قصيدة حب جديدة
- تتحدث غادة السمان في قصيدة حب جديدة:
ابتكرت حبك كي لا تبقى وحدي تحت المطر دون ظلال.
أرسلت لنفسي رسائل عشق منك!
اختلقت حبك كمن يغني في ظلام دامس
كي لا يشعر بالخوف.
عندما نحب يصبح القلب مليئًا بالأشباح،
تنغمس الذكريات بالعطر والدموع ورائحة التفاح.
في لحظات الحب، ينتحب الانتظار على طاولة المقهى،
تمر مواكب الماضي أمامنا، فنغمرها بالياسمين،
ننسى ضجيج بائعي الشارع مع مكبرات الصوت،
وصراخ سيارات الشرطة والإسعاف وأبواق الأعراس
ومراسم الجنازات.
لن أضع الموتى في كهف أعماقي برتبهم كاملة،
لن أصفهم كجنود سقطوا في عذاب الحزن،
ولا سأجلس لأسجلهم بيد الموت،
بل سأحبك، ولن أخفق في اختراع هذا الحب!
حب في عالم النساء المتنوع
- يقول الفرزدق في الغزل:
أحب من النساء، وهن بأشكال مختلفة،
صاحبات الهموم وتلك العيون العسولة.
هن حواجز أمام الحرام بلا فظاظة،
وتمنح ما يحق لها بأناقة.
لقد وجدت أن الحب لا يشفيه إلا،
لقاء يدمر أغلال النسيان.
أقول لنموذج رقيق،
تلك التي تعبت يداها،
وسفر رحلتها كان شاقًا.
ولو كنت تعلمين لقلت لي لا تشعلي،
ولا تشتكي لي من الإرهاق.
فإنك قد وصلتِ، فلا تكوني
كطاحنة مملوءة دون استعداد.
فإن راحتك تأتي مع التعب،
وتكليفي لك مضاعفة التركيز.
وأعدّي السوط من حيث أتى
بحيث توقفت عند المحطة.
فما تركت لك صحراء تعاني،
ولا صخرًا بالقسوة.
إنما يشهد لك العطاء حين
تعلو الأضواء على محياك.
فأما أمامك الهدية مشروطة،
بهذا العطاء الرحمن للذي خشي الضياع.
قصر أمرك من نداك، فتحدثيني،
كما يعبر البحر حين يتلاشى.
لقد رأيتك وما طال انتظارك سوى
أشكالٍ مبهرة من الجمال.
قصيدة القرار
- يقول نزار قباني:
لقد أحببتك .. واتخذت قراري.
فمن سأقدم له اعتذاراتي؟
لا سلطة في الحب تعلو على سلطتي،
فالرأي لي .. والخيار لي.
هذه هي مشاعري .. فلا تتدخلي،
أرجوك، بين البحر والبحار،
تبقى على أرض الحياد .. لأني
سأزيد إصرارًا على إصراري.
ماذا أخاف؟ أنا الشرائع جميعًا،
وأنا المحيط، وأنت من أنهاري.
أنا النساء، جعلتهن خواتم
في أصابعي وكواكب بمداري.
كوني صامتة ولا تتكلمي،
فأنا أدير حواري مع النساء.
أنا من أعطي مراسيم الهوى
للواقفات أمام بوابات مزاري.
أرتب دولتي .. وأرسم خرائطي،
وأنا من يختار لون بحاري.
وأقرر من سيدخل جنتي،
وأنا من سيحدد من سيدخل ناري.
في الحب، أنا المتحكم، المتسلط،
كل عشق يحمل طعم الاستعمار.
فاستسلمي لإرادتي ومشيئتي،
واستقبلي ببراءة أمطاري.
إذا كان لدي ما أقوله، فأنا
سأقوله للواحد القهار.
عيناك وحدهما هما شرعيتي،
مراكبي، وصديقتي في أسفاري.
إذا كان لي وطن، فوجهك وطني،
أو كان لي بيت، فحبك داري.
من يحاسبني عليك؟ وأنت لي
هدية السماء ونعمة القدر؟
من يحاسبني على ما في دمي
من اللؤلؤ والزمرّد والمحار؟
هل يناقشون الديك في ألوانه؟
والشقائق في الربيع، ما من عار.
يا أنت، يا سلطاني ومليكي،
يا كوكبي البحري، يا عشتاري.
أحبك بلا أي تحفظ،
وأعيش فيك ولادتي ودماري.
لقد اقترفتك عن عمد وإرادة،
فإذا كنت عارًا، يا لروعة العار.
ماذا أخاف؟ ومن أخاف؟ أنا الذي
نام الزمان على صدى أوتاري.
مفاتيح القصيدة في يدي،
من قبل بشار ومهيار.
أما جعلت الشعر خبزًا ساخنًا،
وجعلته ثمرات تنمو في الأشجار؟
سافرت في بحر النساء، ولم أزل
منذ ذلك اليوم، جريدتي مقطوعة.
يا غابةً تمشي على أقدامها،
وترشني بعطر القارورة والبهار.
شفتاك تشتعلان كفضيحة،
والناهدان في حالة من الذعر.
وعلاقتي بهما تظل حميمة،
كعلاقة الثوار بالثوار.
فتشرفي بهواي كل لحظة،
وتباركي بجداولي وبذاري.
أنا جيد جدً إذا أحببتني،
فتعلمي كيف تفهمي أطواري.
