أشعار بدر شاكر السياب في الحب
- في قصيدته “هل كان حباً”، يتساءل بدر شاكر السياب:
هل تُسمين الذي ألقى هياماً؟
أم جنوناً بالأماني؟ أم غراماً؟
ما هو الحب؟ أهو نواح وابتسام؟
أم خفق الأضلع الحرى حينما يتلاقيان
بين عينيك، فأطرقت فراراً باشتياقي
عن سماءٍ لا تسقيني.
عندما جئتُ مستسقياً، إلا بماءٍ دافئ.
العيون الحور لو كن ظلًا في شرابي،
لجفّت الأقداح من بين أكف الأصحاب،
دون أن تشهد أي شيء من السعادة.
هيئي، يا كأس، مكاناً من حافاتك السكرى،
يتلاقى فيه، يوماً، شفتانا،
في خفقٍ ولهيبٍ.
وابتعادٍ منتشر في آفاقه، يظل قريباً.
كم تودّ قلبي المكلوم لو لم تستجيبي،
من بعيدٍ للهوى، أو من قريب.
آه لو لم تعرفي، قبل التلاقي، من حبيب.
أي ثغر مس تلك الشفاها،
حاملاً شكواه آهاً، ثم آها.
غير أني جاهلٌ معنى سؤالي عن حبها،
أهو شيءٌ مما تعانيه، يا هواها؟
أَحسدُ الضوءَ الطربي،
مُوشّكاً، مما يتألق، أن يذوبا.
في رباطٍ أوسع الشَّعر،
السماء البكر من ألوانه آنًا وآناً،
لا يُنيل الطرفَ إلاّ أرجواناً.
ليتَ قلبي لمحةٌ من ذاك الضوء السجين،
أهو حبٌ كل هذا؟! أخبريني.
- قصيدة “عينان زرقاوان”:
عينان زرقاوان.. ينعس فيهما لون الغدير.
أرنو فينساب الخيال وينصب القلب الكسير.
وأغيب في نغم يذوب.. وفي غمائم من عبير.
بيضاء مكسال التلوين تستفيق على خرير.
بعيدة.. تموت وقد تثاءب كوكب الليل الأخير.
يمضي على مهل وأسمع همستين.. وأستدير.
فأذوب في عينين ينعس فيهما لون الغدير.
حسناء.. يا ظل الربيع مللت أشباح الشتاء.
سودًا تطل من النوافذ كلما عبس المساء.
حسناء.. ما جدوى شبابي إن قضى بالشقاء؟
عيناك.. يا للكوكبين الحالمين بلا انتهاء،
لولاهما ما كنت أعلم أن أضواء الرجاء.
زرقاء ساجية.. وأن النور من صنع النساء.
هي نظرة من مقلتيك وبسمة تعد اللقاء.
و يضيء يومي عن غدي وتفر أشباح الشتاء.
عيناك.. أم غاب؟ ينام على وسائد من ظلال.
ساج تلثم باليكون فلا حركة ولا انثيال.
إلا صدى واه يسيل على قياثر في الخيال.
إني أحس الذكريات يلفها ظل ابتهال،
في مقلتيك مدى تذوب عليه أحلام طوال،
وغفا الزمان.. فلا صباح.. ولا مساء ولا زوال.
أني أضيع مع الضباب سوى بقايا من سؤال.
عيناك.. أم غابٍ ينام على وسائد من ظلال.
أشعار نازك الملائكة في الحب
- قصيدة “عند العشاق”:
ربما كان في حياة المحبين،
رجاءً أو دفقة من ضياء.
ربما كان لديهم ذلك الإكسير،
بين الخيال والأهواء.
شاطئ الحب أيها اللامع الخادع،
هات الحديث عن أبنائك.
صف مناه وابعث بأخبارهم وأساهم،
صف لنا ما اختفى وراء صفائك.
صف لنا كيف يعصر العاشق الشوق،
إلى من ينام عن بلواه.
كيف يلهو به الخيال فيمضي
الليل سهران غارقًا في مناه.
صف حياة الذي استبد به الحب،
فخال الحياة جنة سحر،
ومضى فاتحًا ذراعيه للنور،
يصوغ الحياة ديوان شعر،
يلثم الزهر في الحقول ويشدو،
لليالي الحصاد لحن هواه.
راقصًا كالفراش للقمر الفاتن،
خاليًا من يأسه وآلامه.
راسماً للغد الجميل من الأحلام،
ما لا تطيقه الأقدار.
سادراً في أوهامه غير دار،
أن هذه الحياة هول ونار.
في يديه كأس الرحيق يغنيه،
على مسمع النهار ويشرب،
وعلى ثغره ابتسامة مخدوع،
يغنيه الشقاء فيطرب.
ثم يخبو الضياء ذات مساء،
ويفيق النشوان بالأوهام،
فإذا الحقل ذابل لا زهور،
لا فراش لا شيء غير الظلام.
أين تلك الأحلام؟ كيف ذوى الحب؟
وأين الوجه الحبيب النضير؟
يا لغدر الأيام لم تحفظ العهد،
لقلب جنى عليه الشعور.
وتمرّ الحياة والعاشق المهجور،
قلب دام ووجه شاحب.
أبدًا يرجع الخيال إلى الماضي،
ويبكي على الغرام الذاهب.
أبدًا يرمق الحياة كئيبًا،
من وراء الدموع والأحزان.
ويراها الذئب الذي ينهش القلب،
ويقسو على الأسى الإنساني.
أبدًا يسأل الظلام حزينًا،
شارد الفكر، أين ألحان قلبي؟
أين زهري وأين بلبلي المنشود؟
ماذا أضاع أحلام حبي؟
أين تلك التي سكبت عليها
من حياتي ومن فؤادي ولحني؟
أين تلك العيون تلهم أحلامي
وتمحو غشاوة الحزن عني؟
يا لقلب المسكين تلذعه الذكرى
وتحيي غرامه وأساه.
هكذا قد قضى عليه كيوبيـد،
فماذا تفيده شكواه؟
فليجد في الخيال والشعر والذكرى
دواءً لحبه المصدوم،
وليقضِ الحياة بين حقول
القمح والقطن تحت ضوء النجوم.
وليحب الغيوم والفجر والنهار،
ويمضي الأيام بين التلال.
يتغنى فيعشق الزهر موسيقاه
عند الهوى وفوق الجبال.
أشعار محمد مهدي الجواهري
- قصيدة “كل ما في الكون حب وجمال”:
ورجعنا منكم خلوًا رغم
أكلت منهن آمال هزيلة.
لا تقولوا هجرنا عن علة،
ربما سَرَّ حسودًا ما يقال.
أنا من جربتموه ذلك الطاهر،
الحب إذا شينت خصاله.
شيم هذَّبْن طبيعي في الهوى،
مثلما يجلو من السيف الصقال.
أيها الناعم في لذاته،
لذة النفس على الروح وبال.
شهوة غرَّتك فانقدت لها،
ومنى المرء شعور وكمال.