يعيش الإنسان في أمل
تتضمن هذه الأبيات تحذير الشاعر الخليل الفراهيدي من التسويف وطول الأمل، حيث يقول:
يعيشُ الإنسانُ في أَمَلٍ
يُكررُهُ إلى الأبدِ
يأمل ما يأمل من
أنواع المالِ والولدِ
ولا يدري، لعلَّ الموتَ
يأتي دون انتظار الغدِ
فلا يبقى لوالده
ولا يبقى على ولده
الله ربي والنبي محمد
تتضمن هذه الأبيات مديحًا للنبي محمد وآل بيته، حيث يقول الخليل الفراهيدي:
اللهُ ربي والنبيُ محمدُ
حيَّى الرسالةَ بيانَ الأسبابِ
ثمَّ الوصيُ وصيُّ أحمدَ بعده
كهفُ العلوم بحكمة وصوابِ
فاقَ النظيرَ ولا نظيرَ لقَدْرِهِ
وعلا عن الأخلاء والأصحابِ
بمناقبَ ومآثرَ ما مثلها
في العالمين لعابدٍ تّوابٍ
وبنوه أبناء النبيّ المرتضى
أكرمْ بهم من شيخةٍ وشبابِ
ولفاطم صلّى عليهم ربُّنا
لقديم أحمدَ ذي النُّهَى الأوّاب
وقبلك داوى المريض الطبيب
تشير هذان البيتان إلى أهمية الزهد والاستعداد لرحيل الحياة، حيث يقول الخليل الفراهيدي:
وقبلَك داوى المريض الطبيبُ
فَعاشَ المريضُ وَماتَ الطبيبُ
فكن مُستعدًّا لداعي الفناءِ
فإنَّ الذي هو آتٍ قريبٌ
يا جنة فاقت الجنان فما
تتحدث هذه الأبيات عن جمال أرض قد استقر فيها الشاعر، وتبرز جمال سفنها:
يا جَنَّةً فاقَتِ الجِنانَ فَما
تبلُغَها قيمةٌ ولا ثمنُ
أَلْفيتُها فاتخذتُها وَطَنًا
إنَّ فؤادي لحبِّها وَطَنُ
زُوجَ حيتانُها الضِّبابَ بِها
فَهَذِهِ كِنانةٌ وذا ختَنُ
انظر وفكِّر فيما تُطيفُ بِهِ
إنَّ الأريبَ المفكِّرَ الفطِنُ
مِن سُفُنٍ كالنُّعامِ مُقبِلَةٍ
ومِن نَعامٍ كأنَّها سُفُنُ
وما بقيت من اللذات إلا
يتحدث الخليل الفراهيدي في هذين البيتين عن قلة الرجال ذوي العقول في زمانه:
وما بقيت من اللّذاتِ إلا
محاورةُ الرجالِ ذوي العقولِ
وقد كانوا إذا عُدّوا قليلاً
فقد صاروا أقلَّ مِن القليلِ
وما هي إلا ليلة ثم يومها
تسلط هذه الأبيات الضوء على سرعة الحياة، محذِّراً من الغفلة:
وما هي إلا ليلةٌ ثم يومُها
وحولُ إلى حولٍ وشهرٌ إلى شهرِ
مطايا تقرِّبُ الجديدَ إلى البلى
وتُدني أشلاءَ الكريمِ إلى القبرِ
ويتركنَ أزواجَ الغيورِ لغيرهِ
ويقسمنَ ما يحوي الشحيحُ مِن الوَفرِ
إذا ضيقت أمرا زاد ضيقا
ينصح الخليل الفراهيدي في هذين البيتين بالصبر وعدم تهويل الأمور:
إذا ضيّقتَ أمراً زادَ ضيقاً
وإن هَوَّنتَ الأَمرَ هانا
فلا تَجزع لأمرٍ ضاقَ شيئاً
فكم صعبٍ تَشَدَّدَ ثمَّ لانا
وفيت كل صديق ودّني ثمنا
يتحدث الخليل الفراهيدي في هذين البيتين عن خيبة أمل الشامتين به:
وفَّيتُ كلَّ صديقٍ ودَّني ثمناً
إلا المُؤَمِّلَ دولاتي وأَيّامي
فإنَّني ضامنٌ ألا أُكافئَهُ
إلا بتسويقِهِ فضلي وإنعامي
لا تقبلن الشعر ثم تعقه
تنصح هذه الأبيات الشعراء الذين يهجرون الشعر، حيث يصفهم بالخائنين لموهبتهم:
لا تَقبَلَنَّ الشِعرَ ثُمَّ تَعُقُهُ
وتنامُ والشُعراءُ غيرُ نيامِ
واعلم بأنَّهُم إذا لم يُنصَفوا
