الصحابة الكرام
تميز جيل الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- بخصائص عظيمة وسمات نبيلة، مما جعلهم يعدّون من خير الناس بشهادة النبي -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال: (خيرُ الناسِ قَرْنِي، ثمَّ الذِينَ يَلُونَهم، ثمّ الذِينَ يَلُونَهم، ثُمَّ يَجِيءُ قومٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمينَهُ، ويَمينَهُ شَهَادَتَهُ). وقد أثنى الله -عز وجل- عليهم في كتابه الكريم بقوله: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
تعود هذه المكانة الرفيعة للصحابة إلى جهودهم الحثيثة في نصرة الإسلام ونشر رسالته، إضافةً إلى صمودهم في وجه التحديات والمصاعب، حيث تحمّلوا أنواعا مختلفة من الأذى الجسدي والنفسي. ومن بين هؤلاء الصحابة الكرام، يبرز الصحابي الجليل خالد بن الوليد -رضي الله عنه- الذي ذُكِرَت عنه العديد من البطولات ومواقف الشجاعة في التاريخ الإسلامي. في السطور القادمة، سنتناول تعريف خالد بن الوليد -رضي الله عنه- وسماته وصفاته البارزة، ونستعرض تفاصيل وفاته ومكان قبره.
تعريف بخالد بن الوليد
إنه الصحابي الجليل خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، أبو سليمان القرشي المخزومي، حيث أن أمه هي أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث -رضي الله عنها-. لم يكن إسلام خالد -رضي الله عنه- مبكراً، بل أسلم في السنة الثامنة للهجرة، قبل فتح مكة المكرمة. وقد شهد عدة غزوات في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، منها غزوة مؤتة، حيث استلم الراية بعد استشهاد القادة الثلاثة الذين عيّنهم النبي.
قاد خالد بن الوليد -رضي الله عنه- العديد من المعارك والفتوحات في عهد الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم-، بما في ذلك قتال المرتدين في خلافة أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، وكذلك مشاركته في فتوحات العراق وبلاد الشام. ورغم أنه لم يكن من أكثر الصحابة روايةً للحديث، إلا أن شجاعته وبراعته في القتال كانت مشهودة، حيث أظهر خبرة وحكمة في التخطيط العسكري.
قبر خالد بن الوليد
تفيد الروايات التاريخية بأن وفاة خالد بن الوليد -رضي الله عنه- وقعت في السنة الحادية والعشرين من الهجرة، حيث توفي في إحدى القرى القريبة من حمص وتم دفنه هناك، وذلك حسب الروايات المعتمدة التي نقلها العديد من العلماء والمؤرخين مثل الواقدي ومحمد بن سعد.
على الرغم من شجاعة خالد بن الوليد ومعروفيته في المعارك، إلا أن الله -تعالى- قدر له أن يُفارق الحياة على فراشه. وقد نقلت الأساطير أنه قال قبل وفاته: (ها أنا ذا أموت على فراشي، وما في جسدي قيدُ شبرٍ إلا وفيه ضربة سيفٍ أو طعنة رمحٍ أو رمية سهمٍ في سبيل الله، أموت كالبعير، وكنتُ أتمنّى أن أموت شهيداً في سبيل الله، فلا نامَتْ أعيُنُ الجُبَناء). ولعل الله برحمته يثيب الصادقين في نواياهم، فينال خالد بن الوليد -رضي الله عنه- منزلة الشهداء، كما ذكر في قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
فضل خالد بن الوليد
أكرم الله خالد بن الوليد -رضي الله عنه- بالعديد من الفضائل، التي شهدت لها أحاديث وروايات عديدة، ومن أبرز هذه الفضائل:
- لقّب النبي -صلى الله عليه وسلم- خالدًا بـ “سيف الله المسلول” لشجاعته العظيمة، حيث روى أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عن النبي أنه قال: (نِعْمَ عبدُ اللهِ وأخو العَشيرةِ خالدُ بنُ الوليدٍ سيفٌ مِن سيوفِ اللهِ، سلَّه اللهُ على الكفَّارِ والمنافقين).
- أظهر خالد بن الوليد -رضي الله عنه- بلاءً حسناً في غزوة مؤتة، حيث روى قيس بن أبي حازم: (سَمِعْتُ خالدَ بنَ الوليدِ يقولُ: لقد دُقَّ في يدي يومَ مُؤتَةَ تسعةُ أسيافٍ).
- أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- خالد بن الوليد -رضي الله عنه- لهدم صنم العزى في مكة.
- واستغنى خالد بن الوليد -رضي الله عنه- عن كل ما يملك من دروع وعتاد في سبيل الله، حيث روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لجمع الزكاة، وعندما ذكر خالد لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعذر عليه بسبب تضحياته واستخدامه ما لديه في سبيل الله.
- قبل وفاته، أوصى خالد بن الوليد -رضي الله عنه- بأن يُجعل فرسه وسلاحه عدة في سبيل الله.