ما كنتُ أتوقعه بعد غيابك يا أبي
ما كنتُ أتوقعه بعد فقدك
يا أبي، ومشاعري غارقة في الأحزان
أنني سأفتقر للحياة، وسأشرب
من نهرها المتلألئ بالنشوة
وأعود إلى الدنيا بقلب ينبض
بالحب، والأفراح، والألحان
ولكل ما في الكون من صور الأمل
وغريب المشاعر والذكريات
حتى مرت السنوات، وأقبلت
فتن الحياة بعذوبتها الساحرة
فإذا بي ما زلتُ طفلاً، شغوفاً
بتعقب الأضواء والألوان
وإذا بالتشاؤم تجاه الحياة ورفضها
ما هو إلا وهمٌ وكلامٌ غير مُجدٍ
إن الإنسان في أعماق نفسه
هو عبدٌ للحياة، مخلصٌ في إيمانه
كلمات شكر يا والدي لا توفي حقك
شعوري تجاهك يا أغلى من في دنيتي هو أكبر بكثير
مهما شُكرتك، سأظل أشعر بالنقص
ابنتك يا أبي تنظر إليك دائماً بعين الفخر
غالي يا أبي، وقد قلتها من قلبٍ مفعم
أنت تاج أضعه فوق رأسي أينما ذهبت
يا من غلاك في قلبي يبني له القصور
قلبي لوطنك، وأنت يا أبي أهلُه
تتكحل عيوني بحديثك وتغمرها السعادة
كلما رأيتك مبتسماً، يطير قلبي فرحاً
نورك يزداد بوجهي كلما رأيتك
طالما أنك بخير، فهذا يعني أن هذه الدنيا بخير
وإن جبت الكون كله بحثاً عنك
فلن أجد شيئاً يضاهي ذلك في هذا الزمن
بختصار، ما أود قوله من مشاعر
ابنتك، عيونها تحبك كثيراً
أبي
طوت بعض نفسي حينما سلكك التراب عني
أما بعضها الآخر، فيفيض بالحزن من عيوني
أبي! خانني الرزق وأما المصائب فقد انهارت
أحلامي كبيت من التين
كانت أيام سعادتي مليئة بالبهجة
وفجأة خيمت على أزهارها أحزان الزمن
كانت أيامي مليئة بالفرح
فابحث حينها عن المتعة في الخمر والملذات
ولم أجد سوى طعم الموت في فمي
وصوت النائحات في أذني
ولا شئ يجمل عيناي، وقليل من الأحيان
فتحتهما قبلاً إلا على الجمال
وكل الصور من بعدك، لم تتغير
لكنها شوهتها يد الحزن
على مناقبك تحت أشعة الضحى وبشرته
وهم في قلبي نار، وعيوني ضبابية
أبحث عن الأسى، ودمعي قد سرى بدمي
وكنت أعد الحزن علامة من علامات الضعف
لكنني أستغرب كيف تحولت ابتسامتي
ليس كمن يرفع الأسى في عاصفة الغضب
قال المعزّي: ليس على المرء أن يحد نفسه بالبكاء
وبالمعزّين لا يجد شيء ذو جدوى
نظرت بروحي حائرًا متطلعا
إلى ما وراء البحر هل أقترب وأتساءل
كأنني طائر يعبر السيل إلى عشه
فطارت على جناح خوف، تحوم حول موطنها
يا ليتني كنت هناك مع القوم عندما
طرحت على المعزّين سؤالاً عن حالي
يا ليت الأرض تنطوي لي بساطها
فأكون مع الباكيين في وقت الدفن
لعلّني أفي بتلك الأبوة حقها
وإن كان العطاء أقل من الحساب
فمن عظمة مجدي كانت أبوّتك لي
وأكبر فخري هو قولك: هذا ابني!
أنا أقول: إذا كنت… كي أفرغ حزني
يزيدُ المراثي كلما قلت: لو كنت!
هل يمكن للأبناء وداع أهلهم؟
أي زمن هذا، إنه منتهى الظلم والفقر!
