أبو العتاهية
يُعرف أبو العَتاهِيَة، والذي يُدعى إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني العنزي أبو إسحاق، بأنه شاعر شهير نشأ قرب الكوفة وعاش في بغداد حيث وافته المنية بها. بدأت مسيرته المهنية في بيع الجرار قبل أن تتاح له الفرصة للتواصل مع الخلفاء، مما elevate his status بينهم. وفي فترةٍ معينة، توقف عن قول الشعر. وعندما علم الخليفة العباسي المهدي بهذا الأمر، استدعاه وأمر بسجنه وهدده بالقتل إن لم يعد إلى قول الشعر. فاستجاب أبو العتاهية ورجع إلى نظم الشعر، مما أدى إلى إطلاق سراحه. ويُعتبر أبو العتاهية من أبرز شعراء المولدين، حيث تميز شعره بالإبداع. في هذه المقالة، سنستعرض أجمل قصائد الديوان لأبو العتاهية.
لعَمْرُكَ ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ
لعَمْرُكَ، ما الدّنيا بدارِ بَقَاءِ؛
كَفَاكَ بدارِ المَوْتِ دارَ فَنَاءِ.
فلا تَعشَقِ الدّنْيا، أُخيَّ، فإنّما
يُرَى عاشِقُ الدُّنيَا بجُهْدِ بَلاَءِ.
حَلاَوَتُهَا ممزَوجَة ٌ بمرارة ٍ
ورَاحتُهَا ممزوجَة ٌ بِعَناءِ.
فَلا تَمشِ يَوْمًا في ثِيابِ مَخيلَةٍ
فإنَّكَ من طينٍ خُلِقْتَ ومَاءِ.
لَقَلّ امرُؤٌ تَلقاهُ لله شاكِراً؛
وقلَّ امرؤٌ يرضَى لهُ بقضَاءِ.
وَللّهِ نَعْمَاءٌ عَلَينا عَظيمَة،
وللهِ إحسانٌ وفضلُ عطاءِ.
ومَا الدهرُ يَوْمًا واحِدًا في اختِلاَفِهِ
ومَا كُلُّ أيامِ الفتى بسَوَاءِ.
ومَا هُوَ إلاَّ يومُ بؤسٍ وشدةٍ
ويومُ سُرورٍ مرَّةً ورخاءِ.
وما كلّ ما لم أرْجُ أُحرَمُ نَفْعَهُ؛
وما كلّ ما أرْجوهُ أهلُ رَجاءِ.
أيَا عجبَا للدهرِ لاَ بَلْ لريبِهِ
يخرِّمُ رَيْبُ الدَّهْرِ كُلَّ إخَاءِ.
وشَتّتَ رَيبُ الدّهرِ كلَّ جَماعَةٍ
وكَدّرَ رَيبُ الدّهرِ كُلَّ صَفَاءِ.
إذا ما خَليلي حَلّ في بَرْزَخِ البِلى
فَحَسْبِي بهِ نأْيًا وبُعدَ لِقَاءِ.
أزُورُ قبورَ المترفينَ فَلا أرَى
بَهاءً، وكانوا، قَبلُ، أهل بهاءِ.
وكلُّ زَمانٍ واصِلٌ بصَريمَةٍ،
وكلُّ زَمانٍ مُلطَفٌ بجَفَاءِ.
يعِزُّ دفاعُ الموتِ عن كُلِّ حيلةٍ
ويَعْيَا بداءِ المَوْتِ كلُّ دَواءِ.
ونفسُ الفَتَى مسرورَةٌ بنمائِهَا
وللنقْصِ تنْمُو كُلُّ ذاتِ نمَاءِ.
وكم من مُفدًّى ماتَ لم يَرَ أهْلَهُ
حَبَوْهُ، ولا جادُوا لهُ بفِداءِ.
أمامَكَ، يا نَوْمانُ، دارُ سَعادَةٍ
يَدومُ البَقَا فيها، ودارُ شَقاءِ.
خُلقتَ لإحدى الغايَتينِ، فلا تنمْ،
وكُنْ بينَ خوفٍ منهُمَا ورَجَاءُ.
وفي النّاسِ شرٌّ لوْ بَدا ما تَعاشَرُوا
ولكنْ كَسَاهُ اللهُ ثوبَ غِطَاءِ.
طلبتك يا دنيا فأعذرت في الطلب
طَلَبتُكِ يا دُنيا فَأَعذَرتُ في الطَلَب،
فَما نِلتُ إِلّا الهَمَّ وَالغَمَّ وَالنَصَب.
