أسباب هجمات الشمال القسنطيني
تتعدد الأسباب التي أدت إلى هجمات الشمال القسنطيني في عام 1955م، وفيما يلي نستعرض أبرز هذه العوامل:
محاولة قمع الثورة
في سنة 1955م، قامت الحكومة الفرنسية بتعيين جاك سوستال قائدًا جديدًا على الجزائر، حيث أوكلت له مسؤولية تنفيذ السياسات الرامية إلى القضاء على الثورة واستعادة الاستقرار في المنطقة. كما سعى إلى ضم عدد من الشخصيات الجزائرية النافذة التي كانت تؤثر على الثوار. هذا بالإضافة إلى تنفيذ السلطات الفرنسية حملات عسكرية مكثفة على منطقة الأوراس وشن هجمات عسكرية مدمرة في مناطق فيرونيك وفيوليت وتيمقا.
إعلان حالة الطوارئ وتنفيذ عمليات التمشيط
في عام 1955م، تم إعلان حالة الطوارئ في الجزائر، مما أطلق العنان المخطط الفرنسي الذي كان يهدف إلى إنهاء الثورة والثوار تحت إشراف العقيد بارلنج. عُرفت هذه الحملة باسم “آفريل 1955م”، وقد ساهم الدعم الذي حصل عليه وزير الداخلية الفرنسي فرانسو ميتران في تنفيذ العديد من عمليات التمشيط العسكرية. تم إرسال تعزيزات عسكرية ضخمة بهدف مواجهة الثوار في منطقة الأوراس وتمشيط كافة المناطق على الحدود الشرقية لتونس.
استشهاد واعتقال عدد من القادة
تعتبر عملية استشهاد ديدوش مراد واعتقال مصطفى بن بولعيد ورابح بيطاط من العوامل الرئيسية التي أدت إلى هذه الهجمات. فقد استشهد ديدوش مراد في الثامن عشر من يناير 1955م، وهو كان يقود المنطقة الثانية من الشمال القسنطيني، وتولى بعده زيغود يوسف قيادتها.
في ذات العام، تم اعتقال مصطفى بن بولعيد، الذي كان قائدًا للمنطقة الأولى (الأوراس) في الرابع عشر من يناير، كما اعتُقل أيضًا رابح بيطاط، قائد المنطقة الرابعة، في الثالث والعشرين من شهر مارس.
التسلسل التاريخي لهجمات الشمال القسنطيني
لقد تمت أحداث الشمال القسنطيني على مراحل عدة، وهذه أهم المحطات:
بداية التحرير
تعتبر الأسباب التاريخية للهجمات في الشمال القسنطيني ليست وليدة اللحظة. فقد عانى الشعب الجزائري من الاستعمار الفرنسي، ولتشكيل جبهات التحرير تم تشكيل فرق لمقاومة الجيش الفرنسي. في 31 أكتوبر 1954م، أصدرت جبهة التحرير الوطنية منشورًا يهدف إلى استعادة سيادة الجزائر على أراضيها.
دعت هذه الحركة إلى الاشتراكية الديمقراطية في إطار إسلامي، وهدفت إلى تحقيق المساواة بين جميع المواطنين في البلاد. وأعربت عن إدراكها لتراجع الجزائر عن المستويات العربية في مجال التحرر الاجتماعي، مؤكدة على ضرورة معالجة هذا القصور بكل الوسائل المتاحة. وقد استخدمت سلاحين في مقاومتها: السلاح الداخلي المتمثل في حرب العصابات، والسلاح الخارجي الذي يتمثل في النشاط الدبلوماسي لتوضيح رؤية الجزائر.
انتفاضة 20 أغسطس 1955
في 20 أغسطس 1955م، شهدت الجزائر انتفاضة قادها آلاف الفلاحين تحت لواء الجبهة الشعبية الوطنية، مما أحدث تحولًا كبيرًا في مجريات الحرب، تلتها عمليات قمع شديدة وعشوائية. تعرضت العديد من الشخصيات السياسية البارزة للهجوم، وفي نهاية شهر سبتمبر 1955م، كانت القضية الجزائرية تتصدر جدول أعمال الأمم المتحدة، مما أدى إلى استقطاب انتباه العالم إلى الثورة.
عندما تولى جاك سوستال الحكم في الجزائر في عام 1955م، لم تكن خطة السيطرة الفرنسية على الثوار ناجحة، ففي أغسطس من ذات العام، انتشر المسلحون في مناطق شمال قسنطينة، مما أدى إلى مقتل حوالي 100 مسؤول فرنسي ومسلم، إلى جانب نحو 1200 جندي فرنسي و12000 جزائري.
حشدت فرنسا أكثر من 60 ألف جندي لمواجهة الثورة الشعبية في الجزائر، إلا أن هؤلاء الجنود أظهروا اعتراضاتهم، مما أدى إلى تصويت المجلس بحجب الثقة عن حكومة إدغار فور، وبالتالي تم حل الحكومة من قبل العملاء. وفيما بعد تم تحديد موعد الانتخابات التشريعية في 2 يناير 1956م.
المؤتمر الأول لجبهة التحرير
عقد المؤتمر الأول لجبهة التحرير في عام 1956م في وادي الصومام، والذي تم فيه تقسم الجزائر إلى ست مناطق، وإصدار وثيقة مكتوبة تتعلق بأهداف الثورة.
الانتصار الانتخابي بعد هجمات الشمال القسنطيني
أسفر الانتصار الانتخابي للجبهة الجمهورية في فرنسا في يناير 1956م عن تولي غي موليت الرئاسة، حيث قام بتعيين جورج كاترو، وهو شخصية ذات خبرة، لإدارة شؤون الجزائر. عند وصول كاترو إلى الجزائر، تعرض أول موكب له لقذائف من الطماطم من قبل الشعب، مما ضغط على الحكومة الفرنسية وساهم في استقالته، ليتم تعيين روبرت لاكوست كوزير من بعده.
تختلف سياسة لاكوست بشكل جذري حيث منح الجيش صلاحيات استثنائية. وقد أسس هيكلاً إداريًا غير مركزي يمنح نوعًا من الاستقلالية. قامت الحكومة الفرنسية بإرسال 500 ألف جندي فرنسي للجزائر لمواجهة الثوار، لكن الثوار كانوا لها بالمرصاد، وقاموا بمحاسبة كل من خالف الوطن.
انتهت الحرب بإعلان استقلال الجزائر في الخامس من يوليو 1962م، بعد احتلال استمر 132 عامًا من قبل فرنسا.