من يقاضيني؟ وأنت قضيتي،
ورفيق أحلامي، وضوء نهاري.
من يهددني؟ وأنت حضارتي،
وثقافتي، وكتابتي، ومناري.
استقلت من القبائل كلها،
وتركت خلفي خيمتي وغباري.
هم رافضون طفولتي ونبوءتي،
وأنا رفضت مدائن الفخار.
كل القبائل لا ترغب في اكتشاف
هن الحب في قصائدي.
كل السلاطين الذين عرفتهم،
قطعوا يدي ومصادروا شعري.
لكنني قاتلتهم وقتلتهم،
ومررت بالتاريخ كالإعصار.
أسقطت بالكلمات ألف خليفة،
وحفرت بالكلمات ألف جدار.
أصغيرتي، السفينة أبحرت،
فتسلمي كحمامة بجواري.
فلن ينفعك البكاء أو الأسى،
لقد أحببتك، واتخذت قراري.
تذكرت ليلى والذكريات الماضية
يقول قيس بن الملوح في حب ليلى:
تذكرت ليلى والسنين الماضية،
وأيام كانت لا نخشى فيها الأوقات.
يوم كظل الرمح، قصرت ظله،
بلقاء ليلى، فأنستني.
فقال بصير القوم، ألمحت كوكبًا،
ظهر في سواد الليل، وحيدًا.
فقلت له، بل نار ليلى توقدت،
مزدهرة عن ضوءها، بان لي.
ليت ركاب القوم لم تفترق،
ولتكن الليالي تجري بهم.
ياليل، كم من حاجة لي مشغولة،
إذا جئتكم بالليل لم أدر ما هي.
خليلي، إن لا تبكياني، ألتمس
خليلاً، إذا أنزفت دمعي، بكى لي.
وقد يجمع الله المتفرقين، بعدما
يظنان كل الظن أنه لا تلاقيا.
لحى الله أقوامًا يقولون إننا
وجدنا طوال الدهر للحب شافيًا.
ولم ينسني ليلى، فماذا من غنى
لا توبة حتى احتضنت الأسوار.
ولا نسوة صبغن كيداء جلعدًا،
ليشبهن ليلى، ثم نعرضها.
خليلي، لا والله، لا أملك الذي
قضى الله في ليلى، ولا ما قضى لي.
قضاها لغيري، وابتلاني بحبها،
فهلا بشيء غير ليلى ابتلاني؟
وخبرتماني أن تيماء منزلًا
لليلى، إذا ما الصيف ألقى مراسيات.
فهذه شهور الصيف قد انقضت،
فما للنوى ترمي بليلى المراميا؟
فلو أن واشٍ باليمامة داره،
وداري بأعلى حضرموت، يهتدي لي.
وماذا لهم، لا أحسن الله حالهم،
من الحظ في تصريم ليلى حباليا؟
وقد كنت أعلو حب ليلى، فلم أزل
بي النقض والإبرام حتى اختفت.
فيا رب، سوِ الحب بيني وبينها،
يكون كفافًا لا عليا ولا لي.
ما طلع النجم الذي يهتدى به،
ولا الصبح إلا هيج ذكرها لي.
ولا سرت ميلاً من دمشق، ولا بدا
سهيل لأهل الشام إلا بدا لي.
ولا سميت عندي لها من سمية،
من الناس إلا بل دمعي ردائي.
ولا هبت الريح الجنوبية لأرضها،
من الليل إلا بت للريح حانية.
فإن تمنعوا ليلى وتحمي بلادها،
علي فلن تحموا علي القوافيا.
فأشهد عند الله أني أحبها،
فهذا لها عندي، فما عندها لي.
قضى الله بالمعروف منها لغيرنا،
وبالشوق مني والغرام قضى لي.
وأن الذي أملت يأم مالك،
أشاب فويدي واستهان فؤادي.
أعد الليالي ليلة بعد ليلة،
وقد عشت دهراً لا أعد الليالي.
وأخرج من بين البيوت لعلي،
أحدث عنك النفس بالليل خالية.
أراني إذا صليت يممت نحوها
بوجهي، وإن كان المصلي ورائية.
ومابي إشراك، ولكن حبها،
وعظم الجوى أعيا الطبيب، المداوي.
أحب من الأسماء ما وافق اسمها،
أو أشبهه، أو كان منه مدانيًا.
خليلي ليلى أكبر الحاج والمنا،
فمن لي بليلى، أو فمن ذا لها بي؟
لعمري، لقد أبكيتني يا حمامة
العقيق، وأبكيت العيون البواكي.
لعمري، لقد أبكيتني يا حمامة
العقيق، وأبكيت العيون البواكي.
خليلي، ما أرجو من العيش بعدما
أرى حاجتي تُشترى ولا تُشترى لي.
فيا رب، إذ صيرت ليلى هي المنى،
فزنّي بعبينها كما زنتني.
وتُجرم ليلى ثم تعزم أنني
سلوت، ولا يخفى على الناس ما بي.
وإلا فبغضها إليّ وأهلها،
فإني بليلى قد لقيت الأدواء.
فلم أرى مثلينا خليلي صبابةً،
أشد على رغم الأعادي تصافياً.
خليلي، إن ضَنّوا بليلى فقربا
لي النعس والأكفان واستغفرا لي.
خليلي، إن ضَنّوا بليلى فقربا
لي النعس والأكفان واستغفرا لي.
خليلان لا نرجو اللقاء ولا نرى،
خليلين لا يرجوان التلاقي.