فَلَمّا بَدا لي أَنَّني لَستُ واصِلاً
إلى لَذَّةٍ إِلّا بِأَضعافِها تَعَب.
وَأَسرَعتُ في ديني وَلَم أَقضِ بُغيَتي،
هَرَبتُ بِديني مِنكِ إِن نَفَعَ الهَرَب.
تَخَلَّيتُ مِمّا فيكِ جُهدي وَطاقَتي
كَما يَتَخَلّى القَومُ مِن عَرَّةِ الجَرَب.
فَما تَمَّ لي يَوماً إِلى اللَّيلِ مَنظَرٌ
أُسَرُّ بِهِ لَم يَعتَرِض دونَهُ شَغَب.
وَإِنّي لَمِمَّن خَيَّبَ اللَهُ سَعيَهُ
إِذا كُنتُ أَرعى لَقحَةً مُرَّةَ الحَلَب.
أَرى لَكَ أَن لا تَستَطيبَ لِخِلَّةٍ
كَأَنَّكَ فيها قَد أَمِنتَ مِنَ العَطَب.
أَلَم تَرَها دارَ افتِراقٍ وَفَجعَةٍ
إذا ذَهَبَ الإِنسانُ فيها فَقَد ذَهَب.
أُقَلِّبُ طَرفي مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ
لِأَعلَمَ ما في النَفسِ وَالقَلبُ يَنقَلِب.
وَسَربَلتُ أَخلاقي قُنوعاً وَعِفَّةً
فَعِندي بِأَخلاقي كُنوزٌ مِنَ الذَهَب.
فَلَم أَرَ خُلقاً كَالقُنوعِ لِأَهلِهِ
وَأَن يُجمِلَ الإِنسانُ ما عاشَ في الطَلَب.
وَلَم أَرَ فَضلاً تَمَّ إِلّا بِشيمَةٍ
وَلَم أَرَ عَقلاً صَحَّ إِلّا عَلى أَدَب.
وَلَم أَرَ في الأَعداءِ حينَ خَبَرتُهُم،
عَدُوّاً لِعَقلِ المَرءِ أَعدى مِنَ الغَضَب.
وَلَم أَرَ بَينَ اليُسرِ وَالعُسرِ خُلطَةً،
وَلَم أَرَ بَينَ الحَيِّ وَالمَيتِ مِن سَبَب.
الخير مأمول عند الله
طولُ التعاشرِ بينَ الناسِ مملولُ،
ما لابنِ آدمَ إن فتشْتَ معقولُ.
للمَرْءِ ألْوَانُ دُنْيَا: رَغْبَة ً وَهوًى
وعقلهُ أبداً ما عاشَ مدخُولُ.
يا راعيَ النّفسِ لا تُغْفِلْ رِعايَتَها،
فأنتَ عن كلّ ما استرْعَيتَ مَسؤولُ.
خُذْ ما عرفتَ ودعْ ما أنتَ جاهلُهُ
للأمْرِ وَجهانِ: مَعرُوفٌ، وَمَجهولُ.
وَاحذَرْ، فلَستَ من الأيّامِ مُنفَلِتاً،
حتى يغُولَكَ من أيامِكَ الغُولُ.
والدائراتُ بريبِ الدهرِ دائرةٌ
والمرءُ عنْ نفسهِ ما عاشَ مختولُ.
لن تستتم جميلاً أنتَ فاعلهُ
إلاّ وَأنتَ طَليقُ الوَجْهِ، بُهلولُ.
ما أوْسَعَ الخَيرَ فابْسُطْ راحَتَيكَ به،
وكُنْ كأنّكَ، عندَ الشّرّ، مَغلُولُ.
الحَمْدُ للّهِ في آجالِنا قِصَرٌ،
نبغي البقاءَ وفي آمالِنَا طُولُ.
نعوذُ باللهِ من خذلانهِ أبداً
فإنَّما الناسُ معصومٌ ومخذولُ.
إنّي لَفي مَنزِلٍ ما زِلْتُ أعْمُرُهُ،
على يقيني بأنّي عنهُ منقُولُ.
وَأنّ رَحْلي، وَإنْ أوْثَقْتُهُ، لَعَلى
Mَطِيّة، مِنْ مَطايا الحَينِ، محمولُ.
ولو تأهبتُ والأنفاسُ في مهلٍ
والخيرُ بيني وبين العيشِ مقبولُ.
