الشعر العربي الفصيح
يتميز الشعر الفصيح بجودته العالية ولغته الراقية التي تعكس فصاحة وجزالة في المفردات. يتميّز هذا النوع من الشعر بالتزامه بقافية واحدة وبحر شعري محدد، حيث تضم جميع كلماته تعبيرات عربية فصيحة وقوية. في العصور السابقة، تنافس الشعراء في نظم الأشعار التي تناولت مواضيع متعددة تتعلق بالحياة، مثل شعر الحكمة، الشجاعة، الغزل والحب، وغيرها. في هذا المقال، سوف نستعرض معكم أجمل مقتطفات من الشعر العربي الفصيح.
شعر فصيح للإمام الشافعي
الإمام الشافعي، محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الهاشمي القرشي، المعروف بأبي عبد الله، هو أحد الأئمة الأربعة. وُلد الشافعي في مدينة غزة بفلسطين، وكان شاعراً بارعاً ومفكّراً كبيراً في الفقه، حيث بدأ يتولى الفتيا منذ سن العشرين. انتقل الإمام الشافعي إلى مصر في عام 199م حيث توفي ودفن في القاهرة. ومن أبرز أشعاره الفصيحة ما يلي:
دعِ الأيام تفعل ما تشاء
دعِ الأيامَ تفعل ما تشاءُ
وطب نفساً إذا حكم القضاءُ
ولا تجزع لنازلة الليالي
فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ
وكن رجلاً على الأهوال جلداً
وشيمتك السماحة والوفاءُ
وإن كثرت عيوبكَ في البرايا
وسرك أن يكون لها غطاءُ
تستتر بالسخاء فكل عيب
يغطيه كما قيل السخاءُ
ولا تَر للأعادي قط ذلاً
فإن شماتة الأعداء بلاء
ولا ترجوا السماحة من بخيلٍ
فما في النار للظمآن ماءُ
ورزقُكَ ليس ينقصه التأنّي
وليس يزيد في الرزق العناءُ
ولا حزن يدوم ولا سرور
ولا بؤس عليك ولا رخاءُ
ومَن نزلت بساحته المنايا
فلا أرض تقيه ولا سماءُ
وأرض الله واسعة ولكن
إذا نزل القضاء ضاق الفضاءُ
دعِ الأيامَ تغدر كل حين
فما يغني عن الموت الدواءُ
إليك إله الخلق أرفع رغبتي
إليك إله الخلق أرفع رغبتي
وإن كنتُ – يا ذا المنّ والجود – مجرماً
ولما قسا قلبي، وضاقت مذاهبي
جعلتُ الرجاء مني لعفوك سلّماً
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
فما زلتَ ذا عفو عن الذنب لم تزل
تجودُ وتعفو منّةً وتكرّماً
فلولاك لم يصمد لإبليس عابدٌ
فكيف وقد أغوى صفيك آدما
فيا ليت شعري هل أصير جنةً
أهنا وأما للسعير فأندم
فإن تعفُ عني تعفُ عن متمردٍ
ظلومٍ غشومٍ لا يزايل مأثما
وإن تنتقم مني فلستُ بآيسٍ
ولو أدخلوا نفسي بجُرم جهنّماً
فلله در العارف الندب إنه
تفيض لفَرقَ الوجد أجفانه دمًا
يقيم إذا ما الليل مد ظلامه
على نفسه من شدة الخوف مأتما
فصيحاً إذا ما كان في ذكر ربه
وفي ما سواه في الورى كان أعجمًا
ويذكر أيامًا مضت من شبابه
وما كان فيها بالجهالة أجرمًا
فصار قرين الهم طول نهاره
أخا السهد والنجوى إذا الليل أظلم
يقول حبيبي أنت سؤلي ومرغتي
كفى بك للراجين سؤلاً ومغنمًا
ألست الذي غذيتني هديتني
ولا زلتَ منّاناً عليّ ومنعما
عسى من له الإحسان يغفر زلتي
ويستر أوزاري وما قد تقدما
شعر متنوع للإمام الشافعي
- يُخاطبني السفيه بكل قبحٍ
فأكره أن أكون له مجيبًا
يزيد سفاهةً فأزيد حلمًا
كعودٍ زاده الإحراق طيبًا
- وعين الرضا عن كل عيب كليلةٌ
ولكن عين السخط تبدي المساويَا
ولست بهيّاب لمن لا يهابني
ولست أرى للمرء ما لا يرى ليَا
فإن تدنُ مني، تدنُ منك مودتي
وأن تنأ عني، تلقني عنكَ نائياً
كلاَنا غني عن أخيه حياته
ونحن إذا متنا أشد تغانيَا
شعر فصيح للمتنبي
المتنبي، أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي، المعروف بأبو الطيب المتنبي. وُلد في الكوفة ونشأ في الشام. مدح المتنبي سيف الدولة ابن حمدان صاحب حلب، ومدح كافور الإخشيدي في مصر، لكن لم يُولّه أي منصب مما أغضبه فعاد يهجوه، كما مدح عضد الدولة في شيراز. وقد قُتل أبو الطيب على يد فاتك بن أبي جهل الأسدي بالقرب من بغداد.
