قصيدةُ عَجَبْتُ مِنكَ وَمِنِّي
يتحدث الشاعر الحلاج في قصيدته “عَجَبْتُ مِنكَ وَمِنِّي”:
عَجَبْتُ مِنكَ ومِنِّي،
يا مُنْيَةَ المُتَمَنِّي،
أدنيتني منك حتّى
ظننتُ أنّك أنني،
وغبتُ في الوجد حتّى
أفنيتني بك عنّي،
يا نعمتي في حياتي
وراحتي بعد دفني،
ما لي بغيرك أنسٌ،
من حيث خوفي وأمني،
يا من رياض معانيه،
قد حوّيتَ كل فنّي،
وإن تمنيْت شيئاً،
فأنت كل التمني.
قصيدةُ وأيّ أرض تخلو مِنكَ
يقول الشاعر الحلاج في قصيدة “وأيّ أرض تخلو مِنكَ”:
وأيّ أرضٍ تخلو منك حتّى
تعالوا يطلبونك في السماء،
تراهم ينظرون إليك جهراً
وهم لا يبصرون من العمى،
إن إلى كم أنت في بحر الخطايا،
تُبارز من يراك ولا تراه،
وسمتك سمت ذي ورعٍ تقي،
وفعلك فعل متبعٍ هواه.
فيا من بات يخلو بالمعاصي،
وعين الله شاهدة تراك،
أتطمع أن تنال العفو مما
عصيت وأنت لم تطلب رضاه،
فتبْ قبل الممات وقبل يوم
يلاقي العبد ما كسبت يداه.
أتفرح بالذنوب والخطايا،
وتنساه ولا أحد سواه؟
كانت لقلبي أهواءٌ مفرقة،
فاستجمعَت مِن رءاتك عين أهوائي،
فصار يحسدني من كنت أحسده،
وصرتُ مولى الورى مذ صرتَ مولاي،
ما لامني فيك أحبابي وأعدائي
إلّا لغفلتهم عن عظم بلائي،
تركتُ للناس دنياهم ودينهم
شغلاً بحبك يا ديني ودنياي،
أشعلت في كبدي نارين واحدة
بين الضلوع وأخرى بين أحشائي،
إذا دهمتك خيول البعاد،
ونادى اليأس بقطع الرجاء،
فخذْ في شمالك ترس الخضوع،
وشدّ اليمين بسيف البكاء،
ونفسك نفسك كن خائفاً
على حذرٍ من كمين الجفاء،
فإن جاء الهجر في ظلمة
فاسِرْ في مشاعل نور لصفاء،
فقُل للحبيب ترى ذلتي،
فجد لي بعفوك قبل اللقاء،
فوالحب لا تنثنِي راجعاً
عن الحب إلا ببدل المنا.
قصيدة طَلَعَتْ شمس من أحب بلَيْلٍ
يقول الشاعر الحلاج في قصيدته “طَلَعَتْ شمس من أحب بلَيْلٍ”:
طَلَعَتْ شمس من أحب بلَيْلٍ، فـ
ـاستنارت فما عليها من غروب.
عن شمس النهار تطلع بالليل
وشمس القلوب لا تغيب،
رأيت ربي بعين قلبي،
فقلت من أنت؟ قال أنت،
فليس للأين منك أينٌ،
وليس أين حيث أنت،
وليس للوهم منك وهمٌ،
فيعلم الوهم أين أنت.
أنت الذي حُزت كل أين،
بنحو لا أينَ فأينَ أنت؟
وفي فنائي فنَا فنائي،
وفي فنائي وجدت أنت.
لي حبيبٌ أزور في الخلوت،
حاضر غائب عن اللحظات،
ما تراني أصغي إليه بسمع،
كي أعي ما يقول من كلمات.
كلمات من غير شكل ولا نطق،
ولا مثل نغمة الأصوات،
فكأني مخاطب كنت إياه
على خاطري بذاتي لذاتي.
حاضر غائب قريب بعيدٌ،
وهو لم تحوه رسوم الصفات،
هو أدلّ من الضمير إلى الوهم،
وأخفى من لائح الخطرات.
