قصيدة إذا لم تجد إلا الأسى لك صاحبًا
يقول ابن شهيد:
إذا لم تجد إلا الأسى لك رفيقًا،
فلا تمتنع من البكاء ينساب جارفًا.
سقطت شمس اللقاء بأبي العباس،
وأصبح ضياء الحق في الغرب غاربًا.
كان يقيننا حول مناديه بالصحيح بموته،
لما عظم الأمر الذي أنجا من الخسارة كاذبًا.
وظننا أن الصباح الهاني ليلا،
إلا أن حفنا حزنًا عظيمًا عابرًا.
ثكلنا للأحزان عندما انتزع، وإننا،
فقدناك يا خير البرية ناعبًا.
وما غادرت إذ ألنَّا القبر بنفسه،
ولكن الإسلام أدبر وذهبًا.
عندما اختار التحمل منطلقًا،
منحناه أعناق الكرماء راكبة.
يسير به النعش الأغر وحوله،
أباعد أقارب في حداد فاجع.
عليه حفيف الملائكة قدّمت،
تصافح شيخًا ذاكرًا الله تائبًا.
تتخيل لفيف الناس حول ضريحه،
خليط من زوار وافوا للخطاب.
فمن يملك فصل القول ويضيء نوره،
إذا ناوينا الاعتراض الجافي.
ومن ذا ربيع المسلمين يعيلهم،
إذا عرض الناس لها بشهب كاذبة.
فيا لقلبي الحزين، آه، ذابت أحشائي،
مضى شيخنا المدافع عنا السلاسل.
ومات الذي غاب السرور لفقده،
فليس إن طال السير منه آيبًا.
وكان عظيمًا يطرق الجمع عنده،
ويعنو له رب الكتيبة مستسلما.
وذا مقوّم يعزّ جد البارزين،
يقوم بالحماية عن حومة الدين ضاربًا.
أبا حاتم صبر الأديب فإنني،
رأيت جميل الصبر أحلى العواقب.
وما زلت فينا ترهب الدهر قوة،
وصعبة به نعيي الخطوب القاسية.
سأستغتب الأيام فيك لعله،
لصحة ذاك الجسم تؤدي طلبًا.
قصيدة كفاني شكوى أن أرى المجدَ شاكيًا
يقول ابن خفاجة:
كفاني شكوى أن أرى المجدَ شاكيا،
وحسب الرزايا أن تراني باكيًا.
أداري فؤادًا، يصدع الصدر زفرة،
ورجع أنين، يحلب الدمع ساكيا.
وكيف أُشعل من آلام وجدتني،
له صادرًا عن منهل الماء صاديا.
وها أنا تلقاني الليالي بملئها،
خطوبًا وألقى بالعويل اللياليا.
وتطوي على وخز الأشافي جوانحي،
توالي رزايا لا ترى الدمع شافيًا.
ضمانٌ عليها أن ترى القلب خافقًا،
طوال الليالي أو ترى الطرف داميا.
وأن صفاء الودّ والعهد بيننا،
ليكْرَه لي أن أشرب الماء صافيا.
وكم قد لحّتني العاذلات جهلًا،
ويأبى المعنى أن يطيع اللواحيا.
فقُلت لها: إن البكاء راحة،
به يستريح من ظن أن لا تلاقيا.
ألا إن دهرًا قد تقاضى شبيبتي،
وصحبي لدهر قد تقاضى المراتي.
وقد كنت أهدي المدح، والدّار غربة،
فكيف بإهدائي إليه المراثي؟
أأحبابنا بالعادتين صمتم،
بحكم الليالي أن تجيبوا المنادي؟
فقيدتُ من شكوى، وأطلقتُ عبرتي،
كأن خفضتُ من صوتي هناك شاكيا.
وأكبرتُ خَطبًا أن أرى الصبر باليًا،
وراءَ ظلام الليل والنجمَ ثاويا.
وإن عُطلت النادي به من حلاكم،
وكان على عهد التفاوض حاليًا.
وما كان أحلى مُقتضى ذلك الجنى،
وأحسنَ هاتيك المرامي مراميا.
وأندى محيا ذلك العصر مطلعًا،
وأكرم نادي ذلك الصحب ناديا.
زمانٌ تولى بالمحاسن عاطرٌ،
تكاد لياليه تسيلغ غواليا.
تقضى وألقى بين جنبي لوعة،
أبكي بها، أخرى الليالي، البواكي.
كأنّي لم أنس إلى اللهو ليلة،
ولم أتصفح صفحة الدهر راضية.