حكَموا لأنفسِهِم على الحكامِ
وجنايةُ الجاني عليهم تنقضي
وعتابُهم يبقى على الأيّامِ
ليس المسيء إذا تغيب سوءه
تُظهر هذه الأبيات استنكار الخليل الفراهيدي للمسيء إليه في غيابه:
ليس المُسيءُ إذا تغَيَّبَ سوؤهُ
عني بمنزلة المُسيءِ المُعلِنِ
من كان يُظهِرُ ما أُحِبُّ فإنَّهُ
عِندي بمنزلةِ الأمينِ المُحسنِ
واللهُ أَعْلَمُ بِالقلوبِ وإنَّما
لك ما بدا لك منهم بالألسُنِ
ألا ينهاك شيبك عن صباكا
يعاتب الخليل الفراهيدي في هذين البيتين قلب من شاب وهو لا يزال عاشقًا:
ألا يَنهاكَ شَيبُكَ عن صِباكا
وتَتركَ ما أَضَلَّكَ مِن هَواكا
أترجو أن يُطيعَكَ قلبُ سَلمى
وتزعُمَ أنَّ قلبكَ قد عصاكا
إن لم يكن لك لحم
يدعو الخليل الفراهيدي في هذه الأبيات إلى الزهد والرضا بالقليل:
إن لم يَكُن لك لحمٌ
كفاكَ خَلُّ وزيتُ
أو لم يكن ذا وهذا
فكِسرَةٌ وبُيَيتُ
تَظلُّ فيه وتَأوي
حتى يجيئَكَ موتُ
هذا عفافٌ وأمنٌ
فلا يَغرَّكَ ليتُ
عش ما بدَا لك قَصرُكَ الموت
تتحدث هذه الأبيات عن ضرورة التقليل من الاهتمام بأمور الدنيا:
عِش ما بدَا لك قَصرُكَ المَوتُ
لا مَرحَلٌ عَنهُ وَلَا فَوتُ
بينما غِنَى بَيتٍ وبَهجَتُهُ
زالَ الغِنَى وتَقوَّضَ البَيتُ
يا لَيتَ شِعري ما يُرادُ بِنَا
ولَقَلَّما تُغني إذًا لَيتُ
صلب الهجاء على امرئ من قومنا
يضرب الخليل الفراهيدي في هذين البيتين مثلًا برجل من قومه:
صلبَ الهجاءُ على امرئ مِن قومِنا
إذ حادَ عن سُنَنِ السبيل وحاداً
أعطى قليلاً ثمَّ أَقْلَعَ نادماً
ولَرُبَّما غَلِطَ البخيلُ فجادا
نزلوا مركز الندى وذراه
يتحدث الخليل الفراهيدي في هذين البيتين عن علوّ منزلة قوم ما:
نزلوا مركزَ الندى وذُراه
وعدتنا من دون ذاك العَوادي
غير أنَّ الرُّبى إلى سُبُلِ الأَناءِ
أدنى والحظ حظّ الوِهادِ
تكثر من الإخوان ما استطعت فإنهم
يحُث الخليل الفراهيدي في هذين البيتين على توسيع دائرة الأصحاب:
تكَثَّر من الإخوان ما استطعتَ إنَّهُم
بطونٌ إذا استَنجَدتَهُم وظهورُ
وما بِكَثيرٍ أَلْفُ خِلٍّ لعاقلٍ
وإنَّ عَدُوًّا واحِدًا لكثيرُ
أنست بوحدتي ولزمت بيتي
يستعرض الخليل الفراهيدي في هذه الأبيات فوائد العزلة التي اختارها لنفسه:
أنِستُ بوحدتي ولَزِمتُ بيتي
فطابَ الأنسُ لي ونما السُرورُ
فأَدَّبَني الزَّمانُ فلا أُبالي
هجرتُ فلا أُزارُ ولا أَزورُ
ولستُ بسائِلٍ ما دُمتُ حيًّا
أسارَ الجيشُ أم رَكِبَ الأميرُ
إذا كنت لا تدري ولم تك بالذي
تسخر هذه الأبيات من الجاهل الذي يتصدر المجالس:
إذا كنتَ لا تدري ولم تَكُ كالذي
يُشاوِرُ مَن يَدري فكيف إذَنْ تدري
جَهِلتَ فَلَم تَدرِ بأنَّكَ جاهِلٌ
وأنَّكَ لا تَدري بأنَّكَ لا تَدري
ومن أعظم البَلوَى بأنَّكَ جاهِلٌ
فمَن لي بأن تَدري بأنَّك لا تَدري
ربَّ امرئٍ يجري ويَدري بأنَّهُ
إذا كانَ لا يدري جَهولٌ بما يجري
كتبت بخطي ما ترى بدفاتري
