الدولة الأموية
على الرغم من التعرض المتكرر للهجوم والتشويه تجاه الدولة الأموية، فإن إنجازات بني أمية تبقى واضحة ومقدرة. فقد شهدت الدولة الإسلامية في عهدهم اتساعًا كبيرًا، حيث امتدت الفتوحات إلى الصين من الشرق، والمغرب العربي والأندلس من الغرب، وصولًا إلى فرنسا، بالإضافة إلى بلاد السند في الجنوب الشرقي وبلاد القوقاز في الشمال. كما برز في هذه الفترة عدد من القادة العظام، مثل عقبة بن نافع، وموسى بن نصير، وعبد الرحمن الغافقي، ومسلمة بن عبد الملك، وغيرهم الكثير. تجدر الإشارة إلى أن الدولة الإسلامية حافظت على تماسكها خلال حكم بني أمية، وبدأت عملية استقلال الولايات الإسلامية بعد انتهاء حكمهم. ومن الإنجازات الهامة التي حققها خلفاء بني أمية، تعريب الدوائر الحكومية في الولايات الإسلامية، بعدما كانت تُكتب بلغات تلك الولايات. حيث كانت الدوائر في الشام تُكتب باللغة الرومية، وفي مصر كانت تُكتب بالقبطية، وفي العراق وبلاد فارس كانت تُكتب باللغة الفارسية. أدى هذا إلى انتشار اللغة العربية بشكل واسع في المناطق المفتوحة، مما ساهم في تعزيز الوحدة الداخلية لتلك البلاد.
أبرز خلفاء الدولة الأموية
أسس معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه الدولة الأموية في السنة الحادية والأربعين للهجرة، بعدما تنازل له الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة. يُلاحظ أن الدولة الأموية مرت بمراحل متعددة من القوة والضعف، حيث كان عهد معاوية وابنه يزيد من الفترات القوية، ثم تخللتها فترات من الفتن خلال حكم معاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان. ومع ذلك، عادت الدولة إلى قوتها في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، مرورًا بالخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز، وانتهاءً بهشام بن عبد الملك. ولقد دخلت الدولة الأموية مرحلة من الضعف عام 125 للهجرة، مما أدى إلى سقوطها في عام 132 للهجرة. وفيما يلي بعض من أبرز خلفاء بني أمية:
معاوية بن أبي سفيان
تعرضت شخصية الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لكثير من التشويه التاريخي، إذ زادت الروايات الضعيفة والموضوعة التي تهاجم هذا الصحابي. لم يكن الهدف من هذه الحملات هو مجرد النيل من شخصه، بل هو طعن في الدين، فطعن الأفراد الذين نقلوا الدين يعد طعناً فيه. يُذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تَسُبُّوا أصْحَابِي، فلَوْ أنَّ أَحَدَكُمْ أنْفَقَ مِثْلَ أحدٍ ذهبًا، ما بَلَغَ مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَهُ). جاء معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- كأحد مجاهدي سبيل الله، وكتب الوحي، وكان محافظًا على سنتي النبوة. كما أنه روى العديد من الأحاديث، منها ما روي عن أخته أم المؤمنين أم حبيبة وأيضًا عن أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم جميعًا. تجدر الإشارة إلى أن معاوية تولى الخلافة بعد الصلح الذي تم بينه وبين الحسن بن علي رضي الله عنهما، وقد استبشر المسلمون بذلك، وهذا ما أطلق عليه عام الجماعة. كانت كفاءة معاوية في قيادة الأمة وحسن إدارته للحكم سببًا لرفع مستوى رضا الناس عنه، حيث قضى عشرين عامًا في ولاية الشام قبل أن يتولى الخلافة. تمت الإشادة به من قبل مؤرخين مثل ابن الطقطقا، الذي قال: (وأما معاوية -رضي الله عنه- كان عاقلاً في دنياه، لبيباً عالماً حاكماً ملكاً قوياً جيد السياسة، حسن التدبير لأمور الدنيا، عاقلاً حكيمًا فصيحًا بليغًا).
يزيد بن معاوية
تولى يزيد بن معاوية الخلافة بعد وفاة والده في دمشق عام ستين للهجرة. لم يتخلف عن بيعته إلا الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم جميعًا، بينما بايعه كثير من الصحابة مثل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر، حرصًا منهم على حقن دماء المسلمين وتجنبًا للفتنة. من الأحداث المأساوية التي وقعت خلال عهد يزيد بن معاوية هو مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما. فقد استدعى أهل الكوفة الحسين للخروج على يزيد، رغم تحذيرات الصحابة من ذلك. وعند وصوله إلى الكوفة، تخلى عنه أهلها وتركوه يواجه مصيره مع من كان معه على يد الوالي عبيد الله بن زياد. من المهم التأكيد على أن قتل الحسين رضي الله عنه حدث دون رضا أو علم من يزيد بن معاوية، حيث أظهر معاوية حزنًا شديدًا عندما بلغه نبأ استشهاد الحسين.