ولم أتيقظ الريح تندّى على الحشى،
شذاءً ولم أطربْ إلى الطير شاديا.
وكانت تحايلت، على القرب والنوا،
تطيبُ على مرّ الليالي تعاطيا.
فهَلْ من لِقاءٍ مُعرِضٍ، أو تحيّة،
مع الرّكب يغشا أو مع الطيف ساريًا.
قصيدة الحقُ أبلجُ واضحُ المنهاجِ
يقول ابن عبد ربه:
الحقُ أبلجُ واضحُ المنهاجِ،
والبدرُ يُشرقُ في الظلامِ الداجي.
والسيفُ يعدلُ مَيلَ كلِّ مخالفٍ،
عميت بصيرته عن المنهاجِ.
وإذا المعاقلُ أُرتجتْ أبوابُها،
فالسيفُ يفتحُ قُفْلَ كلِّ رِتاجِ.
نشر الخليفةُ للخلافِ عزيمةً،
طوت البلاد بجحفلٍ رَجراجِ.
جيشٌ يلفُّ كتائبًا بكتائبٍ،
ويضمُّ أفواجًا إلى أفواجِ.
وتراهُ يأفرُ بالقنابلِ والقَنا،
كَالبحرِ عندَ تَلاطُمِ الأمواجِ.
متقاذفُ العِبْريَنِ تخفقُ بالصَّبا،
راياتُه، مُتدافعُ الأمواجِ.
من كلِّ لاحقة الأباطلِ شُدَّفٍ،
رحبِ الصدورِ أمنيةِ الأثباجِ.
وترى الحديدَ فتقشعرُ جلودُها،
خوفَ الطِّعانِ غداةَ كلِّ نِهاجِ.
دهمٌ كأَسدفةِ الظلامِ، وبعضها،
صفرُ المناظرِ كاصفرارِ العاجِ.
من كلِّ سامي الأَخْدعَينِ كأنَّما،
نِيطتْ شكائمُهُ بجذعِ الساجِ.
لما جفلْنَ إلى “بلاي” عشيَّةً،
أقْوتْ معاهدُها منَ الأعلاجِ.
فكأنَّما جاستْ خلالَ ديارهمْ،
أُسدُ العرينِ خَلَت بِسربِ نِعاجِ.
ونَجا ابنُ حفصونٍ، ومَن يكنِ الرَّدى،
والسيفُ طالبُهُ فليسَ بناجِ.
في ليلةٍ أسرتْ به، فكأنما،
خِيلَتْ لديهِ ليلةَ المعراجِ.
ما زالَ يلقحُ كلَّ حربٍ حائلٍ،
فالآنَ أَنتجها بشرِّ نتاجِ.
فإذا سألتَهُمُ: مَواليَ مَنْ همُ،
قالوا: مواليَ كلِّ ليلٍ داجِ.
ركبَ الفِرارُ بعُصبةٍ قد جرَّبوا،
غِبَّ السُّرى وعواقبَ الإدلاجِ.
وبقيةٌ في الحصنِ أُرتجَ دونَهمْ،
بابُ السلامةِ أيَّما إرتاجِ.
سُدَّتْ فِجاجُ الخافقينِ عليهمُ،
فكأنَّما خُلقا بغيرِ فِجاجِ.
نَكصتْ ضلالتهمْ على أعقابها،
وانصاع كفرُهمُ على الأدراجِ.
مَن جاء يسألُ عنهمُ من جاهلٍ،
لم يروَ سَغبًا من دمِ الأوداجِ.
فأولىكَ همْ فوقَ الرَّصيفِ وقد صَغا،
بعضٌ إلى بعضٍ بغيرِ تَناجِ.
رَكبوا على بابِ الأميرِ صوافِناً،
غَنِيتْ عن الإلجامِ والإسراجِ.
أضحى كبيرُهمُ كأنَّ جَبينَهُ،
خضبتْ أسرَّة بماءِ الزّاجِ.
لما رأى تاجَ الخلافةِ خانهُ،
قامَ الصليبُ لهُ مقامَ التَّاجِ.
هذي الفتوحاتُ التي أَذكتْ لنا،
في ظُلمةِ الآفاقِ نورَ سِراجِ.
قصيدة فروع سمت بالمجد من دوحة العليا
يقول ابن شهاب:
فروع سمت بالمجد من دوحة العليا،
لها الصب يصبو لا لهند ولا ميا.
فأكرم بها من دوحة طاب أصلها،
ومن سلسبيل الوحي طاب لها السقيا.
