام قلبه

ومن يسابق للهداية غايةً

فأولى به من سواه الجهد

وليس ضاراً بمطلبٍ

إذا منعه الناس عما طلب

فكم من مصابيح كانت تُضيء

بين الرياح إذا لم تهب

وما عابَ من صدفٍ لؤلؤٌ

ولا عابَ قدرا التراب الذهب

بنو الشرق، أين الذي بيننا

وبين رجال العلا من نسب؟

لقد غابت الشمس عن أرضكم

إلى حيثٍ لو شئتم لم تغب

إلى الغرب حيث أولئك الرجال

تلك العلوم وتلك الكتب

وإن كان مما أردتم فما

تنال العلا من وراء الحجب

فادوروا مع الناس كيف استداروا

فإن لحكم الزمان الغلب

ومن عاند الدهر فيما يحب

رأى من أذى الدهر ما لا يُحب

أتاك المديح بلا إبطاء

أتاك المديح بلا إبطاء
أتاك المديح بلا إبطاء

أتاك المديح بلا إبطاء

فأنت لها مؤتمن وأنت لها أب

وما وجدت مثلي شاعراً لها اليوم

أيديك تمليها علي فأكتب

وهل لغتي إذا مدحتك مبدعة

وهل بياني ساحرٌ حين أنسب؟

دع الشعرَ يأتينا بموجاتٍ

إليك، ويلقيه من البر نسيمٌ

فإن قصد الأرقى الطاهين مكة

فهذه كعبة الشعر يترب

طلعت عليها طلعة البدر بعد

تجلّلها من مظلمة الظلم

بوجهٍ لو أن الشمس نظرت إليه

لكانت ضحوة الصبح تغرب

فجليتَ عنها ما أدلهمّ وأبرق

أسارير كانت قبل ذلك كفيفة

وهل كنتَ إلا ابن الذي فاض برهُ

عليها كما انهمر الغمام وأعذبُ

فكن مثله عدلاً وكن مثله تقوى

وصن لبنيه ما يد الدهر تنهب

سما بك أصلٌ ضرب الأفق ذكره

وسارت به الأمثال في الأرض تضرب

وقومٌ هم كواكب، كلما

تغيب منهم كوكبٌ لاح كوكبُ

وهم معشر الفاروق من كل مغلبٍ

نماه إلى ليث العرينة أغلب

حفظتَ لهم مجداً وكان مضيعا

وأبقيت فخراً كان لولاك يذهب

ونالكَ فضل الله والملك الذي

أرى كل ملكٍ دونه يتهيب

إذا ذكروهُ، كبر الشرق بهجةً

وإن لقبوهُ أكبر الشرق مغربٌ

يصدع قلبَ الحاسدين وإنه

إلى كل قلبٍ في الورى محبوبٌ

ويرضي رعاياهُ فيردي عدوهُ

وما زال في الحالين يرجى ويُخيف

حباكَ بها غراءً يفترُ ثغرها

وكنتَ لها بعلاً وغيركَ يخطب

وكم أمَلَتها أنفس فتحجبت

وبنت العُلى إلى عن الكفء تحجب

سموتَ إليها وما توقف الزمنُ

ذوائبُ قومٍ دونها تتذبذب

فطر فوقها، ما العز عنكَ بغائبةٍ

وفضلُ أمير المؤمنين مقربٌ

كأني بربّ الروضة اليوم باسماً

وصديقهُ يزهى وجدكَ يعجبُ

ويثرب مما أدركت من رجائها

بقدومك الميمون باتت ترحب

لسببٍ ترتفع السحاب

لسببٍ ترتفع السحاب
لسببٍ ترتفع السحاب

لسببٍ يرتفع السحاب

ولا يسمو إلى الأفق التراب

وما استوت النفوس بشكل جسمٍ

وهل يُخبرك بالسيف التراب؟

وما سيان في طمع وحرصٍ

إذا ما الكلب أشبهه الذئاب

رأيت الناس كالأجساد تعلو

لعزتها في القدم الرقاب

فليس من الغريب سموّ امرأةٍ

