أشهر قصائد نزار قباني
إليكم مجموعة من أبرز وأجمل قصائد الشاعر الكبير نزار قباني:
قصيدة خمس دقائق
اجلسي لخمس دقائق فقط، لا يريد الشعر أن يسقط كالدرويش في غيبوبته الكبرى إلا لخمس دقائق. لا يتطلب الشعر أكثر من ذلك ليخترق لحم الورق العاري. فعشقيني لدقائق، ثم اختفي عن ناظري. لست بحاجة إلى أكثر من علبة كبريت لإشعال ملايين الحرائق. إن أقوى قصص الحب التي أعرفها لم تدم أكثر من خمس دقائق.
قصيدة أبي
أمات أبوك؟ ضلالٌ! أنا لا يمكن أن أموت أبدًا، هنا ركنه وتلك أشياؤه. تفتق عن ألف غصنٍ صبي، جريدته وتبغه ومرتجه. كأن أبي لم يرحل. صحن الرماد وفنجانه لا يزالان كما هما، ولم يشرب. نظارتهما، هل يستطيع الزجاج أن ينسى عيونًا أشف من المغرب؟ بقاياه في الحجرات الفسيحة، وبقايا النور على الملعب. أجول الزوايا عليه، فحيث أمر، أمر على معشب. أشد يديه، أميل عليه، أصلي على صدره المتعب. أبي، لم يزل بيننا والحديث يسامرنا. فالدوالي الحبلى تتوالد من ثغره الطيب. أبي خبرٌ كان من جنةٍ ومعنى من الأرحب. وعينا أبي، ملجأٌ للنجوم. فهل يذكر الشرق عيني أبي؟ بذاكرة الصيف من والدي، وكروماً، وذاكرة الكوكب.
قصيدة حبيبتي والمطر
أخاف أن تمطر الدنيا ولست معي. منذ رحلت وعندي عقدة المطر. كان الشتاء يغطيني بمعطفه فلا أفكر في بردٍ أو ضجر. كانت الريح تعوي خلف نافذتي فتهمسين بأن تمسكها شعري، والآن أجلس والأمطار تعضني على ذراعي ووجهي وعلى ظهري. فمن يدافع عنّي يا مسافرة مثل اليمامة بين العين والبصر؟ كيف أمحوك من أوراق ذاكرتي، وأنت في القلب مثل النقش في الحجر؟ أنا أحبك، يا من تسكنين دمي. إن كنت في الصين أو إن كنت في القمر، أخاف أن تمطر الدنيا ولست معي.
قصيدة حب بلا حدود
يا سيدتي، كنتِ أهم امرأة في تاريخي قبل رحيل العام. أنت الآن، أهم امرأة بعد ولادة هذا العام. أنتِ امرأة لا أحسبها بالساعات أو بالأيام. أنتِ امرأة صُنعت من فاكهة الشعر ومن ذهب الأحلام. أنتِ امرأة كانت تسكن جسدي قبل ملايين الأعوام. يا سيدتي، يا مغزولة من قطن وغمام. يا أمطارًا من ياقوت، يا أنهارًا من نهوند، يا غابات رخام. يا من تسبح كالأسماك في ماء القلب، وتسكن في العينين كسرب من الحمام. لن يتغير شيء في عاطفتي أو إحساسي أو وجداني أو إيماني، فأنا سأظل على دين الإسلام. سيدتي، أنتِ خلاصة كل الشعر ووردة كل الحريات. يكفي أن أتهجى اسمك حتى أصبح ملك الشعر وفرعون الكلمات. يكفي أن تعشقني امرأة مثلك حتى أدخل كتب التاريخ وتُرفع من أجلي الرايات.
قارئة الفنجان
جلست والخوف بعينيها تتأمل فنجاني المقلوب. قالت: يا ولدي، لا تحزن، فالحب عليك هو المكتوب. يا ولدي، قد مات شهيدًا من مات على دين المحبوب. فنجانك دنيا مرعبة، وحياتك أسفار وحروب. ستحب كثيرًا وكثيرًا، وتموت كثيرًا وكثيرًا، وستعشق كل نساء الأرض.
