أسباب ظهور الفلسفة الحديثة
يعود ظهور الفلسفة الحديثة إلى التقسيم التاريخي المعروف للعصور، حيث يُعتبر هذا التقسيم جانبًا ثقافيًا وسياسيًا وليس تاريخيًا فقط. إن تاريخ الفلسفة الحديثة وميلادها يتزامن مع حقبتي النهضة الأوروبية والتنوير، التي امتدت من القرن الخامس عشر حتى نهاية القرن الثامن عشر، ويتلازم في الوقت نفسه مع تشكل الدول القومية الحديثة ذات الأنظمة الملكية.
عند استكشاف جذور الفلسفة الحديثة، يتضح أنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بمفهوم التجريبية المنطقية، وبشكل خاص بأعضاء مجموعة فيينا، مثل فرانك وهان ونيورات وكاريناب وشليك. وقد كان هؤلاء الفلاسفة وعلماء قد تأثروا بشدة بالثورات العلمية والصناعية التي حدثت في بدايات القرن العشرين، واعتنقوا العلم كمصدر رئيسي للمعرفة، مما أدى إلى رفضهم لميتا-فيزياء الفلسفة التقليدية المشبعة بها.
فقد كانوا يميزون بين الادعاءات غير المنطقية وتلك التي تستند إلى أسس قابلة للتحقق، وكانت أبرز هذه الادعاءات هي الميتافيزيقيا التي لا يمكن إثباتها بالتجربة. وبذلك، أصبح العلم بالنسبة لهم المصدر الأكثر موثوقية للمعرفة، وكانت التجربة هي الدليل الأقوى.
تعريف الفلسفة الحديثة
تعتبر الفلسفة الحديثة رد فعل على الفلسفة الأرسطية التي كانت سائدة في تلك الفترة، لكنها لم تكن تنفي جوهرها بالكامل، حيث استمرت العديد من المفاهيم الأساسية لـ الفلسفة الأرسطية في التأثير على الفلاسفة الذين اعتنقوا المنهج الحديث. ونادرًا ما نجد مفاهيم جديدة قدمها الحداثيون ولم تكن موجودة قبل الفلسفة الحديثة.
تشكل الفلسفة الحديثة مرحلة مهمة في تاريخ الفلسفة، حيث كانت محاورها تدور حول الإنسان ومحاولة تعزيزه ورفع شأنه. وقد عملت منذ بداياتها على تجاوز الميتافيزيقية التي غمرت الفلسفة القديمة، وأثارت استخدام العقل والمنطق في جميع مجالات التفكير.
يرى العديد من الفلاسفة والعامة على حد سواء أن الحداثة تعكس موقفًا فلسفيًا يتجاوز كونها مجرد فترة تاريخية. ويصف ميشيل فوكو الحداثة بأنها مركزية في الهوية الإنسانية، حيث تتجلى أهميتها كوسيلة للخروج من قيود الماضي وفهم الذات، مشيرًا إلى أنه لا يمكن للفرد أن يتخطى الحداثة دون دراستها بشكل كامل.
عوامل نشأة الفكر الفلسفي الحديث
تتضمن العوامل الأساسية التي ساهمت في نشوء وازدهار الفلسفة الحديثة عاملين رئيسيين:
- زيادة الاكتشافات التاريخية
يمكن رصد هذا العامل بوضوح من خلال استعادة الأسبان للأندلس، واستغلالهم للتراث العربي الموجود هناك، بالإضافة إلى الحركات الجغرافية مثل اكتشاف ماجلان لطريق رأس الرجاء الصالح وكولومبوس لقارة أمريكا. فقد كانت هذه الاكتشافات مفتاحًا لأوروبا لتوسيع آفاق معرفتها بالعالم.
- ظهور الروح العلمية الحديثة وازدهار العلوم التجريبية
تمثل هذا الأمرفي الاكتشافات التي قام بها نيقولاوس كوبرنيقوس للنظام الشمسي، مما ساعد على دحض العديد من المعتقدات والأساطير المتعلقة بالشمس ودورانها. وكان هذا التحول من العوامل الأساسية التي أدت إلى فقدان الثقة في الفلسفات والعلوم التقليدية، وخاصة فلسفة أرسطو، وبذلك استطاع الفكر الأوروبي التحرر من الموروثات غير المنطقية.