تصف هذه الأبيات ما جمعه الخليل الفراهيدي من علم في كتبه:
كتبتُ بخطّي ما ترى في دفاتري
عن الناس في عصري وعن كلّ غابرِ
ولولا عَزائي أنّه غيرُ خالدٍ
على الأرض لاستودعتُه في المقابرِ
بطل النحو الذي جمعتم
يمدح الخليل الفراهيدي كتابَي عيسى بن عمر النحوي:
بطلَ النحوُ الذي جَمَّعتُمُ
غيرَ ما ألَّفَ عيسى بنُ عُمَرْ
ذاكَ إكمالٌ وهذا جامِعٌ
وهما للناس شمسٌ وقمرٌ
هذا عمرو يستعفي من
يحذر الخليل الفراهيدي من عواقب الظلم:
هذا عَمرٌو يستعفي مِن
زَيدٍ عند الفَضل القاضي
فَانهوا عَمراً إنّي أَخشى
صَولَ اللَّيثِ العادي الماضي
ليسَ المَرءُ الحامي أَنفاً
مثلَ المَرءِ الضَيمِ الراضي
ورد العفاة المعطشون فأصدروا
تشير هذان البيتان إلى إعراض أمير عن الشاعر:
وردَ العُفاةُ المُعطَشون فأَصدَروا
رِيّاً فَطابَ لَهُم لَدَيكَ المَكرَعُ
وَوَرَدتُ حَوضَكَ ظامئاً مُتَدَفِّقاً
فَرَدَّدتَ دَلوي شَنُّها يَتَقَعقَعُ
وَأَرَاكَ تُمطِرُ جانباً مِن جانِبٍ
وَفَناءُ أَرضي مِن سَمائِكَ بَلَقَعُ
أَبِحُسنِ مَنزِلَتي تُؤخِرُ حاجَتي
أَم لَيسَ عِندَكَ لي لِخيرٍ مَطمَعُ
كفاك لم تخلقا للندى
توجه هذه الأبيات ذمًا لرجلٍ يُعرف بالبخل:
كَفّاكَ لم تُخلَقا لِلندى
وَلَم يَكُ بُخلُهُما بِدعَةْ
فَكَفٌّ عَنِ الخَيرِ مَقبوضَةٌ
كَمَا نُقِصَت مِئَةٌ سَبعَةْ
وَكَفٌّ ثَلاثَةُ آلافِها
وَتِسعُ مِئَتيها لَها شِرعَةْ
نصحتك يا محمد إن نصحي
يعاتب الخليل الفراهيدي صديقاً فلم يسمع نصيحته:
نَصَحتُكَ يا مُحَمَّدُ إِنَّ نُصحي
رَخيصٌ يا رَفيقي لِلصَديقِ
فَلَم تَقبَل وَكَم مِن نُصحِ وُدٍّ
أُضيعَ فَحادَ عَن وَضَحِ الطَريقِ
وهذا المال يرزقه رجال
تتحدث هذه الأبيات عن أن الرزق مقسوم بين العباد:
وَهَـذا المالُ يُرزَقُهُ رِجالٌ
مَناديلٌ إِذا اِختُبِروا فَسولُ
ورزقُ الخَلقِ مَجلوبٌ إِلَيهم
مقاديرٌ يُقَدِّرُها الجَليلُ
كَما تُسقى سَباخُ الأَرضِ رِيّاً
وتصرف عن كرائمها السيول
فلا ذو المال يرزقه بعقلٍ
ولا بالمال تُقتَسَمُ العُقولُ
أبلغ سليمان أني عنه في سعة
يُعبر الخليل الفراهيدي عن عدم حاجته لأحدٍ:
أَبلِغ سُلَيمانَ أَنّي عَنهُ في سَعَةٍ
وَفي غِنىً غَيْرَ أَنّي لَستُ ذا مالِ
سَخّى بِنَفسي أَنّي لا أَرى أَحَدًا
يَموتُ هَزلًا وَلا يَبقى عَلى حالِ
وَإِنَّ بَينَ الغِنى وَالفَقرِ مَنزِلَةً
مَخطومَةً بِجَديدٍ لَيسَ بِالبالي
الرِزقُ عَنْ قَدَرٍ لا الضَعفُ يَنقُصُهُ
وَلا يَزيدُكَ فيهِ حَولُ مُحتالِ
إِن كانَ ضَنُّ سُلَيمانَ بِنائِلِهِ
فَاللَهِ أَفضَلُ مَسؤولٍ لِسُؤالِ
وَالفَقرُ في النَفسِ لا في المالِ نَعْرِفُهُ
ومِثلُ ذاكَ الغِنى في النَفْسِ لا المالِ
وَالمالَ يَغشى أُناسًا لا خَلاقَ لَهُم
كَالسيلِ يَغشى أُصولَ الدَندَنِ البالي
كُلُّ امرئ بِسَبيلِ المَوتِ مُرتَهِنٌ
فَاعمَل لِنَفسِكَ إِنّي شاغِلٌ بالي