دور جبر الخواطر في المجتمع
تعريف جبر الخاطر
جبر الخاطر يُشير إلى الفكر الداخلي والراحة النفسية، حيث يرتبط بسلامة الذهن وطيب النفس. إن الخاطر هو ما يحمله الفرد من مشاعر حب وود، وتشمل رغباته وآماله. وعندما يقال “أخذت بخاطره”، فهذا يعني تخفيف حدة مشاعره وجبر قلبه، وبالتالي تحقيق الفرح والتخفيف من الهموم.
يعتبر جبر الخاطر من القيم النبيلة في الأخلاق الإسلامية، حيث يعكس عظمة النفس وطيب القلب. واشتقاق كلمة “جبر” يأتي من اسم الله الجبار، الذي يعالج انكسارات القلوب ويدعو المؤمنين بهذا الاسم لكي يحظوا بدعاء يجبر كسر قلوبهم ويخفف من همومهم.
إن الله الجبار هو الذي يُشعر القلوب بالأمان ويوفر للنفس الهدوء، وقد كان النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- نموذجاً يُحتذى به في جبر الخواطر، حيث كان يحرص على تلبية احتياجات الناس وإدخال السرور إلى قلوبهم.
أهمية جبر الخواطر
يمثل جبر الخاطر صفة محمودة يسعى الإسلام لتحقيقها، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- الأكثر حرصاً عليها. يمثل جبر الخاطر دعامة قوية للصبر والتحمل، وله آثار إيجابية تتجلى في الأمور التالية:
- فتح أبواب المواساة بين الناس من خلال مشاركة أفراحهم وأحزانهم.
- إدخال السرور إلى قلوب الآخرين ودفع همومهم وتهيئة الظروف الصعبة.
- تلبية احتياجات الأفراد سواء كانت مادية أو معنوية، كالكلمة الطيبة أو الدعم المعنوي.
- من يسعى لمساعدة أخيه المسلم، سيجد الله -عز وجل- بجانبه في مساعيه وكسب محبة الآخرين.
- تعزيز الروابط الاجتماعية وروح الأخوة، ودعوة الناس إلى المحبة والتآلف.
- تحقيق رضا الله -سبحانه وتعالى- ومحبتة، مما يجعل القلب فرحاً يوم القيامة.
- تخفيف حدة الكراهية والغضب بين الناس، عبر مساعدة الآخرين في تحقيق احتياجاتهم.
- كسب قلوب الناس من خلال اللطف في الحديث وحسن المعاملة، كما يقول الله تعالى: (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)، وأيضاً كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (والكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ).
عبادة جبر الخواطر في القرآن الكريم والسنة النبوية
تناولت النصوص القرآنية والسنة النبوية الشريفة مفهوم جبر الخواطر بطريقة تؤكد أهمية التعامل الإنساني القائم على التراحم والمواساة، ووردت عدة إشارات في القرآن والسنة توضح ذلك، من بينها:
- جبر الخواطر المنكسرة، كما في حال المطلقة: (وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)، حيث أُعطيت حق المتعة كتعويض.
- تقديم العون للأيتام في مجال توزيع الميراث: (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا).
- إلهام الله -عز وجل- ليوسف -عليه السلام- بالطمأنينة والتعويض عندما ظلمه إخوته: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ)، وجبر خاطره بجعله عزيز مصر بعد محنته (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ).
- للحديث عن أهمية الكلمة الطيبة: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).
- حينما خوف الله أم موسى -عليه السلام- على ولدها، أوحى إليها: (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
- مواساة النبي -صلى الله عليه وسلم- للأنصار أثناء تقسيم الغنائم: (لو سلك النَّاسُ وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا، وَسَلَكَتِ الأنْصَارُ وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأنْصَارِ).
- حثّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على تلبية احتياجات المحتاجين: (أَطْعِمُوا الجائِعَ، وعُودُوا المَرِيضَ، وفُكُّوا العانِيَ).
- حث المجتمع على مراعاة ذوي القربى بكلمات لطيفة والاعتذار إليهم دون استهانة: (إِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلًا مَّيْسُورًا).