زكا تربها في ربوة المجد فانتهت،
إليها معالي قسمي الدين والدنيا.
وطابت لطيب الأصل أغصانها التي،
ببهجتها تزهو كأن لبست وشيا.
وارج إرجاء البلاد وضوع العوالم،
من أزهارها الطيب والريا.
وهل أثمرت إلا قطوفًا جنية،
بها أنفس الموتى بداء الهوى تحيا.
سرى سرّها في الكائنات وقارنت،
كما أخبر المختار في هديها الوحيا.
إذا اشتد قيظ النائبات على الورى،
تغشاهم من ظلها وارف الأفيا.
هي العصمة الكبرى لمن حام حولها،
من الغمّة السوداء والفتنة الدهيا.
ولا غرو فاستمدادها من محمد،
أجل الورى قدراً وأحسنهم هديا.
أقام لها بيتًا من المجد شامخًا،
وورثها نشر المعارف والطيا.
ومن حيدر أعني ابن فاطمة الذي،
إذا صال لم يغلب وإن قال لم يعيا.
وفاطم والريحانتين ومن جرى،
من النسل جري الأصل أكرم به جريًا.
أولئك حزب الفضل من آل هاشم،
بناة العلى ليسوا عدياً ولا طيا.
ولا زال منهم من به يقتدى وعن،
ضلالتهم يهدي به الخالق العميا.
وعنهم حديث المجد يروي وفيهم،
مواريث طه العلم والحلم والفتيا.
عليهم مدار الحق بل وبهديهم،
تناط أمور الشرع إثباتًا أو نفيا.
عليهم سلام زائر روح من مضى،
وأزكى تحيات تحيى بها الأحيا.
قصيدة اخطب فملكك يفقد الإملاكا
يقول ابن زيدون:
اخطب فملكُكَ يفقد الإملاكا،
واطلب فسعدُكَ يضمن الإدراكا.
وصل النجوم بحظ من لو رامها،
هجرت إليه زهرُها الأفلاكا.
واستهدِ من أحمى مَراتعها المها،
فالصعبُ يسمح في عنانِ هَواكا.
يا أيّها الملكُ الذي تدبيرهُ،
أضحى لمملكة الزمان مِلاكا.
هذه الليالي بالأماني سمحةٌ،
فمتى تقل هاتي تقل لك هاكا.
فاعقل شوارِدَها إزاء عقيلةٍ،
وافَت مُبشِّرةً بنيل مَناكا.
أهدى الزمان إليكَ منها تُحفَةً،
لم تَعُدْ أَن قَرَّتْ بِها عيناكا.
شمسٌ تَوارَت في ظلامِ مضيعةٍ،
ثُمَّ استطارَ لها السنا بِسَناكا.
قُرِنت بِبَدْرِ التَمِّ كافِلَةً لهُ،
أن سوف تُتبعُ فرقَدَينِ سِماكا.
هي والفَقيدةُ كالأَديمِ اختَرتَهُ،
فقدَدتَ إذ خلقَ الشِراكُ شِراكا.
فاصفح عنِ الرُزءِ المعاودِ ذِكرَهُ،
واستأنفِ النعما فذاكَ بِذاكا.
لم يبقَ عذرٌ في تقاسمِ خاطرٍ،
إلا الصبابَةُ مِن دِماءِ عِداكا.
كفارُ أنعمِكَ الأُلى حليتَهُم،
أطواقَهُم سيُطوَّقونَ ظُباكا.
أعرض عنِ الخطَراتِ إنّكَ إن تَشَأ،
تكن النجومُ أَسِنَّةً لقَناكا.
هُصِرَ النعيمُ بعطفِ دهرِكَ فانثنى،
وجرى الفِرندُ بصَفحاتِ دنياكا.
وبدا زمانكَ لابِسًا ديباجَةً،
تَجلو لعينِ المجتَلي سيماكا.
دنيا لزهرتها شعاعٌ مُذهَبٌ،
لو كان وصفًا كانَ بَعضَ حُلاكا.
فتمَلَّ في فُرشِ الكرامة ناعمًا،
واعقد بمَرتبةِ السّرو حُباكا.
وأطِل إلى شَدْوِ القِيانِ إصاخةً،
وتلق مُترعةَ الكؤوسِ دِراكا.
تحتثُّها مثنى مثاني غادةٍ،
شَفَعَت بحَثِّ غِنائِها الإِمساكا.
ما العيشُ إلا في الصبوحِ بسَحَرَةٍ،
قد جاسدت أنوارُها الأحلاكا.