الخيل والليل والبيداء تعرفني
الخَيْلُ والليلُ والبيداء تعرفني
والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلمُ
صحبتُ في الفلواتِ الوحش منفرداً
حتى تعجبَ مني القُورُ والأكمُ
يا من يَعزُّ علينا أن نفارقهم
وجدانا كل شيءٍ بعدكم عدمُ
ما كان أخلقنا منكم بتكرمةٍ
لو أن أمركم من أمرنا أممُ
إن كان سرّكم ما قال حاسدنا
فما لجُرحٍ إذا أرضاكم ألمُ
وبيننا لو رعيتم ذاك معرفةٌ
إنّ المعارفَ في أهل النُهى ذممُ
كم تطلبون لنا عيبًا فيُعجزكم
ويكره الله ما تأتون والكرمُ
ما أبعد العيب والنقصان من شرفي
أنا الثريّا وذانِ الشيبُ والهرمُ
ليت الغمامَ الذي عندي صواعقه
يزيلهن إلى من عنده الديمُ
أرى النوى يقتضيني كل مَرحلةٍ
لا تستقلّ بها الوخّادةُ الرسمُ
لئن تركنا ضميرًا عن مياخينا
ليحدثنّ لمن ودعتهم ندمُ
إذا ترحلت عن قومٍ وقد قدروا
أن لا تفارقهم فالراحلون همُ
شرّ البلاد مكانٌ لا صديق به
وشر ما يكسب الإنسان ما يصمُ
وشر ما قنصتْهُ راحتي قنصٌ
شهبُ البزاة سواء فيه والرخمُ
بأي لفظٍ تقول الشعر زعنفهٌ
تجوز عندك لا عربٌ ولا عجمُ
هذا عتابك إلا أنه مقةٌ
قد ضُمّن الدرّ إلا أنه كلمُ
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً
كفى بكَ داءً أن ترى الموت شافياً
وحسبُ المنايا أن يكن أمانياً
تمنّيتها لما تمنّيت أن ترى
صديقًا فأعيَا أو عدوا مُداجِيًا
إذا كنت ترضى أن تعيش بذلّةٍ
فلا تستعدّنّ الحُسامَ اليمانيّا
ولا تستطيلنّ الرماحَ لغارةٍ
ولا تستجيدنّ العتاق المذاكيا
فما ينفعُ الأسودَ الحياءُ من الطوى
ولا تُتقى حتى تكون ضواريَا
حببتك قلبي قبل حبك من نأى
وقد كان غدّاراً فكن أنت واسعاً
وأعلمُ أنّ البين يُشكيك بعده
فَلَسْتَ فؤادي إن رأيتُكَ شاكياً
فإنّ دموعَ العين غدرٌ بربها
إذا كُنّ إثر الغادرين جواريا
إذا الجود لم يُرزق خلاصاً من الأذى
فلا الحمدُ مكسوبًا ولا المالُ باقياً
وللنفس أخلاق تدل على الفتى
أكانَ سخاءً ما أتى أم تساخيا
أقلّ اشتياقًا أيتها القلب، ربما
رأيتكَ تصفي الودّ من ليس صافيّا
خلقتُ أُلُوفاً لو رجعتُ إلى الصبَى
لفارقتُ شيبي موجع القلب باكياً
ولكن بالفسطاط بحراً أزرته
حياتي ونصحي والهَوَى والقافيَا
وجُرْداً مددنا بين آذانها القنا
فبتنا خفافاً يتبعن العواليَا
تماشى بأيدٍ كلما وافَتِ الصفَا
نقشتْنَ بهِ صدرَ البزاةِ حَوَافِيَا
وتنظرُ من سودٍ صوادقَ في الدجى
يرَينَ بعيداتِ الشخوصِ كما هيَا
شعر عن الشجاعة
- يقول أبو الطيب المتنبي:
الرأيُ قبل شجاعةِ الشجعانِ
هو أولٌ وهي المحل الثاني
فإذا هما اجتمعا لنفسٍ مرّةٍ
بلغت من العلياء كل مكانِ
ولربما طعن الفتى أقرانه
بالرأي قبل تطاعن الأقرانِ
لولا العقول لكان أدنى ضيغماً
أدنى إلى شرفٍ من الإنسانِ
ولما تفضّلت النفوس ودبّرت
أيدي الكماة عواليَ المرّانِ
لولا سميُّ سيوفه ومضاؤه
لما سُلِلنّ لكن كالأجفانِ
- الشاعر أحمد شوقي، وُلد عام 1868 في القاهرة. درس الحقوق وسافر إلى فرنسا لاستكمال دراسته حيث مكث ثلاث سنوات. عاد إلى مصر عام 1893 ومعه شهادة التخرج. أثناء الحرب العالمية الأولى، تم نفي أحمد شوقي إلى الأندلس، وتوفي عام 1932. وقد عبّر عن الشجاعة بقوله:
وما في الشجاعة حتف الشجاعِ
ولا مدّ عمر الجبان الجبن
ولكن إذا حانَ حين الفتى
قضى، ويعيش إذا لم يحن
ألا أيها الشريف الرضي
أبو السمراء الرماح اللدن
شهيد المروءة كان البقيعُ
أحقَّ به من تراب اليمن
فهل غسلّوه بدمع العُفاة
وفي كل قلبٍ حزينٍ سكن؟
لقد أغرقَ ابنكَ صرفُ الزمانِ
واغرقتم أبناءَه بالمِنن
أتذكر إذ هو يطوي الشهور
وإذ هو كالخشف حلو أغن؟
وإذ هو حولك حسنُ القصور
وطِيبُ الرياض، وصَفْوُ الزمن؟
بشاشته لذةٌ في العيون
ونغمتُه لذةٌ في الأذن؟
يلاعب طرّتهُ في يديكَ
كما لاعبَ المهرُ فضل الرسن؟
وإذ هو كالشبل يحكي الأسودَ
أدلّ بمخلبه وافتتن؟
فشَبَّ، فقامَ وراء العرينِ
يَشُبّ الحروبَ، ويُطفِي الفِتَن؟
فما باله صار في الهامدين
وأمسى عفاءً كأن لم يكن؟
نظمتُ الدموعَ رثاءً له
وفصلتُها بالأسى والشجن.