يُعتبر الشعر الجاهلي من أروع فنون الأدب العربي، حيث أسهم شعراؤه بشكل كبير في إثراء اللغة والفصاحة. من بين الموضوعات التي اتسمت بها أشعارهم، تبرز قصائد الحب التي تعكس عمق المشاعر الإنسانية وجمال التعبير.
قصائد حب من العصر الجاهلي
تعد قصيدة “أبت مذْكر من حب ليلى تُعَوِّدني” للشاعر زهير بن أبي سلمى واحدة من أبرز قصائد الحب في هذا العصر. يقول فيها:
عِيادَ أَخي الحُمّى إِذا قُلتُ أَقصَرا
كَأَنَّ بِغُلّانِ الرَسيسِ وَعاقِلٍ
ذُرى النَخلِ تَسمو وَالسَفينَ المُقَيَّرا
أَلَم تَعلَمي أَنّي إِذا وَصلُ خُلَّةٍ
كَذاكِ تَوَلّى كُنتُ بِالصَبرِ أَجدَرا
وَمُستَأسِدٍ يَندى كَأَنَّ ذُبابَهُ
أَخو الخَمرِ هاجَت حُزنَهُ فَتَذَكَّرا
هَبَطتُ بِمَلَبينٍ كَأَنَّ جِلالَهُ
Nَضَت عَن أَديمٍ لَيلَةَ الطَلِّ أَحمَرا
أَمينِ الشَوى شَحطٍ إِذا القَومُ آنَسوا
مَدى العَينِ شَخصاً كانَ بِالشَخصِ أَبصَرا
كَشاةِ الإِرانِ الأَعفَرِ اِنضَرَجَت لَهُ
كِلابٌ رَآها مِن بَعيدٍ فَأَحضَرا
وَخالي الجَبا أَورَدتُهُ القَومَ فَاِستَقَوا
بِسُفرَتِهِم مِن آجِنِ الماءِ أَصفَرا
رَأَوا لَبَثاً مِنّا عَلَيهِ اِستَقاؤُنا
وَرِيُّ مَطايانا بِهِ أَن تُغَمَّرا
وَخَرقٍ يَعِجُّ العَودُ أَن يَستَبينَهُ
إِذا أَورَدَ المَجهولَةِ القَومُ أَصدَرا
تَرى بِحِفافَيهِ الرَذايا وَمَتنِهِ
قِياماً يُقَطِّعنَ الصَريفَ المُفَتَّرا
تَرَكتُ بِهِ مِن آخِرِ اللَيلِ مَوضِعي
فِراشي وَمُلقايَ النَقيشَ المُشَمَّرا
وَمَثنى نَواجٍ ضُمَّرٍ جَدَلِيَّةٍ
كَجَفنِ اليَمانِي نَيُّها قَد تَحَسَّرا
وَمَرقَبَةٍ عَرفاءَ أَوفَيتُ مَقصِرًا
لَأَستَأنِسَ الأَشباحَ فيها وَأَنظُرا
شعر غزل عفيف من العصر الجاهلي
اتسم شعراء الجاهلية ببلاغة مدهشة، إذ كانوا معروفين بفصاحتهم الفائقة. ومن أبرز أشعار الغزل العفيف في تلك الحقبة:
إذا الريحُ هبَّتْ منْ ربى العلم السّعدي
طفا بردها حرَّ الصبابة والوجدِ
ولولا فتاة في الخيام مُقيمَة
لما اختَرْتُ قربَ الدار يوماً على البعدِ
مُهفْهَفة والسِّحر من لَحظاتها
إذا كلمتْ ميتاً يقوم من اللحد
أشارت إليها الشمس عند غروبها
تقُول: إذا اسودَّ الدجى فاطلعي بعدي
وقال لها البدر المنير: ألا اسفري
فإنك مثلي في الكمال وفي السعدِ
فولت حياءً ثم أرخت لثامها
وقد نثرت من خدها رطب الورد
وسلَّت حساماً من سواجي جفونها
كسيْف أبيها القاطع المرهف الحدّ
