أبو حيان التوحيدي
يُعتبر أبو حيان التوحيدي من أبرز الأدباء والفلاسفة في القرن الرابع الهجري، ويُعرف بكونه مجددًا ورائدًا في مجالات الأدب والتصوف. لقد تميز بثقافته الواسعة، وذكائه الحاد، وجمالية أسلوبه التعبيري المتنوع. هذا التنوع لم يقتصر على أسلوبه فحسب، بل شمل أيضًا محتوى مؤلفاته الغزيرة. كما كان التوحيدي حريصًا على حضور مجالس العلم والفكر والفلسفة، وتواصل مع الأدباء والعلماء في عصره.
يُدعى علي بن محمد بن العباس التوحيدي البغدادي، وقد عُرف بشكل أكبر بلقب “أبو حيان”. ويُقال إن أصله يعود إلى شيراز أو نيسابور، ونُسب إلى “التوحيد” نسبةً إلى نوع من التمر كان يبيعه والده في العراق، يُعرف بتمر التوحيد.
الميلاد والنشأة
وُلِد أبو حيان التوحيدي في بغداد عام 310 هجريًا، وترعرع يتيمًا بعد وفاة والده. انتقل لرعاية عمه الذي كان يعامله بشدة. عمل في مجال الوِراقة حيث بدأ بنسخ الكتب وبيعها للقراء، مما ساعده على اكتساب المعارف والثقافة الموسوعية على الرغم من عدم كفايتها لتلبية احتياجاته. أراد التوحيدي الارتقاء إلى مهنة تُرضي طموحاته الكبيرة، لكنه لم يُوفق في ذلك، ما زاد من شعوره بالفشل واستيائه من مجتمعه. وعلى الرغم من طموحه الواسع، واجه صعوبات كثيرة بسبب طباعه السيئة وكثرة اعتداده بنفسه، مما عرقل العديد من مساعيه.
تعلم أبو حيان عبر طرق متعددة ساهمت في إثراء خبراته، من بينها السؤال والمشافهة والسفر إلى البادية. درس الفلسفة في مدرسة الإسكندرية، وصاحب كبار العلماء في عصره لتعلم النحو والأدب والعلوم الشرعية. وقد استلهم بعض أساليب الكتابة من الجاحظ، واعتبره البعض أفضل منه. كما أنَّ أسهاماته في الثقافة اليونانية ساهمت في توسيع أفكاره حيث قرأ كتبهم بعد ترجمتها للعربية، مؤمنًا بأن الفن يعكس خصائص العقل الإبداعي للإنسان ويعبر عن مشاعره وأفكاره ورغباته.
مصنفات أبو حيان
ألف التوحيدي العديد من الكتب التي تمت طباعتها ووصلت إلينا، ومن أبرزها:
كتاب الإمتاع والمؤانسة
يعد من أكثر كتب التوحيدي إثارة وفائدة، حيث يساهم في فهم البيئة الاجتماعية والثقافية والفكرية لعصره.
كتاب البصائر والذخائر
يحتوي على مجموعة من الحكم والنوادر والشعر والتاريخ واللغة والتصوف، وقد جمعها التوحيدي من قراءاته وتجربته على مدى خمس عشرة سنة.
كتاب المقابسات
يتضمن هذا الكتاب أكثر من مئة اقتباس من الحوارات التي شهدها التوحيدي بين العلماء حول مواضيع متنوعة، مع التركيز على الأسلوب الأدبي الرفيع.
كتاب الهوامل والشوامل
يعرض هذا الكتاب المسائل التي شغلت عقل التوحيدي، حيث يحتوي على أسئلة في ميادين الأدب واللغة والفلسفة والقضايا النفسية والأخلاقية والمعرفية والاجتماعية.
كتاب أخلاق الوزيرين
كتب هذا العمل نتيجة خصومته مع الوزيرين ابن العميد والصاحب بن عباد، حيث ينتقدهما، مما جعله واحدًا من أشهر الأعمال في الهجاء العربي.
كتاب الإشارات الإلهية والأنفاس الروحانية
يعبر هذا الكتاب عن خلاصة تجربة أبو حيان في الورع والتصوف، ويحتوي على الكثير من الرموز والإشارات الدلالية، ويُعتبر مرجعًا مهمًا في الأدب والتصوف.
كما له عدة كتب ورسائل منها: الصداقة والصديق، ورسالة في كتابة، ورسالة الحياة.
مصير كتب أبي حيان ووفاته
يعكس التوحيدي من خلال مؤلفاته معاناته من شتى أنواع الكدر والحرمان. عاش تجارب مؤلمة من الفقر وضيق العيش، مما دفعه إلى إحراق جميع كتبه بعد أن شعر بخيبة أمل كبيرة. قال حينها: “لقد جمعت أكثرها للناس ولم أجد منهم تقديرًا، مما جعلني أعيش في غربة وعزلة.” وقد أُلقي عليه اللوم بسبب فعله، لكنه برر موقفه بخبرات مماثلة لبعض الأدباء من قبله. عاش التوحيدي حتى عام 414 هجريًا، ولا يزال اسمه حاضرًا بهيبته بفضل أعماله التي وضعت له مكانة رفيعة في مجالات الأدب والفلسفة.
المراجع
- ↑ أحمد مراد (15-8-2012)، “أبو حيان التوحيدي شيخ الفلاسفة الذي أحرق كتبه بعد أن جاوز التسعين”، www.alittihad.ae، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2018. بتصرّف.
- ^ أ ب “نبذة حول الأديب: أبو حيان التوحيدي “، www.adab.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2018. بتصرّف.
- ↑ جمال الغيطاني (1995)، خلاصة التوحيدي (الطبعة الأولى)، القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، صفحة 5. بتصرّف.
- ^ أ ب ت محمد متولي (24-3-2017)، “أبو حيان التوحيدي: الفيلسوف الذي أحرق كتبه”، www.ida2at.com، اطّلع عليه بتاريخ 20-4-2018. بتصرّف.