لك أريحيّةُ ماجدٍ إن تعترض،
في لَهْوِ راحِكَ تستهلّ لُهاكا.
من كان يعلقُ في خلالِ نِدامِهِ،
ذمٌّ ببعضِ خِلالِهِ فَخَلاكا.
أُسبوعُ أُنسٍ مُحدِثٌ لي وَحشةً،
علمًا بأني فيهِ لستُ أراك.
فأنا المُعَذّبُ، غيرَ أني مُشعَرٌ،
ثقةً بأنك ناعمٌ فهَناكا.
إني أقومُ بشكرِ طَوْلكَ بعدما،
ملأت مِنَ الدنيا يَدَيَّ يَداكا.
بردَت ظلالُ ذِراكَ وَاِحلَولى جَنى،
نُعماكَ لي وَصَفَت جِمامُ نَداكا.
وأمِنتُ عادِيَةَ العِدا الأقتالِ مُذ،
أُعصمتُ في أَعلى يَفاعِ حِماكا.
جَهدَ المُقِلُّ نصيحةً مَمحوضةً،
أفردتَ مُهديها فلا إشراكا.
وثَناءَ مُحتَفِلٍ كأنَّ ثَناءَهُ،
مِسكٌ بأردانِ المحافل صاكا.
ولتدعُني وَعَدُوَّكَ الشاني فإن،
يرمِ القِراعَ يجد سِلاحِيَ شاكا.
لا تَعدمنَّ الحَظَّ غرساً مُطلِعاً،
ثمرَ الفَوائِدِ دانِياً لجَناكا.
والنصرَ جارًا لا يُحايلُ نُقلَةً،
والصنعَ رهنًا لا يُريد فِكاكا.
وإذا غمامُ السعدِ أَصبَحَ صوبهُ،
دركَ المطالبِ فليَصِل سُقياكا.
فالدّهرُ مُعترفٌ بأنّا لم نَكُن،
لنُسَرَّ مِنهُ بِساعةٍ لولاكا.
قصيدة أَبِشرك أم ماء يسح وبستان
يقول ابن خفاجة:
أَبِشرُكَ أم ماءٌ يَسُحُّ وبُستانُ،
وذكرُكَ أم راحٌ تُدارُ ورَيحانُ.
وإلّا فما بالي وفوديَ أَشمَطٌ،
تَلَوَّيتُ في بُردي كأَنّيَ نَشوانُ.
وهَل هِيَ إلّا جُملَةٌ مِن مَحاسِنٍ،
تَغايَرُ أَبصارٌ عَلَيها وآذانُ.
بِأمثالِها مِن حِكمَةٍ في بَلاغَةٍ،
تُحَلِّلُ أضغانٌ وتَرحَلُ أَظعانُ.
وتُنظَمُ في نَحرِ المعالي قِلادَةٌ،
وتُسحَبُ في نادي المَفاخِرِ أَردانُ.
كَلامٌ كما استشرَفتَ جيدَ جَدايَةٍ،
وَفُصَّلَ ياقوتٌ هُناكَ ومُرجانُ.
تَدَفَّقَ ماءُ الطَبعِ فيهِ تَدَفُّقًا،
فَجاءَ كما يَصفو عَلى النارِ عِقيانُ.
أَتاني يَرِفُّ النورُ فيهِ نَضارَةً،
ويكرَعُ مِنهُ في الغَمامَةِ ظَمآنُ.
وَتَأخُذُ عَنهُ صَنعَةَ السِحرِ بابلٌ،
وتَلوي إِلَيهِ أَخدَعَ الصَبِّ بَغدانُ.
وَجَدتُ بِهِ ريحَ الشَبابِ لُدونَةً،
ودونَ صِبا ريحِ الشَبيبَةِ أَزمانُ.
وشاقَ إِلى تُفّاحِ لُبنانَ نَفحَهُ،
وَهَيهاتَ مِن أرضِ الجَزيرَةِ لُبنانُ.
فَهَل تَرِدُ الأُستاذَ مِنّي تَحِيّةٌ،
تسيرُ كَما عاطى الزُجاجَةَ نَدمانُ.
تَهَشَّ إِلَيها رَوضةُ الحَزنِ سَحَرَةً،
ويَثني إِلَيها مِن مَعاطِفِهِ البانُ.
تَحَمَّلَها حَملَ السَفيرِ بَنَفسَجٌ،
تَحَمَّلهُ حَملَ السَريرَةِ سَوسانُ.