تقاتل عيناها به وهو مغمدٌ
ومن عجبٍ أن يقطع السيف في الغمدِ
مُرنِّحة الأكتاف مَهضومة الحشا
منعمة الأطراف مائسة القدِّ
يبيت فتات musk تحت لثامها
فيزداد من أنفاسها أرج الندِ
ويطلع ضوء الصبح تحت جبينها
فيغشاه ليل من دجى شعرها الجعد
وبين ثناياها إذا ما تبسمت
مدير مدامٍ يمزج الراحَ بالشهد
شعر غزل صريح من العصر الجاهلي
تميز شعراء الجاهلية بمهاراتهم في نظم مختلف أنواع الشعر. ومن أبرز أشعار الغزل الصريح، نجد قصائد النابغة الذبياني، ومن بينها:
سَقَطَ النّصيفُ ولم تُرِدْ إسقاطَهُ
فتناولتهُ واتقتنا باليد بمُخَضَّبٍ رَخْصٍ
كأنّ بنانَهُ عنمٌ على أغصانه لم يعقدِ
نظرَتْ إليك بحاجة لم تَقْضِها نظرَ السقيمِ
إلى وجوه العودِ قامتْ تراءى بينَ سجفي كلة
كالشّمسِ يومَ طُلُوعِها بالأسعُدِ
أو درّةٍ صَدَفِيّةٍ غوّاصُها بهجٌ متى يرها
يهلّ ويسجدِ أو دُميَةٍ مِن مَرْمَرٍ
مرفوعة مِن لُؤلُؤٍ متتابِعٍ، مُتَسَرِّدِ
لو أنها عرضت لأشمطَ راهب
عبدِ الإله صرورة متعبدِ لرنا لبهجتها
وحسنِ حديثها ولخالهُ رشداً وإن لم يرشدِ.
قصيدة حب بديعة من الشعر الجاهلي
يُعتبر امرؤ القيس من أبرز الشعراء في العصر الجاهلي، حيث اكتسب شهرة كبيرة بفضل قصائده الفصيحة والمعبرة. ومن قصائده الشهيرة:
رَمَتني بِسَهمٍ أَصابَ الفُؤادَ
غَداةَ الرَحيلِ فَلَم أَنتَصِر
فَأَسبَلَ دَمعي كَفَضِّ الجُمانِ
أَوِ الدُرِّ رَقراقه المُنحَدِر
قد بَلَوْتُ الدهر وَصلاً وقلًى
وَوَرَدْتُ الحبَّ غمراً وثمادا
فتمنَّيْتُ مع الوصل القلى
وتخيَّرْتُ على القرب البعادا
شعر جاهلي بديع عن الحب
يُعتبر شعر الجاهلية فنًا راقياً لا يمكن مقارنته بأي نوع آخر، حيث لم يتمكن أحد من مواجهة عظمة تلك القصائد. حتى أن القرآن الكريم تعدّى كونه نصًا دينيًا واصطفى التحدي أمامهم. ومن أجمل أشعار الحب نذكر:
تَدَاوَيْتُ مِنْ لَيْلَى بِلَيْلَى عَن الْهَوى
كَمَا يَتَدَاوَى شَارِبُ الخَمْرِ بِالْخَمْرِ
ألا زعمت ليلى بأن لا أحبها
بَلَى وَاللَّيَالِي العَشْرِ والشَّفْعِ وَالْوَتْرِ
بَلَى وَالَّذي لاَ يَعْلَمُ الغَيْبَ غيْرُه
بِقَدْرَتِهِ تَجْرِي السَّفَائِنُ فِي الْبَحْرِ
بَلَى والَّذِي نَادَى مِنَ الطُّورِ عَبْدَهُ
وعظّم أَيّامَ الذبيحةِ والنحر
لَقَدْ فَضَّلْتُ لَيْلَى عَلَى النّاسِ مِثلَ مَا
عَلَى أَلْفِ شَهْرٍ فَضَّلَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ.