مقدمة قصيدة “غريب على الخليج”
يتحدث بدر شاكر السياب في قصيدته “غريب على الخليج” عن مشاعر الغربة والانتماء إلى العراق، فيقول:
تلهث الرياح في الأصيل، كالجثام، في حرارة الهجير،
وتمتد الأشرعة بين يدي الرحيل.
تغص مياه الخليج بأناس يعملون في البحر،
من كل جانب، نصف عراة.
وعلى رمال الخليج،
جلست الغريب، أحدق في الأفق المبهم.
وأهزّ أعمدة النور بما ينطلق من أنيني،
فهناك فوق الأمواج أصوات تتردد: عراق.
تشبه المدّ المرتفع، كالسحب، وكالدموع في العيون.
ترتفع الزوبعة لتصرخ بي: عراق،
والموج ينادي: عراق، عراق، ليس غير عراق.
الفصل الأول من “غريب على الخليج”
يبدو البحر بلا حدود، وأنت بعيد كل البعد،
والمسافة بينك وبين العراق شاسعة.
تذكّرتك، يا عراق، حين مررت بالمقهى بالأمس،
فكان صوتك كدورة أسطوانة،
تدور في كوكب عمري، تحمل لي زمنك.
في لحظات من الطمأنينة، رغم فقداني لمكانتي،
أنت كوجه أمي في الظلام،
وصوتها ينزلق مع أحلامي حتى أنام.
وأشعر بالخوف من النخيل عندما يظلم الغروب،
حيث تكتظ بالأشباح التي تخطف كل طفل لا يعود.
وأنت، تلك الشجرة العجوز، ماذا تخبئين عن حزامك؟
وكيف أصبحت القبور تتحدث عن عفراء الجميلة،
وتركض بعيدًا، إلا جديلتها.
زهراء، هل تتذكرين؟
تنورنا الذي يتربع عليه الأصابع الحارة،
وحديث عمتي بصوت خفيض عن ملوك الزمن الغابر،
وما وراء بابٍ مغلق كحكم القضاء،
مُغلقٌ على النساء.
كان الرجال يعربدون ويسمرون بلا تعب،
هل تتذكرين؟ هل تتذكرين؟
الفصل الثاني من “غريب على الخليج”
كنا سعداء، راضين،
بذلك الحزن، لأنه حزن النساء.
حشد من الحكايات والأزمنة، كنا جزءًا حيويًا من تلك الحكايات،
كنا الحبال التي تربط بين أرواحنا.
أفليس هذا سوى سراب؟
حلم ودورة أسطوانة؟ إن كان هذا هو كل ما يبقى، فأين العزاء؟
أحببتُ فيكِ روح العراق أو أحببتكَ فيها،
أنتم مصابيح روحي، وقد جاء المساء،
والليل يحتضنكم، فلا أتيه.
لو كنت في البلد الغريب، فهل يكمل اللقاء؟
اللقاء بك والعراق في يديّ هو اللقاء.
شوقٌ يسري في دمي إليك، كأن كل دم يهفو للعودة،
كجوع كل غريق للهواء.
شوق الجنين حين ينتهي الظلام للولادة،
أعجب كيف يخون الخائنون.
هل يخون الإنسان بلاده؟
إن خان معنى أن يكون، فكيف يمكن أن يكون؟
أجمل ما في بلادي هو الشمس، حتى الظلام،
حتى الظلام هناك أجمل، فهو يحتضن العراق.
واحسرتاه، متى أنام،
فأحس بأن على الوسادة،
تموج روائح ليلك الصيفي، يا عراق؟
خاتمة قصيدة “غريب على الخليج”
سأستيقظ في الصباح، وفي السماء سحاب
ممزق، وفي النسيم عبير يحمل عطور الخريف.
وأنزع عني غبار النوم كحجاب
من الحرير، يكشف عما لا يمكن رؤيته، وما يتجلى.
عن ما نسيت وكدت أنسى، ورحلة الشك التيكفيق لي.
وإن كنتُ أمد يدي لألبس من ثيابي،
قلتُ في نفسي: ما الذي كنت أبحث عنه في عتمتي من إجابة؟
لم يملأ الفرح الخفي جوانب نفسي كالشَبَاب؟
اليوم – عندما هاجمتني موجات الفرح – أعود،
واحسرتاه .. فلن أعود إلى العراق.
وهل سأعود، من يعاني قلة المال؟
كيف يمكنك ادخار المال
وأنت تجوع وتستهلك ما لديك بسخاء؟
سأبكي على العراق،
فما لديك سوى الدموع،
وسوى انتظار آتي دون فائدة، للرياح وللقلوع.