وادي الحَياةِ مَحَلٌّ لا مُقامَ بِهِ،
لنازِليهِ، ووادي المَوْتِ مَحْلُولُ.
والدارُ دارُ أباطيلٍ مشبهةٍ
الجِدُّ مُرٌّ بها، وَالهَزْلُ مَعسُولُ.
وَلَيْسَ من مَوْضعٍ يأتيهِ ذو نَفَسٍ،
إلاّ وَللمَوْتِ سَيفٌ فيهِ مَسْلُولُ.
لم يُشْغَلِ المَوْتُ عَنّا مُذْ أعِدَّ لَنا
وكُلُّنا عَنْهُ باللذّاتِ مشَغولُ.
ومنْ يمتْ فهوَ مقطوعٌ ومجتنبٌ
والحَيُّ ما عاشَ مغشِيٌّ، وَمَوْصُولُ.
كلْ ما بدَا لك فالآكالُ فانيةٌ
وَكُلُّ ذي أُكُلٍ لا بُدّ مأكُولُ.
وكل شيءٍ من الدنيَا فمنتقضٌ
وكُلّ عَيشٍ منَ الدّنْيا، فمَمْلُولُ.
سُبحانَ مَنْ أرْضُهُ للخَلْقِ مائِدَةٌ،
كلٌّ يوافيهِ رزقٌ منهُ مكفولُ.
غَدّى الأنَامَ وَعَشّاهمْ، فأوْسَعَهم،
وفضلهُ لبُغاة ِ الخير مبذولُ.
يا طالِبَ الخيرِ ابشرْ واستعدَّ لهُ
فالخيرُ أجمعُ عند اللهِ مأمولُ.
الخير والشر عادات وأهواء
الخَيرُ وَالشَرُّ عاداتٌ وَأَهواءُ
وَقَد يَكونُ مِنَ الأَحبابِ أَعداءُ.
لِلحِلمِ شاهِدُ صِدقٍ حينَ ما غَضَبٌ
وَلِلحَليمِ عَنِ العَوراتِ إِغضاءُ.
كُلٌّ لَهُ سَعيُهُ وَالسَعيُ مُختَلِفٌ
وَكُلُّ نَفسٍ لَها في سَعيِها شاءُ
لِكُلِّ داءٍ دَواءٌ عِندَ عالِمِهِ
مَن لَم يَكُن عالِماً لَم يَدرِ ما الداءُ.
الحَمدُ لِلَّهِ يَقضي ما يَشاءُ وَلا
يُقضى عَلَيهِ وَما لِلخَلقِ ما شاؤوا.
لَم يُخلَقِ الخَلقُ إِلّا لِلفَناءِ مَعًا
نَفنى وَتَفنى أَحاديثٌ وَأَسماءُ.
يا بُعدَ مَن ماتَ مِمَّن كانَ يُلطِفُهُ
قامَت قِيامَتُهُ وَالناسُ أَحياءُ.
يُقصي الخَليلُ أَخاهُ عِندَ ميتَتِهِ
وَكُلُّ مَن ماتَ أَقصَتهُ الأَخِلّاءُ.
لَم تَبكِ نَفسَكَ أَيّامَ الحَياةِ لِما
تَخشى وَأَنتَ عَلى الأَمواتِ بَكّاءُ.
أَستَغفِرُ اللَهَ مِن ذَنبي وَمِن سَرَفي
إِنّي وَإِن كُنتُ مَستوراً لَخَطّاءُ.
لَم تَقتَحِم بي دَواعي النَفسِ مَعصيةً
إِلّا وَبَيني وَبَينَ النورِ ظَلماءُ.
كَم راتِعٍ في ظِلالِ العَيشِ تَتبَعُهُ
مِنهُنَّ داهِيَةٌ تَرتَجُّ دَهياءُ.
وَلِلحَوادِثِ ساعاتٌ مُصَرَفَةٌ
فيهِنَّ لِلحَينِ إِدناءٌ وَإِقصاءُ.
كُلٌّ يُنَقَّلُ في ضيقٍ وَفي سَعَةٍ
وَلِلزَمانِ بِهِ شَدٌّ وَإِرخاءُ.
الحَمدُ لِلَّهِ كُلٌّ ذو مُكاذَبَةٍ
صارَ التَصادُقُ لا يُسقى بِهِ الماءُ.
الرّفْقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ
الرّفْقُ يَبلُغُ ما لا يَبلُغُ الخَرَقُ،
وقلَّ في الناسِ منْ يصفُو لهُ خُلُقُ.
