قال الزهري عند دخول شهر رمضان: “إنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام.”
أفاد ابن الحكم أن الإمام مالك كان يمتنع عن قراءة الحديث ومصاحبة أهل العلم في رمضان.
كان الإمام محمد بن إدريس الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان نحو ستين مرة.
روى ابن أبي داود بإسناد موثوق أن مجاهداً رحمه الله كان يختم القرآن بين المغرب والعشاء في رمضان، وكانوا يؤخرون صلاة العشاء حتى يمر ربع الليل.
كان قتادة يختم القرآن كل سبعة أيام، وعندما يحل رمضان كان يختمه كل ثلاث ليال، وفي العشر الأواخر كانت الختمة يومية.
سُئل معروف الكرخي عن كيفية صيامه، فرد مشيراً إلى صيام النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصيام داود عليه السلام. وعندما أصر السائل، قال: “أصبح دهري صائماً، فمن دعاني أكلت ولم أقل إني صائم.”
إذا لم تستطع قيام الليل أو صيام النهار، فاعلم أنك مُحرَم، وقد قيدتك الذنوب.
سئل الحسن البصري عن ما يدخل الحزن في القلب، فأجاب: الجوع، وعند السؤال عن ما يخرجه، قال: الشبع، وكان ينصح بالتوبة إلى الله من كثرة النوم والطعام.
تتطلب لذات الدنيا أربعة أشياء: المال، والنساء، والنوم، والطعام، فأما المال والنساء فلا حاجة لي فيهما، فيما يتعلق بالنوم والطعام فلا بد منهما، أقسم أن أضر بهما جهدي، فقد كان يبيت قائماً ويظل صائماً.
عندما يأتي رمضان، يقدم بعض السلف الصوم على باقي العبادات، فقالوا: لأنه يُعرض الله على نفسي وهي تتوق للطعام والشراب أفضل من ان تعرض عليه وهي تتوق لمعصيته عندما تشبع.
عندما يصوم المرء، يدرك نعمة الله عليه في الشبع والري، وبهذا يشكره، فالنعم لا تُعرف قيمتها إلا في حال فقدانها.
يروح على أهل الجنة برائحة، فيقولون: “ربنا ما وجدنا رائحة منذ دخولنا الجنة أطيب من هذه الرائحة”، فيقال: “هذه رائحة أفواه الصائمين.”
يُظهر المؤمنون في القيامة تميزهم من خلال وضوئهم في الدنيا، كما يُظهرون عطر خلوفهم أثناء صيامهم الذي هو أطيب من ريح المسك، ليُعرفوا بين ذلك الجمع بأعمالهم، نسأل الله أن يبارك ذلك اليوم.
المؤمن الصائم في عبادة حتى وإن كان نائماً على فراشه، فقد كانت حفصة تقول: “يا حبذَا العبادة وأنا نائمة على فراشي”، فالصائم في الليل والنهار في عبادة، ويُستجاب دعاؤه خلال صيامه وعند فطره، فهو في نهاره صائم صابر، وفي ليله طاعم شاكر.
إن أفضل أوقات المؤمن هو الشتاء: ليله طويل يمكنه القيام فيه، ونهاره قصير يصومه.
يقول الله تعالى لأوليائه يوم القيامة: “يا أوليائي، لقد كنت أنظر إليكم في الدنيا وقد جفّت شفاهكم من العطش، وغارت أعينكم، وجفت بطونكم، فأصبحوا اليوم في نعيمكم، وتبادلوا الكأس فيما بينكم.”
ووفقاً لبعض السلف، يُقدم للصائمين مائدة يأكلون عليها أثناء الحساب، فيقولون: “يا رب، نحن نحاسب وهم يأكلون”، فيقال لهم: “لقد صاموا وأنتم أفطرتم، وقاموا وأنتم نمتم.”
يكفي أن يقول الله “الصوم لي” لتكون فضلاً للصيام على باقي العبادات.
نعلم أن جميع أعمال البر لله وهو الذي يجزي بها، ونرى والله أعلم أنه خص الصيام، لأنه لا يظهر من ابن آدم بفعله بل هو أمر قلبي، فالصوم يتعلق بالنية الخفية التي لا يعلمها الناس، وهذه وجهة نظري حول هذا الحديث.
روى أبو أمامة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “عليك بالصوم، فإنه لا عدل له” رواه النسائي وصححه.
كل ما ذُكر في القرآن عن “السياحة” يشير إلى الصائمين.
كان بعض اللغويين يعتقدون أن الصائم يُسمى سائحاً لأن السياح لا يحملون زاداً، بل يأكلون حيثما وجدوا الطعام، فكأن ذلك مستوحى من الصيام.
يعد الصيام “سياحة” هذه الأمة.