سرّ السرائر مَطويٌّ بإثبات
في جانب الأفق من نور بطيّات.
فكيف والكيف معروف بظاهره؟
فالغيب باطنه للذات بالذات.
تاهت الخلائق في عمياء مظلمةٍ
قصداً ولم يعرفوا غير الإشارات،
بالظن والوهم نحو الحق مطلبهم
نحو الهواء يناجون السماوات.
والرب بينهم في كل منقلب
مُحِلّ حالاتهم في كل ساعات،
وما خلوا منه طرف عين لو علموا
وما خلا منهم في كل أوقات.
قصيدة ما لي بُعْدٌ بَعْدَ بُعْدِكَ
يتحدث الشاعر الحلاج في قصيدته “ما لي بُعْدٌ بَعْدَ بُعْدِكَ”:
فما لي بُعْدٌ بَعْدَ بُعْدِكَ بَعْدَمَا
تَيَقنتُ أنّ القرب والبعد واحد.
وإنّي وإن أُهْجِرتُ فـَالهجرُ صاحبي،
وكيف يصح الهجر والحبّ واجد؟
لك الحمد في التوفيق في محض خالصٍ
لعبدٍ زكيٍ ما لغيرك ساجد.
لا تلمني فاللوم منّي بعيد،
وأجِرْ سيّدي فإنّي وحيد.
إن في الوعد وعْدك الحقّ حقاً،
إن في البدء بدء أمري شديد.
من أراد الكتاب هذا خطابـي،
فاقرؤوا وأعلموا بأنّي شهيد.
قد تصبّرتُ وهل يصبرُ قلبي عن فؤادي؟
مازجت روحك روحي
في دنو وبعدي،
فأنا أنت كما أنّك أنني،
ومرادي،
أنتم ملكتم فؤادي،
فهمتم في كل وادٍ،
ودقّ على فؤادي،
فقد عدمت رقادي،
أنا غريب وحيدٌ،
بكم يطول انفرادي.
قصيدة جبلتْ روحك في روحي
يقول الشاعر الحلاج في قصيدته “جبلتْ روحك في روحي”:
جبلتْ روحك في روحي كما
تجبل العنبر بالمسك الفتّق،
فإذا مسّك شيءٌ مسَّني،
فإذاً أنت أنا لا نفتَرِقْ.
دَخَلْتَ بناسوتي لديك على الخلق،
ولولاك لاهوتي خرجت من الصدق.
فإنّ لسان العلم للنطق والهدى
وإنّ لسان الغيب جَلّ عن النطق.
ظهرتَ لقومٍ والتبستَ لفتيّةٍ،
فتاهوا وضلوا واحتجبتَ عن الخلق.
فتظهر للألباب في الغرب تارةً
وطورا على الألباب تغرب في الشرق.
فيك معنى يدعو النفوس إليك،
ودليل يدلّ منك عليْـك.
لي قلبٌ له إليك عيونٌ
ناظراتٌ وكلّه في يديك.
همّي به ولعةٌ عليك،
يا من إشارتنا إليك.
روحان ضمهما الهوى
فيردح فيك وبيديك.
دنيا تخادعني كأني
لست أعلم حالها،
ذمّ الإله حرامهــا
وأنا اجتنبت حلالها.
مدّتْ إليّ يمينها
فرددتها وشمالها،
ورأيتُها محتاجة
فوهبتُ جملتها لها.
ومتى عرفت وصالها
حتّى أخاف ملالها.
قصيدة ألا أبلّغ أحباءي
يقول الشاعر الحلاج في قصيدته “ألا أبلّغ أحباءي”:
ألا أبلّغ أحبّائي بأنّي
ركبتُ البحر وانكَسرَ السفينة،
أنا مَن أهوى ومَن أهوى أنا،
نحن روحان حَلَلْنا بدنّا،
فإذا أبصرتني أبصرتَهُ،
وإذا أبصرتَهُ أبصرتَنا.
كذا اجتباني وأدناني وشرّفني،
والكلّ بالكلّ أوصاني وعرّفني.
لم يبق في القلب والأحشاء جارحةٌ
إلّا وأعرفه فيها ويعرفني.