لمْ يفلقِ المرءُ عن رشدٍ فيتركَهُ
إلاّ دَعاهُ إلى ما يَكْرَهُ الفلَقُ.
الباطِلُ، الدّهْرَ، يُلْفَى لا ضِياءَ لَهُ،
والحقُّ أبلجُ فيهِ النورُ يأتلِقُ.
متى يُفيقُ حَريصٌ دائِبٌ أبَداً،
وَالحِرْصُ داءٌ لهُ تحتَ الحَشا قَلَقُ.
يستغنم الناسُ من قومٍ فوائدهمْ
وَإنّما هيَ في أعناقِهِمْ رَبَقُ.
فيَجهَدُ النّاسُ، في الدّنيا، مُنافسة،
وليسَ للناسِ شيءٌ غيرَ ما رُزِقُوا.
يا مَن بنى القَصرَ في الدّنْيا، وَشَيّدَه،
أسّسْتَ قَصرَكَ حَيثُ السّيلُ وَالغرَقُ.
لا تَغْفُلَنّ، فإنّ الدّارَ فانِيَة،
وشربهَا غصصٌ أو صفوهَا رنقُ.
والموتُ حوضٌ كريهٌ أنت واردُهُ
فانظرْ لنفسكَ قبلَ الموتِ يا مَذِقُ.
اسْمُ العَزيزِ ذَليلٌ عِنْدَ مِيتَتِهِ؛
وَاسْمُ الجَديدِ، بُعَيدَ الجِدّةِ، الخَلَقُ.
يَبلى الشّبابُ، وَيُفني الشّيبُ نَضرتَهُ،
كمَا تَساقَطُ، عن عيدانها، الوَرَقُ.
ما لي أرَاكَ، وَما تَنفَكّ من طَمَعٍ،
يَمْتَدّ مِنْكَ إلَيْهِ الطّرْفُ، وَالعُنُقُ.
تَذُمّ دُنْياكَ ذَمّاً لا تَبُوحُ بِهِ،
إلاّ وَأنتَ لهَا في ذاكَ مُعْتَنِقُ.
فَلَوْ عَقَلْتُ لأعْدَدْتُ الجِهازَ لهَا،
بعدَ الرحيلِ بهَا ما دامَ لي رمقُ.
إذا نَظَرْتَ مِنَ الدّنْيا إلى صُوَرٍ،
تخَيّلَتْ لكَ يَوْمًا فَوْقَها الخِرَقُ.
ما نَحْنُ إلاّ كَرَكْبٍ ضَمّهُ سَفَرٌ
يَوْمًا، إلى ظِلّ فَيٍّ ثُمّتَ افترَقُوا.
وَلا يُقيمُ على الأسْلافِ غابِرُهُمْ،
كأنهمْ بهمِ مَنْ بعدهمْ لحقُوا.
ما هبَّ أو دبَّ يفنَى لا بَقاءَ لهُ
والبَرُّ، والبَحرُ، وَالأقطارُ، وَالأفقُ.
نستوطِنُ الأرضَ داراً للغرورِ بِهَا
وَكُلّنا راحِلٌ عَنها، وَمُنْطَلِقُ.
لَقَدْ رَأيْتُ، وَما عَيني براقِدَة،
قتلَى الحوادثِ بينَ الخلقِ تخترقُ.
كمْ من عزيزٍ أذلَّ الموتُ مصرعَهُ
كانَتْ، على رَأسِهِ، الرّاياتُ تختفقُ.
كلُّ امرء ولهُ رزقٌ سيبلغُهُ
واللهُ يرزُقُ لا كيسٌ ولا حمقُ.
إذا نَظَرْتُ إلى دُنْياكَ مُقْبِلَة،
فلا يغُرَّنْكَ تعظِيمٌ ولا مَلَقُ.
أخَيَّ إنَّا لنحنُ الفائزونَ غَدَا
إنْ سلَّمَ اللهُ منْ دارٍ لهَا علقُ.
فالحمدُ للّهِ حمْداً لا انْقِطاعَ لَهُ،
ما إنْ يُعَظَّمُ إلا مَنْ لَهُ ورقُ.
والحمدُ للهِ حمداً دائماً أبداً
فازَ الّذينَ، إلى ما عِندَهُ، سَبَقُوا.
ما أغفلَ الناسَ عنْ يومِ انبعاثهمِ
وَيوْمِ يُلجِمهُم، في الموْقِفِ، العَرَقُ.