إن عبارة “أحبب من شئت فإنك مفارقه” تعبر عن معانٍ عميقة وجميلة، وقد وردت من لسان جبريل عليه السلام إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
نستقي هذه الكلمات المعبرة من تعاليم أنبيائنا الكرام وأحبتنا عليهم السلام.
لقد اختار الله عز وجل ملائكة متميزة للنزول إلى الأرض والتحدث مع الرسل، حيث تلخص هذه الكلام جوهر الحياة. في هذه المقالة، سنتناول المزيد عن ما ورد على لسان سيدنا جبريل عليه السلام، وكيف أوضحه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتابعوا معنا.
نص الحديث: “أحبب من شئت فإنك مفارقه”
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتاني جبريل فقال يا محمد: عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، وادعُ ما شئت فإنك مجزى به. واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزته استغناؤه عن الناس”.
تابعوا القراءة:
تفسير حديث “أحبب من شئت فإنك مفارقه”
بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أشرف الخلق وآخر الأنبياء.
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد:
- رُوي عن الحاكم في المستدرك من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، حيث ذكر أن جبريل عليه السلام جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بهذا الحديث.
- الحديث يتضمن معانٍ جميلة وحكمًا نافعة تلخص لنا معنى الحياة التي نعيشها. فإذا اتبعنا ما جاء في نص الحديث، سنجد السعادة والأمان إلى يوم الدين.
- تأتي هذه التوجيهات الجليلة من الملك الحق، الله وحده لا إله إلا هو، الذي علمنا هذه الكلمات والحكم وأرسلها إلى سيدنا محمد ليبلغها للبشرية كلها.
- إذا عمل بالإنسان بهذه التعاليم، سينجح في حياته ولن تصيبه مضرة أو عداوة.
- عند التأمل في كلمات هذا الحديث، نجد أن كل كلمة تعبر عن معنى واضح، لكنها تحتاج إلى بعض التأمل من قبلنا.
- لنبدأ من بداية الحديث الشريف: “عش ما شئت”.
- هذه العبارة تحمل دلالات كبيرة؛ فهي تعني أن كل ما تعيشه من سنوات، فإن آجلك في النهاية آتٍ لا محالة.
- إن الموت هو نهاية الطريق ولا يوجد أي إنسان باقٍ على وجه الأرض.
- كل منا يأخذ نصيبه الذي كتبه الله له من الدنيا، ثم يرحل إلى الدار الأبدية.
- إلى برزخ الموت إلى أن يلتقي بوجه الله سبحانه وتعالى. وقد جاء ذلك في قوله تعالى: “إنك ميت وإنهم ميتون. ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون”.
- هل يستطيع الإنسان تأخير أجله؟ بالطبع لا، وهذا هو مضمون الحديث لتأكيد أن “عش ما شئت فإنك ميت”.
تابع تفسير الحديث
- لا يمكن للإنسان التحكم في قصر عمره أو طوله، حيث يأتي أجله كما كتب له، ويأخذ نصيبه من الدنيا.
- وروى البخاري ومسلم حديثًا عن أبي هريرة رضي الله عنه، يذكر قصة ملك الموت واستجابة سيدنا موسى عليه السلام.
- عندما أراد ملك الموت قبض روح سيدنا موسى، جاءه بمظهر مفاجئ، لكنه عاد إلى الله بعد أن تصدى له موسى.
- أمر الله ملك الموت بأن يعود إليه مجددًا ليقنعه بأن يضع يده على ظهر ثور.
- النص يؤكد أن الموت لا مفر منه، وهو موعد محتم.
- ذُكر في السورة المباركة، المتعلق بمصير الإنسان بين الحياة والموت.
تفسير آخر لحديث “أحبب من شئت فإنك مفارقه”
النص الأساسي للحديث يشير إلى قول الله تعالى: “وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول: رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين، ولن يؤخر الله نفسًا إذا جاء أجلها، والله خبير بما تعملون”. هذه الآية جاءت في سورة المنافقون.
- تم ذكر قول الله تعالى أيضًا في سورة العنكبوت: “من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله آتٍ، وهو السميع العليم”.
- وورد قوله أيضًا: “فلا تغركم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور”.
- هذه الآيات جاءت كتنبيه ووعيد بأن أجل الله آتٍ ولا غفلة عنه، مما يدعونا للعمل الصالح، والإجتهاد في العبادة.