أبي! عندما أنطق باسمك، كأنني
أنادي وأدعو يا مملكتّي يا ملاذي
لمن يلجأ المحتاج بعدك في خفائي
فيرجع قد أعداء الأمل مبتسمين
قد زينت مرحلة المجد بوضاءة
وانزّه فيك الشيب عن دنس الفناء
فذهنك كالنجم الساطع في ليل الدجى
ورأيت كحد السيف أو ذاك الذهن
كُنت ترى الحياة بلا بهجة
كأرض بلا ماء وصوت بلا لحن
لكن لم يكن لك ضرر على نفسك وحدها
وابتسامتك مع الأهل والأصدقاء
شجاعاً تجاه الطغاة أو جباناً في الخنا
بسرعة عند الطلب، كريم بلا منّ
إذا تحدثت، كنت دوماً شاعراً
فهمك دقيق والذوق يفوق الخيال
لم يشعر من ينصت إليك بالملل
ولا قلت إلا سمع من يُحبك: زدني
رغم إرادتك تركت أرضك، وحتى
برغم كل شيء، سنلحق بالهجرات
طريق سلكه الملايين من قبلنا
بين الملك العظيم وعبده الفن
نظن أن لدينا الدنيا وما فيها
لكنها ليست لنا، كأنما تمثال من أمل
تعود وتذهب حرة في أمواجها
كرجلٍ محبوس في غياهب السجون
وزنت الموت فلسفة الوجود
فأصبح الكلام بدون معنى ولا فائدة
لذا يرجم أكثر أهل الأرض بالجهل
فهذا مثل حائر عنده الوعي
وذاك مثيله ليس له أمنٌ حوله
يا لك من رحلة لم تزل غامضة
بالرغم من تفاصيل الشرح والمعاني
أنت رمز للبنان، جلالاً وهيبة
وحصن للوفاء، محفوظ في ذلك المكان
ضريحك مهما غلفت بسرّ بلاذة
سيبقى يسجل المحامد التي بناها
أحبّ الأبراج التي تمتد قبابها
وأجمل ما في عيني من المدن
على ذلك القبر السلام وفخره
عطر يملأ روحي بذكرك
يا والدي، زال ذلك التعب
يا والدي، زال ذلك التعب
كشمسٍ وراء تلك القمة الشاهقة تختفي
سنون العمر قد مضت
وأبقت في ذاكرتي
طيفاً من مرارتها بكيت في جفني
أنت تذكر اليوم الذي كنا فيه
على الأبواب ننتظر؟
رأينا ظلاً على الطريق
فكانت لهفتنا تتزايد، كلما اقتربت
لأنك كنت ستحملنا على كتفيك بحب
على عينيك والقلب
كنت أعتقد يا والدي
أنني حين تحملني ستناجيني النجوم والشهب
لقد كنا نرى ظلاً
لكننا لم نكن ننظر
لقميصك في وضح النهار
ولا في الظهر ولا العصر
ولا عند الغروب
فكنت دوماً تخرج
إلى العمل مع الصباح
تقبلنا.. تودعنا..
ودمعة أمنا تتساقط
وأنت في ظلام الليل تأتينا
وتطل علينا كبدراً متلألئاً
وفي عينيك حزن عميق
وجسمك قد أثقله التعب
ابتسامتك تتلألأ في حب
وتضحك لتخفي عن أولادك كل آلامك
لكني كنت دائماً أرى الآلام تظهر من ضحكاتك
التي تحمل بداخلها زفرات وأحزان
فمهما أخفيت يا والدي
بنور جبينك الجلالة
وبسمتك المنيرة
وبسمتك الظاهرة توحي
وبلبل دوحتك يغني
فكنت أرى ضلوعك تحت الألم
وعينيك تدرف دموع الحزن
وأنت تحمل القلب الجريح
ومر العمر كطيف وذكرى
كفلاش معتم في ظلام
وأنت اليوم قد تجاوزت الستين
مضت.. لكنها كانت كالأعباء الثقيلة
وأنت ستبقى دائماً شعلة تنير لنا طول الحياة
تعلمنا وترشدنا
بعلم منك لا يتضمنه الكتاب
كنت دائماً تقول: أولادي
مع التقوى
ومع الإيمان بالقدر
يعيش المرء في هذه الدنيا بلا قلق ولا كدر
وحبك يظل متوهجاً عبر السنوات
مدى الأزمان لا تأتي به السحب
نظمت قصيدةً لأبي
بدموع الحب والإخلاص والياقوت والذهب
ومن عرق جبينك
أخذتُ كلمات قافيتي
مداد بالهموم والألم والتعب
نظمت قصيدةً لأبي
بقصائد سأملؤها
بنبض قلبي المتوجع
بأوردتي
قوافيها هي الشهب
وكلماتي الخجلى
تقول اليوم: يا والدي
تلاشى ذلك التعب
يا والدي، سأكتب لك أبياتاً من الشعر
سيكون لقصيدتي أجمل وأحلى المعاني
عساك دائماً تبقى قربي رغم المسافات
لأجلك تهون المسافات مهما كانت بعيدة
غبت عني، وأسأل الله أن لا تطول الغيبات
ونراك كل يوم وفي سنوات طويلة
دائماً في بالي يا عزيز الصفات
كل خطوة فيك واضحة، ورأيك سديد
غيبتك تضيف للحب بعض الدموع
وأنتظر دوماً أخباراً منك جديدة
أنت غالي ابن الغالي بدون أي لفات
أسأل الله أن يديم محبتك لي أياماً سعيدة
وداعاً أبي
وقد أصبحت طيفاً بعيد المزار
وأُقصيتَ عنا
فلما فقدناك في ذلك النهار
وجُردتنا منك
ذهبنا إليك
وبكينا عليك
فقد كنت فينا كعصفور في حانينا
بمحبة تغنى
فقد كنت فينا حُلماً
مع العُمُر عُمراً
مع الليل بدراً، كنت فيه عزيزاً
وقد أصبحت طيفاً بعيد المزار
لقد كان يوماً عصيباً علينا
فوا أسفاً حيث ضاع الشباب
لقد كان كالشمس ما إن بدت
كيف انطوت
وفي الفجر غابت؟!