لا رياء في الصيام، فلا يُدخله الرياء في فعله، من صفّى صفّى له، ومن كدّر كدّر عليه، ومن أحسن في ليله كوفئ في نهاره، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، والعبد يُكافأ كما اجتهد.
تُوصل الصلاة صاحبها إلى نصف الطريق، بينما يعبر الصيام إلى باب الملك، والصدقة تأخذ بيده لتدخله على الملك.
قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)، وقد قيل إن معنى الصبر هنا هو الصوم، ويُعتبر الصوم أحد معاني الصبر بالنسبة لنا.
كان السلف يتلون القرآن خلال شهر رمضان سواء في الصلاة أو غيرها.
روى طليق بن قيس عن أبي ذر، أنه قال: “إذا صمت، فتحفظ ما استطعت”، وكان طليق عندما يتصادف يوم صومه، يدخل ولم يخرج إلا للصلاة.
ينقسم الصوم إلى ثلاثة أنواع: صوم الروح الذي يعني قصر الأمل، وصوم العقل الذي يعبر عن مخالفة الهوى، وصوم الجوارح الذي يتمثل في الإمساك عن الطعام والشراب والجماع.
الصوم يجب أن يُظهر لك أنه حجاب وضعه الله على لسانك وسمعك وبصرك، وفرجك وبطنك، ليحفظك من النار، وقد ورد في الحديث “الصوم جنة من النار”. فإذا كانت لديك سيطرة على أطرافك وأنت محجوب، ترجوا أن تكون محجوباً، ولكن إذا أضعت حجابك ستتجاوز الحدود، ولا قوة إلا بالله. فإن تترك الصوم تتجاوز ستر الله عليك.
قال أحدهم لشخص كبير في السن: “إن الصيام قد وضعفك”، فقال: “أعده لسفر طويل، والصبر على طاعة الله أسهل من الصبر على عذابه.”
أحد السلف قال: “أسهل الصيام هو ترك الطعام والشراب.”
كان من دعائهم: “اللهم سلمني إلى رمضان وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً.”
روي عن الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون، فقال: “إن الله قد جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يتسابقون فيه لطاعته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فمن العجب في يوم تمت فيه فوز السابقين وهزيمة المبطِلِين.” أما والله لو اُزيحت الحجب لاهتم المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
قيل لبشر: إن قوم يتعبدون ويجتهدون خلال رمضان فقط، فقال: “بئس القوم، لا يعرفون حق الله عليهم إلا في رمضان، فإن الصالح هو الذي يعبد ويجتهد خلال السنة كلها.”
سُئل أحد الصالحين: أيهما أفضل، رجب أم شعبان؟ قال: “كن ربانياً ولا تكن شعبانياً.”
السنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، وأنفاس العباد ثمرتها، فعندما يأتي شهر رجب تكون الأيام أيام توريق، وشعبان أيام تفريع، ورمضان أيام قطاف، والمزراعين هم المؤمنون.
باع بعض السلف جارية، وعندما اقترب شهر رمضان رأوا استعدادهم بالطعام والشراب، فسألتهم: “ما الذي تخططون له؟”، فقالوا: “نتهيأ لصيام رمضان”، فقالت: “وأنتم لا تصومون إلا رمضان! لقد كنت مع قومٍ لم يتوقف زمنهم عن رمضان، أريد العودة إليهم.”
كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تقرأ في المصحف في مستهل النهار خلال رمضان، وعندما تشرق الشمس كانت تأخذ قسطاً من الراحة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “القرآن شافع مشفع، ماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار” رواه ابن حبان وابن ماجه والطبراني والبيهقي، وصححه الألباني.
قال عليه الصلاة والسلام: “الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: يا رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فاشفعني فيه، ويقول القرآن: رب، منعته النوم بالليل، فاشفعني فيه، فتكون له الشفاعة” حديث صحيح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يأتي القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب، فيقول: أنا الذي أسهرت ليلك وأظمأت نهارك” إسناده حسن على شرط مسلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غُفِر له ما تقدم من ذنبه.”
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: “يا رسول الله، ماذا لو شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، وصليت الصلوات الخمس، وأديت الزكاة، وصمت رمضان وقمته، فمِمّن أنا؟” قال: “من الصديقين والشهداء” رواه البزار وابن خزيمة وابن حبان وصححه الألباني.
قال أحدهم: “ما على أحدكم أن يقول: الليلة ليلة القدر، فإذا جاءت ليلة أخرى قال: الليلة ليلة القدر.”
خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أول ليلة من رمضان، وكان المسجد مضاءً بالقناديل، وكتاب الله يتلى، فندد ما بين التجلي: “نوّر الله لك يا ابن الخطاب في قبرك كما النوّر مساجد الله بالقرآن.”