أحمد بن حنبل وقصة الخباز

الإمام أحمد بن حنبل

الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيَّان هو أحد أعلام الفقه والحديث في الإسلام. يعود نسب الإمام إلى شيبان، حيث يتصل نسبه بالنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في نزار بن معد. وُلِد الإمام أحمد في بغداد في شهر ربيع الأول من عام 164 هـ (681 م)، حيث كانت والدته قادمة من مرو وهي حامل به، بينما تعود جذور أسرته إلى البصرة. نشأ الإمام أحمد في بغداد وتلقى تعليمه الأول فيها، ثم بدأ رحلته في طلب العلم، حيث سافر إلى البصرة، والحجاز، واليمن، والكوفة للحديث النبوي. وقد أدي فريضة الحج خمس مرات، منها ثلاث مرات مشياً على الأقدام. وبلغ الإمام أحمد مكانة رفيعة في المعرفة حتى أصبح إماماً تُعقد حوله الدروس ويكتظ به طلاب العلم. تُوفي -رحمه الله- في بغداد يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول عام 241 هـ (855 م).

قصّة الإمام أحمد مع الخبّاز

في إحدى المرات، نزل الإمام أحمد بن حنبل في مدينة غريبة لا يعرفه سكانها. قرر الذهاب إلى مسجد ليأخذ قسطاً من الراحة بعد عناء السفر. لكنه واجه رفض الحارس في دخول المسجد والنوم فيه، فقال الإمام أحمد: “سأكتفي بالنوم عند موضع قدمي”. ومع ذلك، قام الحارس بإخراجه من المسجد. في تلك الأثناء، رآه خباز في الطريق وعرض عليه أن يذهب معه إلى منزله لينام. انتقل الإمام أحمد إلى بيت الخباز، الذي كان يعرف بمواظبته على الاستغفار أثناء عمله. بعدما لاحظ الإمام أحمد هذا الاستغفار المستمر، سأله: “هل جنيت ثمرة استغفارك؟” فأجابه الخبّاز: “نعم، لم تُرفع لي دعوة إلا واستُجيبت، باستثناء واحدة، وهي أن يرزقني رؤية الإمام أحمد بن حنبل”. فأجابه الإمام: “أنا أحمد بن حنبل، ولم أكن أرغب في القدوم إليك، بل جُرّرت إليك مجرّاً”. ومع ذلك، لا تُعتبر هذه القصة ثابتة عن الإمام أحمد.

كما ذكر كل من الإمام ابن الجوزي في كتابه “مناقب الإمام أحمد” وابن النجار في “ذيل تاريخ بغداد” تفاصيل مشابهة. ففي أحد الأحداث، بعد أن أُطلق الإمام أحمد من محنة خلق القرآن، خشي من زيارة إسحاق بن راهويه، فقرر التوجه إليه. وفي مدينة الري، عند هطول المطر الغزير، داهم الليل المسجد وأراد الحضور إغلاقه، فأجابهم: “هذا مسجد الله، وأنا عبد الله”. ورفض الخروج وأصرّ على البقاء. عندما أُخرج بالقوة، وجد شخصاً يخرج من منزله وسأله عن وجهته، فأوضح الإمام أنه ليس لديه اتجاه معين. دعاه الرجل إلى منزله وقدم له ثياباً جديدة وطعاماً. ومع إجراء حديث بينهما، اكتشف الإمام أحمد أنه يتحدث مع إسحاق بن راهويه، لكن الإمام الذهبي قد اعتبر هذه القصة موضوعة.

مصنفات الإمام أحمد بن حنبل

كان الإمام أحمد ينصح تلاميذه بعدم تدوين كلماته، لكن تم نقل بعض مؤلفاته. من بين هذه الأعمال هو “المسند” الذي يحتوي على ثلاثين ألف حديث. وكان ينصح ابنه عبد الله بالاحتفاظ به، معتبراً إياه مرجعاً مهماً للناس. كما ألف الإمام كتباً في مجالات التفسير والناسخ والمنسوخ والتاريخ، بالإضافة إلى “حديث شعبة” و”المقدّم والمؤخّر في القرآن” و”جوابات القرآن” و”المناسك الكبير” و”الصغير”. ومن النادر أن تخلو مسألة من نص له في الفروع والأصول.

أقوال الإمام أحمد حول الزهد والتقوى

قال عمر بن صالح الطرطوسي: “ذهبت مع يحيى الجلاَّء للقاء أحمد بن حنبل، فسألناه عن السبب الذي يُلين القلوب، فقال: يا بُني، بأكل الحلال.” بينما ذكر أبو عصمة بن عاصم البيهقي أنه قضى ليلة عند الإمام أحمد، وعندما أحضر له الماء، وجد أن الماء لم يُستخدم. فقال الإمام: “سبحان الله! كيف يُفترض بالطامع في العلم أن يكون له وَردٌ من الليل.” وذكر علي بن المديني أنه ودع الإمام أحمد وسأله عن وصيته، فأجابه: “اجعل التقوى زادك.” أما عبد الله، ابن الإمام أحمد، فقال: “سألت والدي يوماً أن يوصيني، فقال: يا بُني، انوِ الخير، فإنك ستبقى بخير ما دمت تنوي الخير.”

زوجات الإمام أحمد بن حنبل وأبناؤه

تزوج الإمام أحمد بن حنبل بامرأتين. الأولى كانت عباسة بنت الفضل، وهي التي أنجبت له ولده الوحيد صالح في عام 203 هـ (818 م)، ثم توفيت رحمها الله وكان الإمام يُثني عليها. بعد ذلك، تزوج الإمام أحمد من زوجته الثانية ريحانة بنت عمه عمر وأنجب منها ولده عبد الله في عام 213 هـ (828 م). بعد وفاة ريحانة، اشتري الإمام جارية تُدعى حُسْن، وأنجبت له ابنته زينب، وتوأمين هما الحسن والحسين اللذان تُوفيّا قريباً من ولادتهما، ثم أنجبت له ولديها الحسن ومحمد وقد عاشا حتى بلغوا الأربعين، ثم أنجبت له ابناً آخر يُدعى سعيد.