وها هو كالحلم نشتاق إليه
فنجده حيث انتهينا
سراب
وما كنت أتوقع أن الليالي
ستغتالنا وتدمر أحلامنا
وأن نجوم السما اللامعة ستسقط
ليعلو ذراها التراب
ويصبح من كان يمشي الهوينا
يطير كالعصفور
بل كالشهاب
ويجتاحنا الألم حتى كأننا
كفلك تكون مع الأنين
وداعاً أبي
وداعاً، فالموت جرح عميق
وداعاً، فللموت أنياب وأظافر
وداعاً أبي، وعسى أن تكون حيث ترتقي
إلى جنات الخلد وحسن المآب
والله، لو رخصت العمر كله في رضاك
ما يوفي ربع حقّك، وأنت حقك ما يهون
يا أبتاه، يا تاج رأسي، عسى عمري فداءً لك
يا غناتي، والله إنك لو تريد عيني تمون
خمسة وعشرين عاماً لم أتوان في عطاءك
يا شبيه الغيث لا من ساقه الغيم
ترجوني يا عسى الله لا يخيب لك رجاك
صاين عهد حبك بيدي وبالقلوب
الحقيقة وأنت تدري ما يعززني سواك
والسبب واضح لمن يفهمون
والشعر، وإن كنت بمدحه للشعر هذا وذاك
أنت حقك فوق هامات القصائد والألحان
العفو، واستغفر الله، لكنني أشعر أنك ملاك
عند حديثي معك يمتلئ صدري بالسكينة
وأطمئن وتصبح الدنيا ملكي في جلساتي معك
وإن وقف عزّك، تنهار كل العيون
والله، لو كثَّر خيري، فأنا خيري فداءك
ما أكون؟ شوفني، رجل كامل لكن بدونك
وش أن يكون العمر بدون اجتهادي في حبك؟
وش تكون الرحمة والعطف بدونيك؟
يا أبتاه، تكفى، لا تشيل همهم في قلبك
يكفي أنك تجرعت مرارة الأيام
يا أبتاه، يا نور عيني، أنا أعيش فيك
والله إنه أبرد من الماء على كبد النار
يا أبتاه، جعل روحي فداءً لموطى قدميك
حطني بينك وبين الزمن والتحديات
يا أبتاه، يا جار قلبي، الأفضل أن أذبح ولا أعصاك
بعد كل ما قيل، هم لا يفعلون
العمر والنفس وكل ما أملك لك
وأعرف أن هذا جزء من حقك، وأنت حقك ما يهون
الأب
أعطِ أباك النصف حياً وميتاً
وفضله، ولا تحقر من كرامته شيئاً
أخبرك سراً إذا أثقلت همي كحاملك
وأرضعت محنتك ولم تشكِ
وألقيت الأعباء ووجهك بشاشة
وضمّتك شفتا كعصفور يشتاق
إن كان عاقاً اليوم، فهو على من جرّم
تحمل عن أبيك همومك يوماً
فإن الشيخ قد ضعف وغاب عنك
جئت بك لأمر لم تشأه،
وآثرت أن تربح بما تحمله الحياة
فيديو عن أهمية الأب
شاهد الفيديو لتتعرف على المزيد