على رجلٍ قد ترتّله الثياب

ولو نفساهما بدتا لعيني

لما ميزت أيّهما الكعاب

إنَّ لباطن الأشياء سراً

به قد أعجز الأسد الذئاب

فيا لرجال قومي من شموسٍ

إذا قرنوا بها انقشع الضباب

نساء غير أنّ لهنّ نفساً

إذا همت تسهلت الصعاب

فإن تلقى البحار تكن سفينةً

وإن ترد السما فهي الشهاب

ضعاف غير أنّ لهنّ رأيا

يسدده إلى القصد الصواب

وما من شيمةٍ إلا وفيها

لهنً يدٌ محامدها خضاب

وقومي مثل ما أعلم وتعلم

فهم لسؤال شاعرهم جواب

رجالٌ غير أن لهم وجوهاً

أحقّ بها لعمرهم النقاب

غطارفة إذا انتسبوا ولكن

إذا عدّوا، تصعلك الانتساب

جدودهم لهم في الناس مجدٌ

وهم لجدودهم في الناس عاب

ومن يقل الغراب ابن القماري

يكذبه إذا نعب الغراب

عجيبٌ والعجائب بعد شتى

بأننا في الورى شيء عجاب

تقدمنا النساء ونفوس قومي

من اللاتي عليهن الحجاب

وما غير النفوس هي البرايا

وأنثاها أو الرجل الإهاب

مدادك في ثغر الزمان عذب

مدادك في ثغر الزمان عذب
مدادك في ثغر الزمان عذب

مدادك في ثغر الزمان عذب

وخطكِ في كلتا يديه خضاب

وكفك في مثل البدر قد لاح نصفه

فلا بدع في أن اليراع شهاب

كلحظك أو مُنضى، وإن كان آسيا

جراح اللواتي ما لهن قريب

يمجّ كمثل الشهد مجته نحلةٌ

وإن لم يكن فيما يمجّ شراب

ويكتب ما يحكي العيون ملاحةً

وما السحر إلا مقلةٌ وكتاب

فدونك عيني فاستمدي سوادها

وهذا فؤاد طاهر وشباب

أرى الكف من فوق اليراع حمامةً

وتحت جناحيها يطير غراب

كأن أديم الليل طرس كتبته

وفيه تباشير الصباح عتاب

كأن جبين الفجر كان صحيفةً

كأن سطور الخط فيه ضباب

كأن وميض البرق معنى قدحته

كأن التماع الأفق فيه صواب

كأنك إما تنظري في كتابةٍ

ذكاءٌ وأوراق الكتاب سحاب

أراك ترجين الذي لستِ أهله

وما كل علمٍ إبرةٌ وثياب

كفى الزهر ما تندى به راحة الصبى

وهل للندى بين السيول حساب؟

وما أحمق الشاة استغرت بظلفها

إذا حسبت أن الشياه ذئاب

فحسبك نبلا قول الناس أنجبت

وحسبك فخرا أن يصونك باب

لك القلب من زوج وولد ووالد

وملك جميع العالمين رقاب

ولم تخلقي إلا نعيما لبائسٍ

فمن ذا رأى أن النعيم عذاب؟

دعي عنك قوم زاحمتهم نساءهم

فكانوا كما حفت الشراب ذباب

تساووا فهذا بينهم مثل هذه

ويسيّان معنى يافع وكعاب

وما عجبي أن النساء ترجلن

ولكن تأنيث الرجال عجاب

نظروا إلى الكأس فقالوا

نظروا إلى الكأس فقالوا
نظروا إلى الكأس فقالوا

ومن مقطوعات مصطفى الرافعي الشعرية القصيرة:

نظروا إلى الكأس فقالوا

إنها دمعة صبّ

قلت بل ذاك فؤادي

ذاب من نيران حبي

فاعذروني في هواها

إنما أشربُ قلبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *