الثورة المهديّة: دراسة تاريخية
على مرّ العصور، شهدت المنطقة العربية والإسلامية سلسلة من الثورات والاحتجاجات الشعبية، كان ذلك نتيجة للسياسات الخاطئة في الحكم والإدارة. ومن بين تلك الثورات، تبرز الثورة المهديّة التي انطلقت من السودان. في هذا المقال، نتناول تفاصيل حدوث هذه الثورة وأسبابها الكامنة.
نشأة الثورة المهديّة
بدأت ثورة المهديّة بزعامة الشيخ محمد أحمد المهدي، الذي وُلِد في منطقة جنوبي دنقلة، حيث رفع شعار التغيير ضد النظام القائم في السودان. انطلقت بذور الثورة من جزيرة أبا، حيث سعى المهدي لتكوين حركة اجتماعية ودينية تُعيد الأفراد إلى دينهم وتُشجعهم على الالتزام بشريعتهم. في عام 1881، أعلن المهدي دعوته، وحثّ الناس على الانضمام إلي ثورته، فانضم إليه الآلاف من السودانيين. ونجح بعد أربع سنوات فقط في هزيمة النظام الحاكم، حيث تمكن من دخول العاصمة الخرطوم في عام 1885، مما أثار قلق كبير لدى الحكومة البريطانية التي كانت تتمتع بنفوذ واسع في مصر والسودان. فقامت الحكومة البريطانية بإرسال عدة حملات بقيادة الجنرال هيكس وغوردون، لكنه استطاع هزيمتهم في كل مرة.
بعد وفاة الزعيم المهدي، تولّى عبد الله التعايشي قيادة الثورة واستمر في توسيع رقعة الدولة. ولكن بسبب طموحاته الكبيرة وصعوبة السيطرة على المناطق الواسعة، انتهت الثورة بهزيمته في معركة توتشكي، التي كانت تهدف إلى احتلال مصر، مما أدى إلى انقضاء الدولة المهديّة في عام 1899.
أسباب الثورة المهديّة
تتعدد الأسباب التي أدت إلى قيام الثورة المهديّة، ومن أبرزها:
- ارتفاع الضرائب المفروضة على السودانيين من قبل الحكومة التي عيّنها والي مصر محمد علي باشا ومن خلفه، حيث كانت السودان تديرها مصر في تلك الفترة.
- محاربة القيادة السودانية المعروفة بالحكومة “الحكمدارية” لتجارة الرقيق، إذ كانت تلك التجارة تشكل مصدر رزق للعديد من الأفراد.
- تزايد النفوذ الغربي في السودان، فقد استطاعت بريطانيا السيطرة على الأمور في كل من مصر والسودان، مما أدى إلى تدخل القنصليّات البريطانية والموظفين المعتمدين في مصر في شؤون السودان، مما أثر على الاستقرار وأثار الاستياء الشعبي بسبب الحكم الأجنبي المرتبط بالقيم السلبية في ذهن المسلمين.
- البعد الديني والفكري، حيث كان الاعتقاد بفكرة المهدي المنتظر بمثابة المحرك الأساسي للثورة تحت قيادة محمد أحمد، الذي استطاع استغلال هذه الفكرة لتعبئة الجماهير وكسب تأييدهم، خاصة في ظل الظروف التي شهدت شيوع الفوضى والمظالم في البلاد.