: بحياتك يا ولدي امرأةٌ
عيناها، سبحان المعبود. فمها مرسوم كالعنقود. ضحكتها موسيقى وورود، لكن سماءك ممطرة والطريق مسدود. فحبيبة قلبك، يا ولدي، نائمة في قصر مرصود. والقصر كبير يا ولدي وكلاب تحرسه وجنود. وأميرة قلبك نائمة، من يدخل حديقتها مفقود. من يطلب يدها، من يدنو من سور حديقتها، مفقود. من حاول فك ضفائرها، يا ولدي، مفقود. بصّرت ونجّمت كثيرًا، لكني لم أقرأ أبدًا فنجانًا يشبه فنجانك. لم أعرف أبدًا يا ولدي، أحزانًا تشبه أحزانكم. مقدورك أن تمشي أبدًا في الحب على حد الخنجر، وتظل وحيدًا كالأصداف، وتظل حزينًا كالصفصاف. مقدورك أن تمضي أبدًا في بحر الحب بغير قلع، وتحب ملايين المرات وتعود كالملك المخلوع.
اختاري
إني خيرتك فاختاري، ما بين الموت على صدري، أو فوق دفاتر أشعاري. ااختاري الحب أو اللاحب، فجبنٌ ألا تختاري. لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار. ارمِ أوراقك كاملةً، وسأرضى عن أي قرار. قولي، انفعلي، انفجري، لا تقفي مثل المسمار. لا يمكن أن أبقى أبدًا كالقشة تحت الأمطار. اختاري قدرًا بين اثنين، وما أعنفها أقداري. رهقانة أنتِ، وخائفة، وطويل جدًا، مشواري. اغوصي في البحر، أو ابتعدي، لا بحرٌ من غير دوار. الحب مواجهة كبرى، إبحار ضد التيار. صلب وعذاب ودموع ورحيل بين الأقمار. يقتلني جبنكِ، يا امرأة، تتسلى من خلف ستار. إني لا أؤمن في حب لا يحمل نزق الثوار، لا يكسر كل الأسوار ولا يضرب مثل الإعصار. آه لو حبكِ يبلعني، يقلعني مثل الإعصار. إني خيرتك فاختاري، ما بين الموت على صدري أو فوق دفاتر أشعاري. لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار.
قصيدة أنا والنساء
أريد الذهاب إلى زمن سابق لمجيء النساء، إلى زمن سابق لقدوم البكاء. فلا فيه ألمح وجه امرأة ولا فيه أسمع صوت امرأة. أريد الخروج من البئر حيًا، وأهرس تحت الكعوب الرفيعة، تحت العيون الكبيرة، تحت رنين الحلى وجلود الفراء. أريد الخروج من الثقب كي أتنفس بعض الهواء.
بالأحمر فقط
في كل مكان في الدفتر اسمك مكتوب بالأحمر. حبك تلميذ شيطاني يتسلى بالقلم الأحمر. يرسم أسماكًا من ذهب ونساء من قصب السكر، وهنودًا حمرًا وقطارًا. ويحرك آلاف العساكر، يرسم طاحونه وحصانًا، يرسم طاووسًا يتبختري، وقوارب صيد وطيورًا وردية المئزر. يرسم بالورد والياقوت، ويترك جرحًا في الدفتر. حبك رسام مجنون لا يرسم إلا بالأحمر، ويخربش فوق جدار الشمس، ولا يرتاح ولا يضجر. ويصور عنترة العبسي، ويصور عرش الإسكندر. ما كل قياصرة الدنيا؟ ما دمت معي، فأنا القيصر.
اغضب
اغضب كما تشاء، وجرح أحاسيسي كما تشاء. حطم أواني الزهور والمرايا، هدد بحب امرأةٍ سوايا، فكل ما تفعله سواء، كل ما تقوله سواء. فأنت كالأطفال، يا حبيبي، نحبهم مهما أساءوا. اغضب! فأنت رائع حقًا متى تثور. اغضب! فإن لولا الموج ما تكوّنت بحور. كن عاصفًا، كُن ممطرًا، فإن قلبي دائمًا غفور. اغضب! لن أجيب بالتحدي، فأنت طفل عابث يملؤه الغرور. وكيف من صغارها، تنتقم الطيور؟ اذهب، إذا يومًا مللت مني، واتهم الأقدار واتهمني. أما أنا فإني سأكتفي بدمعي وحزني. فالصمت كبرياء والحزن كبرياء. اذهب إذا أتعبك البقاء، فالأرض فيها العطر والنساء، والأعين الخضراء والسوداء. وعندما تريد أن تراني، وعندما تحتاج كالطفل إلى حناني، فعُد إلى قلبي متى تشاء. فأنت في حياتي الهواء، وأنت عندي الأرض والسماء. اغضب كما تشاء، واذهب كما تشاء، واذهب متى تشاء. لا بد أن تعود ذات يوم وقد عرفت ما هو الوفاء.