- من المهم أن نستعد لأن الموت قد يأتي في أي وقت مادام هناك غفلة.
- الخلاصة من الأحاديث والعبر المذكورة هي أن الموت آت مهما طالت الحياة.
- فالمؤمن يجب أن يكون مخلصًا في عمله لله، ولا يجب أن يغتر بالحياة الدنيا.
الفوائد المستنبطة من حديث “أحبب من شئت فإنك مفارقه”
- تعني هذه العبارة أنه من الضروري أن تستمتع بحياتك، لكن عليك أن تجعل في بالك أنه سيتوجب عليك أن تفارق هذه الحياة يومًا ما.
- يجب أن تدرك أن ما تملكه من المال والمقام والفخر ليس سوى متاع زائل، لذا احبب ما شئت، لكن كن واعيًا أن هذا سيذهب منك.
- الأيام التي نعيشها ما هي إلا اختبار من الله، إما أن نفوز فيه بإرضائه، أو نخذل أنفسنا.
- عليك عزيزي المؤمن أن تعمل ما جاء من تعاليم رسول الله وما تعلّمه لنا سيدنا جبريل.
- أعمالك ستبقى معك بعد وفاتك، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الميت يذهب من الدنيا ومعه ثلاثة: يفارقه اثنان ويبقى معه واحد، يفارقه أهله وماله، ويبقى معه عمله”.
تابع “أحبب من شئت فإنك مفارقه”
- هذه العبارة بمثابة تذكير للإنسان بأن عليه الاستعداد للوقت الذي سيتفارق فيه عن أحبته، حيث إن الكثير من الناس يشعرون بفقدان روحهم عندما يفقدون شخصًا عزيزًا.
- توصيات رسول الله وكلمات الله تدعونا للصبر، لأنه لا مفر من الفراق.
- يجب على المؤمن أن يركز على أعماله قبل أي شيء، لأن عمله هو الذي لن يفارقه، لذا ينبغي أن يكون عمله صالحًا.
- أما عبارة “اعمل ما شئت فإنك مجزى به” تؤكد أن كل ما نقوم به سيحاسب عليه الإنسان في الآخرة.
- ما من شيء نفعله إلا وسيكون محل محاسبة.
- فكما يقول الله تعالى: “من يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره”.
تفسير “واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل”
في هذا السياق، يجب أن نفهم أن قيام الليل يشكل شرفًا عظيمًا للمؤمن ويعزز مكانته عند الله -عز وجل-.
- تأتي قيمة قيام الليل في أنه سمة الصالحين، وهو يقرب العبد من ربه، ويغفر له ذنوبه.
- صلاح الليل هو وقت خاص للدعاء والاستغفار.
- العبادة في الظلام هي علامة على إخلاص المؤمن وعزيمته.
تابع تفسير قوله “واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل”
- يجب أن يتذكر الإنسان أنه لا ينبغي له الاعتماد على الآخرين في قضاء احتياجاته، بل يعتمد على الله وحده.
- المؤمن يعيش حياته بكرامة وعزة، بعيدًا عن الاستعانة بالناس.
- قال الله تعالى: “ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين”.
تابع أيضًا:
شرح حديث “أحبب من شئت فإنك مفارقه”
“عِشْ ما شئتَ فإنك ميت”:
- يشير هذا المعنى إلى أن الحياة الدنيا رغم ما فيها من ملذات، إلا أن الموت قادم لا محالة.
- تذكير للمؤمنين بضرورة الاهتمام بالآخرة وتحضير النفس لما بعد الموت.
- الحياة مليئة بالمسرات، ولكن الموت لابد منه.
“أحببْ من شئتَ فإنك مفارقه”:
- توضح أن العلاقات الإنسانية، مهما كانت قوية، ستنتهي في النهاية.
- حتى لو كنت تحب شخصًا ما، سيفارقك للسبب أو الآخر.
- لذا، يُشجع على حب الآخرين بتوازن، دون الاعتماد الكلي عليهم.
“واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل”:
- يدل على أن القيام بالليل هو من أرقى مظاهر الشرف والكرامة للمؤمن.
- هو وقت العبادة والذكر والتقرب إلى الله، مما يظهر إخلاص المؤمن.
“وعزُّه استغناؤه عن الناس”:
- كرامة المؤمن تكمن في عدم اعتماده على الآخرين.
- على المؤمن أن يكون قويًا ومستقلاً، ويعتمد على الله في جميع جوانب حياته.