السعادة
يسعى البشر جاهدين لتحقيق السعادة في حياتهم، حيث يختبرهم الله تعالى بمختلف الأقدار ولا يوجد أحد في منأى عن المصائب والآلام. لكن التباين يظهر في كيفية استجابة الأفراد لتلك الأقدار. فقد يتعرض اثنان لنفس المحنة؛ بينما يشتكي أحدهما ويتذمر، نجد الآخر يواجه التحديات بابتسامة وتفاؤل، معبراً عن رضاه برضا الله تعالى. لقد كان الصحابة الكرام من أسعد خلق الله، ونوّروا قلوبهم باتباعهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي كان مثلاً يحتذى في الصفات التي تفتح قلوب البشر. روى الإمام مسلم في صحيحه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوةَ الإيمانِ، من كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممَّا سواهُما، وأنْ يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلَّا للهِ، وأنْ يكرهَ أن يعودَ في الكفرِ بعد أنْ أنقذَه اللهُ منه، كما يكرهُ أن يُقذَفَ في النَّارِ). وقد كان النبي يرشدهم إلى طرق السعادة، ويدعوهم إلى ما يحقق صلاحهم. فعندما أمر الله النساء بالحجاب، كانت استجابتهن السريعة عبر تضعيف مروطهن، مما منحهن سعادة حقيقية نتيجة طاعتهن لأوامر الله تعالى. أيضاً، الاعتراف بالنعم وتقديم الشكر يعد من أكثر الأمور التي تعزز السعادة، كما قال الله تعالى: (وَإِن تَعُدّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لا تُحصوها إِنَّ اللَّـهَ لَغَفورٌ رَحيمٌ). فلو أدرك الإنسان نعمة الصحة وغياب الألم، لكان ذلك كافياً ليشعر بالسعادة. وبتأمل النعم قبل فقدانها، يمكن أن تزدهر حياة الإنسان بالسعادة والهناء. فهناك الكثير من الأسباب التي تعزز السعادة، مثل الوقت، الصحة، والعقل، إلا أن أقوى هذه الأسباب هو الإيمان. فالإيمان يُعتبر慰藉ا للمتألم، وغنى للفقير، وقوة للضعيف.
أسباب السعادة في الدنيا والآخرة
تعد السعادة شعورًا داخليًا، وليست من الأمور المادية التي يمكن الإمساك بها. ومن رحمة الله أنه وضع أسبابًا يمكن من خلالها تحقيق السعادة باتّباعها. من بين تلك الأسباب، إدراك الفرد بأن سعادته ليست بيد أحد، بل هي مُستمدة من داخله ومُدعمة بالظروف الخارجية. وللسعادة أثر إيجابي على الآخرين. فيما يلي أبرز الأسباب التي تؤدي إلى السعادة:
- التعامل مع قضاء الله وقدره بالرضا والقبول، حيث يُعتبر الرضا من أعظم الأسباب المؤدية للسعادة، فهو سمة الأشخاص السعداء الذين ينظرون إلى حياتهم بإيجابية ويتجاهلون همومهم، إذ يعلمون أن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم.
- ملاقاة الآخرين بابتسامة، فابتسامة الشخص لها أثر إيجابي على نفوس الآخرين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَتَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ). فالابتسامة تعكس الراحة والسكون، وصاحب الابتسامة يحظى بالحب بين الناس، حيث تُدخل السرور على قلوب المؤمنين.
- إفشاء السلام، فهو دعاء بالسلامة لكل من يلتقي الشخص به، وله تأثير كبير في نشر المحبة. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أفشُوا السَّلامَ بينكم)؛ فالسلام يسهل الأمان في المجتمعات وينثر السعادة بين الأفراد.
- ممارسة العمل التطوعي، مثل تقديم المساعدة للفقراء ورعاية الأيتام، حيث نجد أن العطاء يبعث على السعادة. يشعر المعطي بقيمته في الحياة، فالكثير من الأمراض النفسية تنشأ من شعور الفرد بعدم القيمة.
- صلة الرحم، إذ أن وصل الأرحام من الأمور المرغوبة التي تزيد من الرزق وطول العمر، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
- الحرص على الصلاة في المساجد، حيث تبث الصلاة الاطمئنان في قلب المصلي.
- الذكر الدائم لله تعالى، إذ يعد من أهم أسباب إزالة الهموم وراحة النفس.
- كفالة الأيتام، فلا شك أن لذلك أثر إيجابي على نفس اليتيم.
- حضور مجالس العلم، حيث يتواجد فيها الملائكة وتغشاها السكينة والرحمة، مما يضيف إلى حياة الفرد السعادة والبركة.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطريقة لطيفة ومحبة.
- التفكر في أحوال الآخرين، حيث يدرك الإنسان أن هناك من هم أكثر منه معاناة، مما يجعله يشكر الله على نعمه العديدة.
السعادة في القرآن الكريم
لقد أُريد للقرآن الكريم أن يكون منهاج حياة كريمة وطريقاً لتحقيق السعادة. وقد وُصِف أهل الجنة في القرآن بالسعادة، حيث يقول الله تعالى: (وَأَمَّا الَّذينَ سُعِدوا فَفِي الجَنَّةِ خالِدينَ فيها). ويشكل رضا الله في الدنيا السبيل الرئيس للسعادة في الآخرة، مع السعي للعبودية الحقيقية له. وأشارت الآيات إلى أن الصبر يقود إلى الرضا، الذي يعد من أعلى درجات السعادة. كما أن العفو والمسامحة يزيدان من المحبة بين الناس. أما التمسك بكتاب الله الذي أُنزل لإنقاذ البشرية وتحقيق سعادتها، فهو أمر أساسي. يظن البعض أن السعادة تكمن في جمع المال أو الوصول لمناصب عالية، لكن الحقيقة أن من يمتلك جميع هذه المتع الحياتية قد يجد نفسه في شقاء إذا فقد الطمأنينة. يقول الله تعالى: (وَمَن أَعرَضَ عَن ذِكري فَإِنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكًا). يريد الله لعباده السعادة الحقيقية بالقرب منه، بينما الشقاء يكون في الابتعاد عن ذكره.