أنواع الهجرة في الإسلام
الهجرة في اللغة تعني ترك الشيء، أما في الاصطلاح فقد عرفها ابن الأثير بأنها ترك الشخص لأهله ووطنه والانتقال إلى بلاد الإسلام طلبًا لمرضاة الله -تعالى-، وتمسكًا بدينه بعيدًا عن الفتن ولتحصيل الأجر والثواب. ويمكن أن يكون الترك حسياً أو معنوياً، حيث تشير الهجرة الحسية إلى مغادرة الفرد لأرضه حيث يتعرض للاضطهاد. في هذا السياق، ذكر القرآن الكريم تأنيب الملائكة لشخصٍ لم يهاجر رغم قدرته على ذلك، حيث قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا). بينما الهجرة المعنوية تشير إلى الهجرة من أجل الله ورسوله، كما في هجرة المسلمين إلى الحبشة، والتي تمثل هجرةً حسية ومعنوية في الوقت ذاته. وعند الحديث عن الهجرة بشكل عام، يُقصَد بها هجرة النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته من مكة إلى المدينة. سنستعرض في هذا المقال أنواع الهجرة.
الهجرة إلى الحبشة
عانى المسلمون من اضطهادات كبيرة من المشركين، وبعد استمرار تلك الأذى، بدأوا في التفكير في خطة للنجاة. وقد أُنزلت سورة الكهف التي أكدت مشروعية ترك المسلم لبلاده عند الفتنة. كذلك، جاء في سورة الزمر آيات توضح ذلك المعنى، حيث يقول الله -سبحانه-: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ). علم النبي -عليه الصلاة والسلام- أن النجاشي ملك الحبشة هو ملك عادل، فأوصى أصحابه بالهجرة إلى هناك كوسيلة للنجاة من أذى المشركين. وقد هاجر أحد عشر رجلاً وأربعة نساء إلى الحبشة، وقد كانت هذه الهجرة هي الأولى في تاريخ الإسلام، في السنة الخامسة من بعثة النبي.
الهجرة من مكة إلى المدينة
أذن الله -تعالى- لرسوله وللمسلمين بالهجرة من مكة إلى المدينة بسبب ما تعرضوا له من بلاء وعذاب. فرّ المسلمون بدينهم بعد أن وجدوا من يناصرهم من أهل المدينة بعد بيعة العقبة الثانية. فبدأ بعض المسلمين بالهجرة إلى المدينة، بينما عاد بعض آخر من الحبشة. ثم استعد أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- ليهاجر مع النبي -عليه الصلاة والسلام-. وكان أول المهاجرين هو أبو سلمة بن عبد الأسد مع زوجته أم سلمة، بعد تعرضهم للأذى من قريش بسبب هجرتهم إلى الحبشة. تم منع أم سلمة من الهجرة معه، لكنها لحقت به بعد عام. وانطلقت هجرات الصحابة جماعيًا حتى لم يبقَ إلا النبي وصاحباه أبو بكر وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-، وأذن الله -تعالى- لنبيه بالخروج.
هجرة القبائل إلى النبي
كان من دواعي هجرة القبائل إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل فتح مكة هو التعلم من تعاليم دينهم، ثم العودة إلى قومهم لنقل ما تعلموه. ومن بين تلك القبائل قبيلة عبد القيس وغيرها.
الهجرة مما نهى الله عنه
تتجلى هذه الهجرة في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (والمُهاجِرُ مَن هَجَرَ الخَطايا والذُّنوبَ)، مما يعني أن الهجرة ليست مجرد ترك الوطن، بل تشمل أيضًا ترك جميع المحرمات. يرى بعض العلماء من المالكية أن هذه الهجرة تُعتبر الهجرة العظمى، والتي تشمل باقي أنواع الهجرة. فهي تُشجع على الطاعة وعدم التفريط في الأعمال والعبادة. وفي الأحاديث الشريفة تقوية لمن لم يُستطع الهجرة الحسية، فهجرة الفواحش والمعاصي تعد نوعًا هامًا من أنواع الهجرة، ويُثاب الإنسان على ذلك أجرًا عظيمًا أمام الله -سبحانه-. وتكون هذه الهجرة بإخلاص النية لله وحده، فلا يُحتسب أجر من ينوي الحج لمصلحة تجارة فقط. كما أن الهجرة مما نهى الله تُعني أن يهاجر الإنسان بقلبه إلى الله ورسوله، فلا يُفضل شيئا على محبتهما، ولا يوجه عبادته إلا لله، ولا يخاف إلا من خالقه.
أنواع الهجرة من حيث حكمها
تنقسم الهجرة من حيث الحكم إلى الأنواع التالية:
- الهجرة الواجبة: مثل هجر المحرمات، بالابتعاد عنها وتجنبها، وهجرة النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته من مكة إلى المدينة. كما تُعتبر هجرتهم من الأماكن التي يظهر فيها المنكر ولا يُنكرها أحد، حيث تسود المعاصي. ويشمل ذلك هجرة الشخص لأصحاب المعاصي عند قيامهم بها، كما قال الله -تعالى-: (وَإِذا رَأَيتَ الَّذينَ يَخوضونَ في آياتِنا فَأَعرِض عَنهُم حَتّى يَخوضوا في حَديثٍ غَيرِهِ).
- الهجرة الجائزة: وهي التي تحدث للمظلوم عند هجرته للظالم، ولا يجوز أن تزيد هذه الهجرة عن ثلاثة أيام، فقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثِ لَيالٍ، يَلْتَقِيانِ فيُعْرِضُ هذا ويُعْرِضُ هذا، وخَيْرُهُما الذي يَبْدَأُ بالسَّلامِ).
أهمية الهجرة في الإسلام
تعتبر الهجرة من أهم عناصر القوة والبعد عن الضعف في الأمة الإسلامية، وتظهر أهميتها في الجوانب التالية:
- تحرير المؤمنين من الفقر والخوف وتعزيز قوتهم الدفاعية سواء في السلم أو في الحرب. وقد أشار الله -تعالى- إلى ذلك بقوله: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً).
- توفير القوة والمنعة وتحقيق الإنجازات، كما جاء في قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ). وحذّر الله -سبحانه- من التباطؤ في الهجرة كلما دعت الحاجة لذلك، كما ورد في قوله: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).
- تحقيق الهدف من استمرار الخلق من خلال تجديد الأفكار، وتحديث الأشخاص والعلاقات الإنسانية، وزيادة الإنتاج، مما يُسهم في التجديد المستمر.
- تقوية الجبهة الداخلية للأمة الإسلامية، وذلك من خلال الهجرة الفكرية والنفسية، مما يمكن الأفراد من تغيير عاداتهم ومعتقداتهم نحو الأفضل، وبالتالي تغيير ذلك في غيرهم، وهذا يعد من أهم العوامل التي تسهم في تقدم الأمم وطريق إلى التربية.