أشرقت أوقات الربيع وتظاهرت بدموع المطر
أشرقت أوقات الربيع بينما شكى المطر
وأصبح النبات متناسقاً مع القمم
بينما الأخضر يكتسى بكمام
خضراء مزهرة، بلا كمام
متشابكة الأطراف ومتناغمة
فكأنها قد جلبت بالجلم
بالهاء البهيجة، مُشرقةً فيها
متأرجحة في الأسحار والظلم
تجد الوحوش هنا غاياتها
والطيور هنا غنية بالطعوم
فتصبح الظباء في المنتطح
وتصبح الحمام في حالة خصام
والرياض تتلألأ كزبرجد و
ياقوت تحت لآلئ مُشرقة
تطوح الندى على الورق
هكذا، وكأنها خيلان غالية
وأرى البلاغة في قصور المعاني
فهي تهز أثاثات القمم
والدولة الزاهرة، والزمن على
هارٍ، يكفيكَ شفاءً ومذهباً
إن الربيع كالشباب، وإنْ
الصيف يكسو بالأحمال كما الهرم
أشقائق النعمان، بين ربى
نعمانَ؛ أنتِ محاسن النعم
غدت الشقائق وهي تصف
آلاء ذي العظمة والجلال
ترف لأبصار كُحّلن بها
ليُرين كيف تكون عجائب الحكمة
شعلٌ تزيدك في النهار سناً
وتضيء في ظلماتك الداجية
تعجبني شعلاً على الفحم
لم تستعر في ذلك الفحم
وكأنما لُمعات السواد تتجلى
ما احمر منها في ضحوة الراحة
حدق العشاق وسط المقام
نهلوا وعلا من دموع دم
يا لشقائق إنها قِسَمٌ
تُزهى بها الأبصار في قسم
مالا يُهدى مثلها تُحفاً
إلا بتطويل من خالق النسم
اترك اللوم فانه عون للنواكب
اترك اللوم، فإن اللوم عون للنواكب
ولا تتجاوز في حدود المعاتب
فليس كل من أقام في مخفق
ولا كل من شد الرحال بكاسب
وفي السعي كيس والنفوس نفائس
وليس بكيس أن تُباع بالرغائب
وما زال أملاً للبقاء مُفضلاً
على الملك والأرباح دون الهرايب
حضضت على حطبي لناري فلا تترك
لك الخير يعد تحذير مُحاطب
وأنكرت شفقتي وليس يمنعي
طلابي بأن أسعى لمكاسب
ومن يلق ما لاقيت في كل مُجتنى
من الشوك فإنه يشتهي الثمار اللذيذة
قد أذاقني الأسفار ما لم يهو الغنى
إليَّ وأغراني بالتخلي عن المطالب
فأصبحت في الإثراء أزهد زاهد
وإن كنت في السعي أرغب راغب
حريصاً جباناً أتمناه ثم أنتهي
إلى حظوظ رزق لا حظ المراقب
ومن راح ذا حرص وجبن فإنه
فقير أقبل عليه الفقر من كل جانب
يا خليلي، قد أسرتني وحدتي
يا خليلي، قد أسرتني وحدتي
فقلبي بها معنّى قوي
غادة زانها الغصن بقدٍ
ومن الظبي مقلتان وجيد
وزينها من فرعها ومن الخدين
داكن السواد ومُزهر
أوقد الحسن ناراً من وحيدي
فوق خدٍ لم تشتكِ الكعوب
فهي برودة على خدها وسلام
وهي للعاشقين جهد عظيم
لم تضرّ قط وجهها وهو ماء
وتذيب القلوب وهي حديد
ما لما تصطليه من وجنتيها
غير تَرشَاف ريقها الذي يبرد
مثل ذاك الرضاب أطفأ الشغف
لولا الإباء والتصرف
وغرير بمعناها، يقول صِفها
قلت: أمرا يسر ولكنه شديد
يسهل القول بأنها أحسن النساء
لكن من الصعب تحديد
كشمس دجن، كلي المنيرين من الشمس
وبدرٍ من نورها يستفيد
تتجلى للناظرين، فمن شقي
بحسنها ووجد سعيد
ظبية تسكن القلوب وترعاها،
وقمرية لها تغريد
تتغنى، كأنها لا تتغنى
من سكون الأطراف وهي تجيد
لا ترى هناك من يحظى بعين
لك منها ولا يُدير العبيد
من هدوء وما فيه تبليد
مَدَّ في شأو صوتها نفسٌ كالبحار
كأنفاس عاشقيها ممدود
وأرق الدلال والغنج منها
وبراها الشغف فكاد يبيد
فتراه يموت طوْرا ويحيا
مستلذ بأساسيها والنشيد
فيه وشية وفيه حلية من النغمة
مصوغ يختال فيه القصيد
طاب فوه وما تُرجع فيه
كل شيء لديها بذلك شهيد
ثغبٌ ينقع الصدى وغناءٌ
عنده يوجد السرور الفقيد
فلها الدهر ذنب متجدد
ولها الدهر سامعٌ مستعيد
بكاؤكما يُشفي رغم عدم الجدوى
بكاؤكما يُشفي وإن كان لا يجدي
فأكرما، فقد أودى نظيركما لدى
بنيَّ الذي أهديته كفّي للثرى
فيا عزة المُهدي ويا حسرة المُهدى
ألا قاتل الله المنايا ورميها
من القوم حَبّات القلوب على عمد
توخّى حمام الموت أوسطَ صبيتي
فلله كيف اختار واسطة العقد
على حين شممت الخير من لمحات
وآنستُ من أفعاله دلالة رشد
طواه الردى عني فأصبح مزارُه
بعيدًا على قرب، قريبًا على بعد
لقد أنجزت فيه المنايا وعيدها
وأخلفت الآمال ما كان من وعد
لقد قل بين المهد واللحد لبثه
فلم ينس عهد المهد إذ ضم في اللحد
تنغص قبل الري ماء حياته
وفجع بعذوبته وبرده
ألحّ عليه النزف حتى أحاله
إلى صفرة الجادي عن حمرة الورد
وظل على الأيدي تساقط نفسي
ويذوي كما يذوي القضيب من الرند
فيا لك من نفس تساقط أنفاسا
تساقط در من نظام بلا عقد
عجبت لقلبي كيف لم ينفطر له
ولو أنه أقسى من الحجر الصلد
وددت أني كنت قدِمتُ قبله
وأن المنايا دونه صمدت صمدي
ولكن ربي شاء غير مشيئتي
وللرب إمضاء المشيئة لا العبد
وما سرني أن بعتُه بثوابه
ولو أنه التخليد في جنة الخلد
ولا بعتُه طوعاً ولكن أغصبت
وليس على ظلم الحوادث من مؤيد
وإني وإن متعتُ ابني بعده
لذاكر له ما حنت النيب في نجد
وأولادنا مثل الجوارح أيها
فقدناه كان الفاجع البين الفقد
لكل مكان لا يسد اختلاله
مكان أخيه في جزوع ولا جلد