من هو الإمام أبو عبد الله محمد بن علي (المازري)؟
الإمام أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر بن محمد المعروف بالمازري، هو فقيه مالكي بارز وُلِد عام 453هـ في مدينة المهدية بتونس. تميز بمهاراته في مجالات متعددة مثل الأدب، الطب، والرياضيات، واشتهر بكونه من أبرز فقهاء عصره في حفظ وشرح الأحاديث. عُرف علمه الواسع وورعه وتواضعه.
مسيرة الإمام أبو عبد الله محمد بن علي المازري التعليمية
أُطلق لقب المازري على الإمام نسبةً إلى مدينة مازرة الواقعة على الساحل الجنوبي من صقلية التي تتواجه مع شمال تونس، حيث وُلِد ونشأ فيها. بدأ تعليمه في سن مبكرة، حيث تلقى العلم على أيدي العديد من العلماء في عصره، ويبدو أنه بقي مُقيمًا في مدينة المهدية طوال حياته.
من أبرز العلماء الذين تلقى عليهم الإمام المازري تعليمه هم:
- أبو الحسن اللخمي: من أعلام الفقه والحديث، توفي عام 478هـ.
- عبد الحميد الصائغ: فقيه وعالم زاهد، توفي عام 486هـ.
- أبو بكر عبد الله المالكي: فقيه جليل وصاحب كتاب “رياض النفوس”، توفي عام 464هـ.
المكانة العلمية للإمام المازري
يعتبر الإمام المازري من العلماء الذين وصلوا إلى مرتبة الاجتهاد، وقد أقر الكثير من زملائه من العلماء والفقهاء بتلك المكانة، خصوصًا الإمام الذهبي وابن فرحون وآخرين. كان الإمام المازري على عقيدة الأشاعرة، وقد أسس لقواعدها في كتابه “المعلم بفوائد مسلم”.
في هذا الكتاب، تناول العديد من القضايا العقائدية التي تجسد آرائه:
موقفه من الإيمان
تعتبر قضية الإيمان من الموضوعات التي اختلف حولها العديد من الفرق الإسلامية. حيث اعتبر الإمام المازري أن الإيمان يعني اليقين والتصديق، مما يبرز رؤيته الخاصة في هذا السياق.
موقفه من مرتكبي المعاصي من أهل الشهادتين
تعددت الآراء حول عقوبة مرتكبي المعاصي من نطق الشهادتين بين الفرق الإسلامية. صرّح الإمام المازري بأن المرجئة يرون أن المعصية لا تؤثر في الإيمان، بينما الموحدين المعتزلة يعتبرون أن الفاسق الذي ارتكب معصية كبيرة سيخلد في النار. ومن منظور الأشاعرة، التي ينتمي إليها الإمام المازري، يُعتبر مرتكب المعصية مؤمنًا، رغم عذابه في النار، ولكنه سيتمكن في النهاية من الخروج منها بفضل الشفاعة.
أهم مؤلفات الإمام المازري
تمتع الإمام المازري بثراء علمي وإنتاج فكري غزير، ومن أهم مؤلفاته نجد:
- المعلم بفوائد مسلم: يتناول شرح صحيح الإمام مسلم.
- إيضاح المحصول من برهان الأصول: يتضمن شرحًا موسعًا على برهان الإمام الشافعي في أصول الدين.
- المعين على التلقين أو شرح التلقين: شرح لكتاب الإمام الثعلبي المالكي.
- نظم الفرائد في علم العقائد: يوضح العديد من المعتقدات وأصولها.
- أمالي على الأحاديث: شرح للأحاديث التي جمعها أبو بكر محمد بن عبد الله الجوزقي.
- تعليق على مدونة سحنون: يتضمن شرحًا وتعليقًا على المدونة المالكية.
- الكشف والإنباء على المترجم بالإحياء: نقد للأحاديث الموضوعة في كتاب “إحياء علوم الدين” للإمام الغزالي.
- أمالي على رسائل إخوان الصفا: تناول فيه مواضيع هامة من العلوم الرياضية والفلسفية.
- كتاب في الطب: يتناول كل ما يتعلق بعلم الطب.
وفاة الإمام المازري
توفي الإمام المازري في 8 ربيع الأول عام 530هـ، الموافق 12 تشرين الأول 1141م. وقد عاصر في حياته ثلاثة وثمانين عامًا قضى معظمها في طلب العلم. وقد جرت وفاته في مدينة المهدية خلال فترة حكم الحسن بن علي بن يحيى بن تميم المعز، وتركت موته أثرًا عميقًا في نفوس الناس، حيث عم الحزن بينهم.
نُقِل جثمانه عبر البحر من المهدية إلى “المنستير”، حيث تضم تلك المدينة مراقد العلماء والصالحين. وقد حضر الجنازة حشد كبير من الناس، وتمت الصلاة عليه ودفنه، وتم بناء ضريح بسيط له كان قائمًا حتى أواخر القرن الثاني للهجرة.
بسبب قرب المقام من البحر وخشية غمره بالمياه، تم نقل الجثمان مرة أخرى في 23 ذي القعدة عام 1176هـ، الموافق 9 حزيران 1763م، إلى المقام الحالي في مقبرة المنستير.